التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1799 [ ص: 325 ] حديث تاسع عشر لعبد الله بن أبي بكر مرسل

مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : : إن عطس فشمته ، ثم إن عطس فشمته ، ثم إن عطس فشمته ، ثم إن عطس فقل : إنك مضنوك ، قال عبد الله بن أبي بكر : لا أدري أبعد الثلاثة ، أو الأربعة .


قال أبو عمر : لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث ، وهو حديث يتصل عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ، منها حديث سلمة بن الأكوع وحديث أبي هريرة .

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا زيد بن الحباب ، عن عكرمة بن عمار ، أخبرنا إياس بن سلمة [ ص: 326 ] بن الأكوع ، عن أبيه أن رجلا عطس عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : رحمك الله ثم عطس الثانية ، فقال : هو مزكوم هكذا قال زيد بن الحباب ، عن عكرمة بن عمار أن الثانية قال له فيها : هو مزكوم ، وتابعه على هذا المعنى ابن أبي زائدة ، عن عكرمة بن عمار .

وحدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا ابن أبي زائدة ، عن عكرمة بن عمار ، عن إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه أن رجلا عطس عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له : يرحمك الله ، ثم عطس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الرجل مزكوم ورواه القطان ، عن عكرمة بن عمار ، فذكر أن ذلك إنما قاله في الثالثة .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عكرمة بن عمار ، حدثنا إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه ، قال : عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمته ، ثم عطس فشمته ، ثم عطس ، فقال له في الثالثة : إنك مزكوم .

[ ص: 327 ] وأخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن ابن عجلان ، حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة . وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن مسعدة ، أخبرنا ابن عجلان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : شمت أخاك ثلاثا فما زاد فهو زكام . هكذا أوقفه يحيى القطان وحماد بن مسعدة على أبي هريرة ، ورفعه الليث بن سعد على الشك .

حدثناه أحمد بن محمد ، ومحمد بن الحكم ، ومحمد بن محمد بن موسى بن نصير وخلف بن أحمد ، قالوا : حدثنا أحمد بن مطرف ، حدثنا عبيد الله بن يحيى ، حدثني أبي يحيى بن يحيى ، عن الليث بن سعد . وأخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثني عيسى بن حماد المصري ، حدثنا الليث بن سعد ، عن ابن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، قال : لا أعلم إلا أنه رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يشمت المسلم إذا عطس ثلاث مرات ، فإذا زاد فهو زكام " . وقد روي حديث ابن عجلان هذا عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 328 ] وأخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن يزيد بن عبد الرحمن ، عن يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أمه حميدة ، أو عبيدة بنت عبيد بن رفاعة الزرقي ، عن أبيها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : شمت العاطس ثلاثا ، وإن شئت بعد فشمته ، وإن شئت فاتركه .

قال أبو عمر : في حديث سلمة بن الأكوع أن يشمت مرة ، أو مرتين ، ويقال له في الثالثة : إنه مزكوم ، أو هذا زكام ، وفي حديث أبي هريرة وحديث الزرقي أنه يشمت ثلاثا ، ويقال له ذلك في الرابعة ، وهي زيادة يجب قبولها ، والقول بها أولى وبالله توفيقنا .

وأحسن ما روي في كيفية تشميت العاطس حديث من حديث أهل المدينة وحديث آخر من رواية أهل الكوفة ، فأما حديث أهل المدينة فحدثناه أحمد بن فتح بن عبد الله ، حدثنا حمزة بن محمد ، حدثنا عمران بن موسى بن حميد ، [ ص: 329 ] حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثنا الليث بن سعد ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، عن عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله ، وإذا قال الحمد لله فليقل له أخوه يرحمك الله ، فإذا قيل له ذلك فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم .

وأخبرناه عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، أخبرنا أبو داود ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد العزيز ، يعني ابن عبد الله بن أبي سلمة ، عن عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال ، وليقل أخوه وصاحبه : يرحمك الله ، ويقول هو : يهديكم الله ويصلح بالكم .

وروي من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا أبو معشر ، عن عبد الله بن يحيى ، عن عمرة ، عن عائشة ، قالت : عطس عاطس عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما أقول يا رسول الله ؟ قال : قل الحمد لله قال [ ص: 330 ] القوم : ما نقول له يا رسول الله ؟ قال : قولوا يرحمك الله قال : ما أقول لهم يا رسول الله ، قال : قل يهديكم الله ويصلح بالكم .

وأما حديث الكوفيين فأخبرناه عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، قال : كان سالم بن عبيد جالسا فعطس رجل من القوم ، فقال : السلام عليكم ، فقال : السلام عليك وعلى أمك ، ثم قال : لعلك وجدت مما قلت لك ، قال : لوددت أنك لم تذكر أمي بخير ولا بشر قال : إنما قلت لك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم ، فقال : السلام عليكم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وعليك ، وعلى أمك ثم قال : إذا عطس أحدكم فليحمد الله قال : فذكر بعض المحامد ، وليقل له من عنده يرحمك الله ، وليرد - يعني عليهم - يغفر الله لنا ولكم .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا [ ص: 331 ] أبو عوانة ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن رجل فيهم ، عن سالم بن عبيد ، قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم ، فقال : السلام عليكم ، فقال النبي - عليه السلام - : عليك ، وعلى أمك ثم قال : إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين ، أو الحمد لله على كل حال ، وليقل له من عنده يرحمك الله ، وليرد عليه يغفر الله لي ، ولكم .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا تميم بن المنتصر الواسطي ، حدثنا إسحاق بن يوسف ، عن أبي بشر ورقاء ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن خالد بن عرفجة ، عن سالم بن عبيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث .

وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي ، حدثني أبي ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين ، وليقل له : يرحمك الله ، وليقل : يغفر الله لنا ، ولكم .

[ ص: 332 ] قال أبو عمر : على هذا الناس في تشميت العاطس : قول يرحمك الله ، واختلفوا في كيفية رده ، فقال مالك : لا بأس أن يقول : يهديكم الله ويصلح بالكم ، أو يغفر الله لكم ، كل ذلك جائز ، وهو قول الشافعي ، قال : أي ذلك قال فحسن ، وقال أصحاب أبي حنيفة : يقول : يغفر الله لكم ، ولا يقول : يهديكم الله ويصلح بالكم .

وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال : يهديكم الله ويصلح بالكم شيء قالته الخوارج ، لأنهم لا يستغفرون للناس . واختار الطحاوي قول يهديكم الله ويصلح بالكم ; لأنها أحسن من تحيته ، قال : وحال من هدي وأصلح باله فوق المغفور له .

وروى مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر من قوله مثله .

وأما تشميت أهل الذمة ، ففيه حديث حكيم بن الديلم ، حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا أحمد بن محمد المكي ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن حكيم بن الديلم ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، قال : كان اليهود يتعاطسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 333 ] رجاء أن يقول : يرحمكم الله ، فكان يقول : يهديكم الله ويصلح بالكم . انفرد به حكيم بن الديلم ، وهو عندهم ثقة مأمون .

وأما العاطس إذا لم يحمد الله فلا يجب تشميته ، أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا زهير ، قال : أبو داود . وحدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا سفيان المعنى ، قالا : حدثنا سليمان التيمي ، عن أنس ، قال : عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما وترك الآخر ، فقيل : يا رسول الله رجلان عطسا فشمت أحدهما ، قال أحمد : أو فسمت أحدهما وتركت الآخر ، فقال : إن هذا حمد الله ، وإن هذا لم يحمد الله .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو خيثمة مصعب بن سعيد ، حدثنا زهير بن معاوية ، عن التيمي ، عن أنس ، قال : عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما ، ولم يشمت الآخر ، فقالوا : يا رسول الله شمت هذا ، ولم تشمت هذا ، قال : لأن هذا حمد الله ، وهذا لم يحمده .

[ ص: 334 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا قاسم بن مالك ، عن عاصم بن كليب ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه ، وإذا لم يحمد الله فلا تشمتوه .

قال أبو عمر : شمت وسمت لغتان معروفتان عند أهل العلم يختلفون في ذلك ، قال الخليل بن أحمد التسميت لغة في تشميت العاطس .

وروي عن ثعلب أنه سئل عن معنى التشميت ، والتسميت ، فقال : أما التشميت فمعناه أبعد الله عنك الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك . وأما التسميت فمعناه جعلك الله على سمت حسن ونحو هذا .

قال أبو عمر : وهذا كله إنما ينويه الداعي له بصلاح الحال ، والغفران ، والرحمة على ما جاء في سنة التشميت مما قد ذكرنا في هذا الباب ، والحمد لله .

ومن أدب العطاس أن يضع العاطس يده على فيه ، ويخفض بالعطسة صوته ، ويقول : الحمد لله على كل حال .

[ ص: 335 ] أخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا مضر بن محمد ، حدثنا عبد العزيز بن مقلاص ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني إدريس بن يحيى الخولاني ، أخبرني عبد الله بن عياش ، عن ابن هرمز ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا عطس أحدكم فليضع كفه على وجهه ، وليخفض صوته .

وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن ابن عجلان ، عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده ، أو ثوبه على فيه ، وخفض ، أو غض بها صوته . شك يحيى .

واختلف الفقهاء في وجوب تشميت العاطس ، فذهب قوم إلى أن ذلك ندب لا إيجاب ، وأوجبه آخرون على الكفاية كرد السلام سواء ، وقد مضى القول في رد السلام في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا ، وقال أهل الظاهر : ذلك [ ص: 336 ] واجب متعين على كل أحد .

والأصل في هذا الباب ما حدثناه عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا محمد بن داود بن سفيان ، وخشيش بن أصرم ، قالا : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : للمسلم على أخيه : رد السلام ، وتشميت العاطس ، وإجابة الدعوة ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز .

وقد تكلمنا على ما يجب من الفروض على الكفاية في صدر كتابنا : كتاب جامع بيان العلم وفضله ، وما ينبغي في روايته وحمله فأغنى ذلك على إعادته هاهنا .

حدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا أحمد بن إبراهيم بن الحداد ، حدثنا زكرياء بن يحيى السجزي ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ، عن الحسن بن صالح ، عن سماك بن حرب ، عن [ ص: 337 ] عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه ، وإن كان مجوسيا ، فإن الله يقول : وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها .

وأما تشميت العاطس في الخطبة فسيأتي في باب أبي الزناد من كتابنا هذا عند ذكر قوله صلى الله عليه وسلم : إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة ، والإمام يخطب : أنصت ، فقد لغوت , إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية