التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
935 [ ص: 250 ] حديث حادي عشر لعبد الله بن أبي بكر

مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه أن أبا البداح بن عاصم بن عدي أخبره ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر ، ثم يرمون الغد ، أو من بعد الغد ليومين ، ثم يرمون يوم النفر .


أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري أمه كبشة ابنة عبد الرحمن بن سعيد بن زرارة ، وخالته عمرة بنت عبد الرحمن كان قاضيا لعمر بن عبد العزيز أيام إمرته على المدينة للوليد بن عبد الملك ، فلما ولي عمر الخلافة ولى أبا بكر على المدينة فاستقضى أبو بكر أبا طوالة ، وكان [ ص: 251 ] أبو بكر يصلي بالناس ويتولى أمرهم وتوفي أبو بكر بالمدينة سنة عشرين ومائة ، وهو ابن أربع وثمانين سنة في قول الواقدي .

أخبرنا عبد الرحمن بن زكرياء ، حدثنا أحمد بن سعيد ، حدثنا عبد الملك بن بحر ، حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، حدثنا الحسن بن علي الحلواني ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبد الله بن ديز ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن محمد : انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو سنة ماضية ، أو حديث عمر فاكتبه ، فإني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله .

وأبو البداح بن عاصم بن عدي لا يوقف على اسمه أيضا وكنيته اسمه ، وقال الواقدي : أبو البداح لقب غلب عليه ويكنى أبا عمرو توفي في سنة سبع عشرة ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك ، وهو ابن أربع وثمانين سنة ، وهو أبو البداح بن عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان من بلي من قضاعة ، حليف لبني عمرو بن عوف ، وقد قال بعض الناس : إن لأبي البداح صحبة ، ولا يصح ما قال ، وإنما دخل عليه ذلك لقول ابن جريج : إن أخت معقل بن يسار كانت تحت أبي البداح فطلقها [ ص: 252 ] ثم أراد ردها فعضلها أخوها معقل فنزلت الآية ، والصواب تحت أبي ، أبي البداح .

وذكر أحمد بن خالد أن يحيى بن يحيى وحده من بين أصحاب مالك ، قال في هذا الحديث عن مالك بإسناده أن أبا البداح عاصم بن عدي . فجعل أبا البداح كنية عاصم بن عدي ، وجعل الحديث له ، والحديث إنما هو لعاصم بن عدي هو الصاحب ، وأبو البداح ابنه يرويه عنه ، وهو الصحيح فيه عن أبي البداح بن عاصم بن عدي ، عن أبيه قال : وكذلك رواه ابن وهب ، وابن القاسم .

قال أبو عمر : لم نجده عند شيوخنا في كتاب يحيى إلا عن أبي البداح بن عاصم بن عدي كما رواه جماعة الرواة ، عن مالك ، وهو الصحيح في إسناد هذا الحديث كما قال أحمد ، فإن كان يحيى رواه كما قال أحمد ، فهو غلط من يحيى ، والله أعلم . أو من غيره ، ولم يختلفوا في إسناد هذا الحديث عن مالك إلا ما ذكر أحمد بن خالد ، عن يحيى ، وقد اختلفوا عنه في ألفاظه ، وقد كان سفيان بن عيينة يقول في إسناد هذا الحديث شيئا يشبه ما حكاه أحمد عن يحيى في روايته ، عن مالك ويعضده ، وذلك أنه قال فيه : عن أبي البداح بن عدي ، عن أبيه ، ومرة لم يقل عن أبيه ، والصواب في إسناد هذا الحديث ما قاله مالك في رواية جمهور الرواة عنه .

[ ص: 253 ] أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعيد ، حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن ، حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى القطان ، حدثنا مالك أخبرنا عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء في البيتوتة يرمون يوم النحر ، واليومين اللذين بعده يجمعونهما في أحدهما .

قال أبو عمر : هذا هو الصحيح في إسناد هذا الحديث .

وأما ألفاظه فلم يذكر فيه : في البيتوتة عن منى ، ومعلوم أنه إنما رخص لهم في البيتوتة عن منى بمكة ، هذا ما لا شك فيه ، رخص لهم في ذلك ولمن ولي السقاية من آل العباس ، وفي رواية القطان هذه ما يدل على أن الرعاء رخص لهم في جمع رمي اليومين في اليوم الواحد ، قدموا ذلك ، أو أخروه ، ومالك لا يرى لهم التقديم ، إنما يرى لهم تأخير رمي اليوم الثاني إلى الثالث ، ثم يرمون في الثالث ليومين ; لأنه لا يقضي عنده شيء من ذلك حتى يجب ، وغيره يقول : لا بأس بذلك كله ; لأنها رخصة رخص لهم فيها كما رخص لمن نفر وتعجل في يومين .

وعند مالك أن الرعاء إذا رموا في اليوم الثالث ، وهو الثاني من أيام التشريق لذلك اليوم ، ولليوم الذي قبله ، نفروا إن شاءوا في بقية ذلك اليوم ، فإن لم ينفروا وبقوا إلى الليل لم ينفروا اليوم الثالث من أيام التشريق حتى يرموا في وقت الرمي بعد الزوال ، وإنما لم يجز مالك للرعاء تقديم الرمي ; لأن غير الرعاء لا يجوز لهم [ ص: 254 ] أن يرموا في أيام التشريق شيئا من الجمار قبل الزوال ، ومن رماها قبل الزوال أعادها ، فكذلك الرعاء ليس لهم التقديم ، وإنما رخص لهم في تأخير رمي اليوم الثاني إلى الثالث ، فقف على ذلك .

قال أبو عمر : لم يقل القطان في حديثه هذا ، عن مالك : ثم يرمون يوم النفر ، وهو في الموطأ .

وأجمع العلماء على أن أيام التشريق كلها أيام رمي ، وهي الثلاثة الأيام بعد يوم النحر .

وأجمعوا أن يوم النحر لا يرمى فيه غير جمرة العقبة قبل الزوال ، ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال ، وكذلك أجمعوا أن وقت رمي الجمرات في أيام التشريق الثلاثة التي هي أيام منى بعد يوم النحر وقت الرمي فيما بعد زوال الشمس إلى غروب الشمس ، واختلفوا في حكم من ترك الرمي في اليوم الثاني من أيام التشريق ، فقال مالك : من نسي رمي الجمار حتى يمسي فليرم أية ساعة ذكر من ليل أو نهار كما يصلي أية ساعة ذكر غير أنه إذا مضت أيام منى فلا رمي ، فإن ذكر بعد أن يصدر ، وهو بمكة ، أو بعد ما يخرج منها فعليه الهدي ، قال ابن وهب : فقلت لمالك : أفرأيت الذي ينسى ، أو يجهل في غير يوم النحر في أيام [ ص: 255 ] منى ، فلا يرمي حتى الليل ؟ ، قال : يرمي ساعتئذ ويهدي أحب إلي ، وهو أخف عندي من الذي يفوته الرمي يوم النحر حتى يمسي .

وقال أبو حنيفة : إذا ترك رمي الجمار كلها يومه إلى الليل ، وهو في أيام الرمي رماها بالليل ، ولا شيء عليه ، وإن ترك الرمي حتى ينشق الفجر رمى وعليه دم . قال : وإن ترك من جمرة العقبة يوم النحر ثلاث حصيات إلى الغد رماهن ، وعليه صدقة نصف صاع لكل حصاة ، وإن ترك أربع حصيات فما فوقهن كان عليه دم ورماهن إذا لم يرم حتى طلع الفجر من الغد .

وقال أبو يوسف ، ومحمد : يرمي ما ترك من الغد ، ولا شيء عليه .

وقال الشافعي : أيام منى أيام للرمي فمن أخر ونسي شيئا قضى في أيام منى ، فإن مضت أيام منى ، ولم يرم أهراق لذلك دما ، إن كان الذي ترك ثلاث حصيات ، وإن كان أقل ففي كل حصاة مد يتصدق به ، وهو قول أبي ثور .

قال أبو عمر : أجمع العلماء على أن من فاته رمي ما أمر برميه من الجمار في أيام التشريق حتى غابت الشمس من آخرها ، وذلك اليوم الرابع من يوم النحر ، وهو الثالث من أيام التشريق ، فقد فاته وقت الرمي ، ولا سبيل له إلى الرمي أبدا ، ولكن يجبره بالدم ، أو بالطعام على حسب ما للعلماء في ذلك من الأقاويل ، فمن ذلك أن مالكا قال : لو ترك الجمار كلها ، أو ترك جمرة منها ، أو ترك حصاة من جمرة حتى خرجت أيام منى فعليه دم ، وقال أبو حنيفة : إن ترك الجمار كلها [ ص: 256 ] كان عليه دم ، وإن ترك جمرة واحدة كان عليه لكل حصاة من الجمرة إطعام مسكين نصف صاع حنطة إلى أن يبلغ دما فيطعم ما شاء إلا جمرة العقبة فمن تركها فعليه دم ، وكذلك قال الأوزاعي ، إلا أنه قال : إن ترك حصاة تصدق بشيء ، وقال الثوري : يطعم في الحصاة ، والحصاتين ، والثلاث ، فإن ترك أربعا فصاعدا فعليه دم ، وقال الليث : عليه في الحصاة الواحدة دم ، وقال الشافعي : في الحصاة الواحدة مد من طعام ، وفي حصاتين مدان ، وفي ثلاث حصيات دم ، ولقول آخر مثل قول الليث ، والأول أشهر عنه .

قال أبو عمر : وقد ذكرنا الرتبة في أوقات رمي الجمرات ، وذلك لمن لم يرخص له من سائر الحاج كلهم ، ورخص لرعاء الإبل ، ولأهل سقاية العباس في المبيت بمكة عن منى ، وكذلك رخص لهم في جمع رمي يومين في يوم واحد على ما جاء في الآثار المذكورة في هذا الباب .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، أخبرنا محمد بن بكر أخبرنا أبو داود ، أخبرنا القعنبي ، عن مالك ، قال أبو داود : وحدثنا ابن السرح ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرنا مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص [ ص: 257 ] لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر ، ثم يرمون الغد ، أو من بعد الغد ليومين ، ثم يرمون يوم النفر ، وهذه الألفاظ كألفاظ رواية يحيى سواء إلا أن القعنبي وابن وهب لم يذكرا عن منى ، وكذلك يحيى القطان لم يقل فيه : عن منى ، ومعلوم أنهم إنما رخص لهم في البيتوتة عن منى ، وليس تقصير من قصر عنه بشيء ، وكذلك رواه عبد الرزاق ، عن مالك كما قال هؤلاء في البيتوتة لم يقل عن منى .

ذكر عبد الرزاق ، عن مالك ، قال : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي ، عن أبيه ، قال : رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر ، ثم يجمعون رمي يومين بعد يوم النحر فيرمونه في أحدهما ، ثم يرمون يوم النفر ، وهذا مثل رواية يحيى القطان في أن لهم أن يجمعوا رمي يومين في يوم ، قدموا ذلك أو أخروه ، وألفاظ الموطأ تدل على هذا ; لأن قوله فيه : ثم يرمون الغد ، يعني من يوم النحر ، أو من بعد الغد ليومين ليست " أو " هاهنا للشك ، وإنما هي للتخيير بلا شك ، وقد بان ذلك في رواية يحيى القطان ، وعبد الرزاق ، وغيرهما ، عن مالك .

وذكر عبد الرزاق : لم يرمون يوم النفر ، وكذلك في الموطأ ، ولم يذكره يحيى القطان ، وهو شيء نقصه ، وقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك ، فجود إسناده ، ولفظه .

[ ص: 258 ] قرأت على عبد الوارث بن سفيان : أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر ، ثم يرمون الغد ، أو من بعد الغد لليومين ، ثم يرمون يوم النفر .

ففي كل رواية عن مالك في الموطأ ، وغيره في هذا الحديث الرخصة للرعاء في أن يرموا إن شاءوا يوم ثاني النحر ، وهو الأول من أيام التشريق ليومين ، ثم لا يرمون إلى يوم النفر ، وإن شاءوا أن لا يرموا يوم ثاني النحر ويرمون في اليوم الثالث منه ليومين ، أي ذلك شاءوا فذلك لهم على حديث مالك التخيير لهم فيه ثابت ، وكان مالك يقول : يرمون يوم النحر ، يعني جمرة العقبة ، ثم لا يرمون من الغد ، فإذا كان بعد الغد رموا ليومين لذلك اليوم ولليوم الذي قبله ، لأنهم يقضون ما كان عليه ، ولا يقضي أحد عنده شيئا إلا بعد أن يجب عليه ، وغيره يقول : ذلك كله جائز على ما في حديث مالك ; لأنها أيام رمي كلها ، وقد رخص لهم في ذلك وصحت الرخصة به ، والذي قاله مالك في هذه المسألة موجود في رواية ابن جريج لهذا الحديث .

أخبرنا أحمد بن قاسم ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا [ ص: 259 ] عثمان بن الهيثم ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر ، ثم يدعوا يوما وليلة ، ثم يرمون الغد .

وأما رواية ابن عيينة لهذا الحديث فحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثني أبي ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن أبي البداح بن عدي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما . قال أحمد بن زهير : وسئل يحيى بن معين عن هذا الحديث ، فقال : أخطأ فيه ابن عيينة .

وأخبرنا عبد الله بن محمد أخبرنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا مسدد ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن أبي بكر ، ومحمد ، عن أبيهما ، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما .

وأما البيتوتة بمكة ، وغيرها عن منى ليالي التشريق فغير جائز عند الجميع إلا للرعاء على ما في حديث أبي البداح هذا عن أبيه ، ولمن ولي السقاية من آل العباس ، ولا خلاف بين العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن في حجته المبيت بمنى ليالي التشريق ، وكذلك قال جماعة من أهل العلم منهم [ ص: 260 ] مالك ، وغيره أن الرخصة في المبيت عن منى ليالي منى ، إنما ذلك للرعاء ، وللعباس وولده خاصة ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولاهم عليها وأذن لهم في المبيت بمكة من أجل شغلهم في السقاية ، وكان العباس ينظر في السقاية ويقوم بأمرها ويسقي الحاج شرابها أيام الموسم ، فلذلك أرخص له في المبيت عن منى بمكة كما أرخص لرعاء الإبل في المبيت عن منى أيام منى في إبلهم من أجل حاجتهم إلى رعي الإبل وضرورتهم إلى الخروج بها نحو المراعي التي تبعد عن منى ، فلا يجوز لأحد غيرهم ذلك من سائر الحاج .

أخبرنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل أخبرنا محمد بن جرير ، حدثنا تميم بن المنتصر الواسطي ، حدثنا عبد الله بن نمير ، أخبرنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر أن العباس استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة أيام منى من أجل سقايته فأذن له .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، أخبرنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا ابن نمير ، وأبو أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له .

[ ص: 261 ] حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس ، حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة أيام منى من أجل سقايته .

وأخبرنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن معاوية أخبرنا أحمد بن شعيب أخبرنا إسحاق بن منصور ، حدثنا عبد الرحمن ، عن مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل في البيتوتة ، عن منى . . . . . وذكر الحديث .

وأخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد ، حدثنا أحمد بن الفضل بن العباس أخبرنا محمد بن جرير ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، عن حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس أنه كان يأتي منى كل يوم عند زوال الشمس فيرمي الجمار ، ثم يرجع إلى مكة فيبيت بها ; لأنه كان من أهل السقاية .

واختلف الفقهاء في حكم من بات عن منى من غير الرعاء وأهل السقاية من سائر الحاج ، فقال مالك : من ترك المبيت ليلة من ليالي منى بمنى فعليه دم ، وكذلك عنده لو ترك [ ص: 262 ] المبيت الليالي كلها عليه دم . وسئل مالك فيما ذكر أشهب ، وغيره عنه : عمن أفاض يوم النحر فبات بمكة ليلة من ليالي منى ؟ قال : أرى عليه دما . وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : إن كان يأتي منى فيرمي الجمار ، ثم يبيت بمكة ، فلا شيء عليه . وقال الشافعي : إذا ترك المبيت بمنى ليلة من ليالي منى ففيها ثلاثة أقاويل : أحدها : عليه مد ، والثاني : عليه درهم ، والثالث : عليه ثلث دم ، فإن ترك ليلتين ، فكذلك على هذه الثلاثة الأقاويل ، أحدها مدان ، والآخر درهمان ، والآخر ثلثا دم . وأما إن ترك ذلك ثلاث ليال ، فلم يختلف قوله : إن عليه دما . وقال أبو ثور : إذا بات ليالي منى كلها بمكة فعليه دم .

قال أبو عمر : لا أعلم أحدا أرخص في المبيت عن منى ليالي منى للحاج إلا الحسن البصري ، ورواية رواها عكرمة عن ابن عباس .

ذكر الطبري ، عن يعقوب الدورقي ، عن هشيم ، عن أبي حرة ، عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يبيت الحاج أيام منى بمكة ويأتي منى إذا أصبح ويرمي الجمار بعد الزوال في كل يوم .

وذكر عبد الرزاق ، عن الأسلمي ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في رجل بات بمكة أيام منى ، قال : ليس عليه شيء ، وعن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لا بأس أن يبيت الرجل بمكة [ ص: 263 ] ليالي منى ويظل إذا رمى الجمار .

وروى عطاء ، عن ابن عباس ، قال : إذا كان للرجل متاع بمكة فخشي عليه الضيعة إن بات بمنى ، فلا بأس أن يبيت عنده بمكة ، وهذه الرواية أشبه ; لأنه خائف مضطر فرخص له .

وقال ابن جريج ، عن عطاء : إذا جاء مكة لغير ضرورة وبات بها فليهرق دما . ومعمر ، عن الزهري ، قال : إذا بات بمكة ليالي منى فعليه دم .

قال أبو عمر : أجمع الفقهاء على أن المبيت للحاج غير الذين رخص لهم ليالي منى بمنى من شعائر الحج ونسكه ، والنظر يوجب على كل مسقط لنسكه دما قياسا على سائر شعائر الحج ونسكه .

وأحسن ما في هذا الباب ما رواه مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال عمر : لا يبيتن أحد من الحاج من وراء العقبة ، وكان يوكل بذلك رجالا لا يتركون أحدا من الحاج يبيت من وراء العقبة إلا أدخلوه ، وهذا يدل على أن المبيت من مؤكدات أمور الحج ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية