التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
397 [ ص: 302 ] حديث سادس عشر لعبد الله بن أبي بكر

مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن عمرو بن سليم الزرقي ، أنه قال : أخبرني أبو حميد الساعدي ، أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف نصلي عليك ؟ فقال : قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد .


استدل قوم بهذا الحديث على أن آل محمد هم أزواجه وذريته خاصة لقوله في حديث مالك ، عن نعيم المجمر وفي [ ص: 303 ] غير ما حديث : اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد وفي هذا الحديث : اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته ، فقالوا : هذا يفسر ذلك الحديث ويبين أن آل محمد هم أزواجه وذريته .

هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت .

وروي عن عيسى بن يونس ، عن مالك ، عن محمد ، وعبد الله ابني أبي بكر ، عن أبيهما ، عن عمرو بن سليم ، عن أبي حميد الساعدي . وذكر محمد بن أبي بكر فيه غريب إن صح ، قالوا : فجائز أن يقول الرجل لكل من كان من أزواج محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن ذريته : صلى الله عليك إذا وجهه ، وصلى الله عليه إذا غاب عنه ، ولا يجوز ذلك في غيرهم ، قالوا : والآل ، والأهل سواء ، وأهل الرجل وآله سواء ، وهم الأزواج ، والذرية بدليل هذا الحديث . وقال جماعة من أهل العلم : الأهل معلوم ، والآل الأتباع ، وقد ذكرنا وجه قول كل واحد في باب نعيم المجمر من كتابنا هذا ، والحمد لله .

وقال آخرون : لا يجوز أن يصلى على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده دون غيره ; لأنه خص بذلك ، واستدلوا بقوله عز وجل : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ، قالوا : وإذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد [ ص: 304 ] من أمته انبغى له أن يصلي عليه لما جاء في ذلك عنه من قوله - عليه السلام - : من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا ولا يجوز أن يتراحم عليه ; لأنه لم يقل من تراحم علي ، ولا من دعا لي ، وإن كانت الصلاة هاهنا معناها الرحمة ، فكأنه خص بهذا اللفظ تعظيما له ، قال الله عز وجل : إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ولم يقل : إن الله وملائكته يتراحمون على النبي ، وإن كان المعنى واحدا ليخصه بذلك ، والله أعلم .

واحتج قائلو هذه المقالة بأن عبد الله بن عباس كان يقول : لا يصلى على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم ، وبما روي عن عبد الله بن عمر أنه كان يقف على قبر النبي - عليه السلام - فيصلي عليه ويدعو لأبي بكر ، وعمر ، وقد روي في خبره هذا أنه كان يصلي على النبي - عليه السلام - ، وعلى أبي بكر ، وعمر ، والأول عند قائلي هذه المقالة أثبت عنه ، وقال آخرون : جائز أن يصلى على كل أحد من المسلمين ، وقالوا : آل محمد أتباعه [ ص: 305 ] وشيعته وأهل دينه هم آله ، واحتجوا بقول الله عز وجل : ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ، قالوا : ومعلوم أن آل فرعون أتباعه على دينه .

واحتجوا أيضا بحديث عبد الله بن أبي أوفى حدثناه سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا عبد الله بن روح المدائني ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن أبي أوفى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه قوم بصدقتهم ، قال : اللهم صل عليهم فأتاه أبي بصدقته ، فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى قالوا : ففي هذا الحديث بيان أن الصلاة على كل أحد جائزة من كل أحد اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وتأسيا به ; لأنه كان - عليه السلام - يمتثل قول الله عز وجل : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ، قالوا : ومعلوم أن الصلاة هاهنا الرحمة والتراحم فغير نكير أن يجوز من كل أحد من المسلمين بدليل الكتاب ، والسنة [ ص: 306 ] قال أبو عمر : كل ما ذكرنا ، قد قاله العلماء فيما وصفنا وبالله توفيقنا .

وقد أخبرنا إبراهيم بن شاكر ، حدثنا محمد بن أحمد ، حدثنا محمد بن أيوب ، حدثنا أحمد بن عمرو نا عمرو بن علي ، حدثنا أبو قتيبة ، حدثنا الثوري ، عن الأسود بن قيس ، عن نبيح العنزي ، عن جابر بن عبد الله ، قال : أتاني النبي - عليه السلام - فقلت لامرأتي : لا تسألي النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، فقالت : يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندنا ، ولا نسأله شيئا ، قالت : يا رسول الله صل على زوجي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلى الله عليك ، وعلى زوجك .

وأما اختلاف الفقهاء في وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية وجوبها . وموضع ذلك فقد مضى فيما سلف من كتابنا في باب نعيم المجمر ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية