التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1426 [ ص: 292 ] [ ص: 293 ] حديث خامس عشر لعبد الله بن أبي بكر

مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو بن حزم ، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، عن أبي عمرة الأنصاري ، عن زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها ، أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها .


هكذا قال يحيى عن مالك في إسناد هذا الحديث ، عن أبي عمرة الأنصاري ، وكذلك قال فيه عن مالك - ابن القاسم ، وأبو مصعب الزهري ، ومصعب الزبيري ، وقال القعنبي ، ومعن بن عيسى ، وسعيد بن عفير ، ويحيى بن عبد الله بن بكير ، عن مالك بإسناده : ابن أبي عمرة ، وكذلك قال ابن وهب ، وعبد الرزاق إلا أنهما سمياه ، قالا : عبد الرحمن بن أبي عمرة ، [ ص: 294 ] أخبرنا خلف بن سعيد ، أخبرنا أحمد بن خالد ، حدثنا عبيد بن محمد الكشوري ، أخبرنا محمد بن يوسف الحذافي ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن زيد بن خالد الجهني , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يؤدي شهادته قبل أن يسألها ، أو يسأل عنها هكذا في كتابي في هذا الإسناد : عبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، ليس فيه عن أبيه ، والصواب : عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، وقد جود ابن وهب في إسناد هذا الحديث ، ولفظه وجاء عن مالك بتفسيره .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، أخبرنا محمد بن بكر ، أخبرنا أبو داود ، حدثنا ابن السرح ، وأحمد بن سعيد الهمداني ، قالا : حدثنا ابن وهب ، أخبرني مالك بن أنس ، عن عبد الله بن أبي بكر أن أباه أخبره أن عبد الله بن عمرو بن عثمان أخبره أن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أخبره أن زيد بن خالد الجهني أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال : ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته [ ص: 295 ] أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها شك عبد الله بن أبي بكر أيهما قال . قال مالك : هو الذي يخبر بشهادته ، ولا يعلم بها الذي هي له . زاد الهمداني : " ويرفعها إلى السلطان " ، قال ابن السرح : أو يأتي بها إلى الإمام ، واللفظ لحديث الهمداني ، وقال ابن السرح : ابن أبي عمرة ، ولم يقل عبد الرحمن ، قال أبو داود : والتفسير من قبل مالك .

أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ، حدثنا تميم بن محمد ، حدثنا عيسى بن مسكين . وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، أخبرنا سحنون ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثني مالك بن أنس ، عن عبد الله بن أبي بكر أن أباه ، أخبره أن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، أخبره أن عبد الله بن أبي عمرة الأنصاري ، أخبره أن زيد بن خالد الجهني أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته ، أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها يشك عبد الله بن أبي بكر أيتهما قال . قال ابن وهب : وسمعت مالكا يقول في تفسير هذا الحديث : إنه الرجل تكون عنده الشهادة في الحق يكون للرجل لا يعلم بذلك قبل ، فيخبر بشهادته ويرفعها إلى السلطان ، قال ابن وهب : وبلغني عن يحيى بن سعيد أنه قال : من دعي لشهادة عنده فعليه أن يجيب إذا علم أنه ينتفع بها الذي يشهد له بها ، وعليه أن يؤديها ، ومن كانت عنده شهادة لا يعلم [ ص: 296 ] بها صاحبها فليؤدها قبل أن يسأل عنها ، فإنه كان يقال : من أفضل الشهادات شهادة أداها صاحبها قبل أن يسألها .

قال أبو عمر : تفسير مالك ويحيى بن سعيد لهذا الحديث أولى ما قيل به فيه ، ولا يسع الذي عنده شهادة لغيره أن يكتمها ، ولا أن يسكت عنها إلا أن يعلم أن حق الطالب يثبت أو قد ثبت بغيره ، فإن كان كذلك ، فهو في سعة وأداؤها مع ذلك أفضل ، وسواء شهد أحد قبله ، أو معه ، أو لم يشهد إذا كان الحق مالا ؛ لأن اليمين فيه مع الشاهد الواحد .

وفي هذا الحديث أيضا دليل على جواز شهادة السماع ، وإن لم يقل المشهود له أشهدك على هذا ، ولا قال المشهود عليه اشهد علي ، فمن سمع شيئا وعلمه جاز له أن يشهد به ، ومثل هذا يأتي بالشهادة قبل أن يسألها ؛ لأن صاحبها لا يعلم بها فكل من علم شيئا يجوز أداؤه جاز له أن يشهد به لقوله : إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ، وقوله عز وجل : وأقيموا الشهادة لله ، وقوله : والذين هم بشهاداتهم قائمون [ ص: 297 ] قال أبو عمر : قد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهور شهادة الزور ، وكتمان شهادة الحق من أشراط الساعة ، عائبا لذلك ، وموبخا عليه ، فإذا كان كتمان شهادة الحق عيبا وحراما فالبدار إلى الإخبار بها قبل أن يسأل عنها فيه الفضل الجسيم ، والأجر العظيم إن شاء الله .

حدثنا يوسف بن محمد بن يوسف ، ومحمد بن إبراهيم ، وعبد العزيز بن عبد الرحمن ، قالوا : حدثنا أحمد بن مطرف ، حدثنا سعيد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا بشير بن إسماعيل ، حدثنا سيار أبو الحكم ، عن طارق بن شهاب ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إن بين يدي الساعة التسليم على الخاصة ، وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة ، وقطع الأرحام ، وفشو القلم ، وظهور شهادة الزور ، وكتمان شهادة الحق .

قال أبو عمر : أما قوله في هذا الحديث : وفشو القلم فإنه أراد ظهور الكتاب وكثرة الكتاب .

روى المبارك بن فضالة ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم ويفيض المال ويظهر القلم ويكثر التجار ، قال الحسن : لقد أتى علينا زمان ، إنما يقال : [ ص: 298 ] تاجر بني فلان وكاتب بني فلان ما يكون في الحي إلا التاجر الواحد ، والكاتب الواحد ، قال الحسن : والله إن كان الرجل ليأتي الحي العظيم فما يجد به كاتبا .

وقد روى ابن إدريس ، عن محمد بن عمارة ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، عن زيد بن خالد الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أنبئكم بخير الشهداء هم الذين يبدرون بشهادتهم قبل أن يسألوا عنها هكذا قال في إسناده لم يذكر أبا عمرة ، ولا ابن أبي عمرة . ذكره ابن أبي شيبة ، عن ابن إدريس . ورواه حاتم بن إسماعيل ، عن محمد بن عمارة ، عن أبي بكر بن محمد ، عن زيد بن خالد فأفسد إسناده .

وأما لفظه فلم يختلف في معناه ، وهو معنى صحيح ؛ لأن أداء الشهادة فعل خير ، ومعلوم أن من بدر إلى فعل الخير حمد له ذلك ، ومدح له وفضل ، والله يوفق من يشاء لا شريك له .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث العراقيين حديث يعارض ظاهر هذا الحديث ، وليس كذلك .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا أبي ، حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، حدثنا هلال بن يساف ، عن عمران بن حصين قال : قال [ ص: 299 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم يتسمنون ويحبون السمن يعطون الشهادة قبل أن يسألوها .

حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا ابن فضيل ، عن الأعمش ، عن علي بن مدرك ، عن هلال بن يساف ، عن عمران ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

قال أبو عمر : أدخل ابن فضيل بين الأعمش وبين هلال في هذا الحديث - علي بن مدرك ، وتابعه على ذلك عبد الله بن إدريس ، ومنصور بن أبي الأسود ، وهو الصواب ، وهذا عندي - والله أعلم - إنما جاء من قبل الأعمش ؛ لأنه كان يدلس أحيانا ، وقد يمكن أن يكون من قبل حفظ وكيع لذلك ، وإن كان حافظا ، أو من قبل أبي خيثمة ؛ لأن فيه : حدثنا هلال بن يساف ، وليس بشيء ، وإنما الحديث للأعمش ، عن علي بن مدرك ، عن هلال ، والله أعلم .

وقد روى الأعمش ، عن هلال بن يساف غير ما حديث ، وقد روى هذا الحديث شعبة ، عن علي بن مدرك ، عن هلال بن يساف ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . لم يقل : عن عمران بن حصين - أخبرناه محمد [ ص: 300 ] بن إبراهيم ، أخبرنا محمد بن معاوية ، أخبرنا أحمد بن شعيب ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن علي بن مدرك ، عن هلال بن يساف ، قال : قدمت البصرة ، فإذا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم سمان يعطون الشهادة ، ولا يسألوها .

قال أبو عمر : هذا الحديث في إسناده اضطراب ، وليس مثله يعارض به حديث مالك ; لأنه من نقل ثقات أهل المدينة ، وهذا حديث كوفي لا أصل له ، ولو صح كان معناه كمعنى حديث ابن مسعود على ما فسره إبراهيم النخعي فقيه الكوفة .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا أبي ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة السلماني ، عن عبد الله ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس خير ؟ قال : قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم تبدر شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته قال إبراهيم : كانوا ينهوننا ونحن صبيان عن العهد ، والشهادات .

[ ص: 301 ] قال أبو عمر : معنى هذا عندهم النهي عن قول الرجل أشهد بالله ، وعلي عهد الله ونحو ذلك ، والبدار إلى ذلك ، وإلى اليمين في كل ما لا يصلح ، وما يصلح ، والله أعلم .

وليس هذا الحديث من باب أداء الشهادة في شيء ، وقد سمى الله عز وجل أيمان اللعان شهادات ، فقال : فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله ، وهذا واضح يغني عن الإكثار فيه . وحديث أهل المدينة في هذا الباب حديث صحيح مستعمل لا يدفعه نظر ، ولا خبر ، والله المستعان .

وذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، قال : إذا كان عندك لأحد شهادة فسألك عنها فأخبره بها ، ولا تقل لا أخبرك إلا عند الأمير ، أخبره بها لعله أن يرجع ، أو يرعوي .

قال : وأخبرنا محمد بن مسلم ، عن إبراهيم بن ميسرة ، قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : خير الشهداء من أدى شهادته قبل أن يسأل عنها .

قال أبو عمر : أبو عمرة الأنصاري ، والد عبد الرحمن بن أبي عمرة هذا اسمه ثعلبة بن عمرو بن محصن .

التالي السابق


الخدمات العلمية