التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1701 [ ص: 177 ] حديث تاسع عشر لأبي الزناد

مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يمشين أحدكم في نعل واحدة ، لينعلهما جميعا أو ليحفهما جميعا .


قال أبو عمر : قوله : لينعلهما جميعا أو ليحفهما جميعا ، أراد القدمين ، وهما لم يتقدم لهما ذكر ، وإنما تقدم ذكر النعل ، ولو أراد النعلين لقال : لينتعلهما جميعا أو ليحتف منهما جميعا ، وهذا مشهور من لغة العرب ، ومتكرر في القرآن كثير أن يأتي بضمير ما لم يتقدم ذكره لما يدل عليه فحوى الخطاب .

ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن المشي في نعل واحدة نهي أدب لا نهي تحريم ، والأصل في هذا الباب أن كل ما كان في ملكك ، فنهيت عن شيء من تصرفه والعمل به ، فإنما هو نهي أدب ; لأنه ملكك تتصرف فيه كيف شئت ، ولكن التصرف على سنته لا تتعدى ، وهذا باب مطرد ما لم يكن ملكك حيوانا فتنهى عن أذاه ، فإن أذى المسلم في غير حقه [ ص: 178 ] حرام ، وأما النهي عما ليس في ملكك إذا نهيت عن تملكه أو استباحته إلا على صفة ما في نكاح أو بيع أوصيد أو نحو ذلك ، فالنهي عنه نهي تحريم ، فافهم هذا الأصل ، وقد مضى منه ما فيه دلالة وكفاية في باب إسماعيل بن أبي حكيم عند نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل كل ذي ناب من السباع ، فلا وجه لإعادة ذلك ههنا .

وروى جابر في هذا الباب حديثا حسنا يجب أن يوقف عليه مع حديث أبي هريرة .

حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال : حدثنا زهير ، قال : حدثنا أبو الزبير ، عن جابر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلح شسعه ، ولا يمش في خف واحدة ، ولا يأكل بشماله .

قال أبو عمر : حديث أبي هريرة هذا وحديث جابر الذي ذكرنا حديثان بينان واضحان مستغنيان عن التفسير [ ص: 179 ] مستعملان عند أهل العلم ، لا أعلم بينهم في استعمالهما خلافا ، وقد روي عن عائشة معارضة لأبي هريرة في حديثه لم يلتفت أهل العلم إلى ذلك لضعف إسناد حديثها ، ولأن السنن لا تعارض بالرأي ، وقد روي عنها أنها لم تعارض أبا هريرة برأيها ، وقالت : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي في نعل واحدة ، وهذا الحديث عند أهل العلم غير صحيح ; لأن في إسناده ضعفا .

حدثنا أحمد بن عبد الله ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن فطيس ، قال : حدثنا يحيى بن إبراهيم ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا مندل ، عن ليث ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : ربما انقطع شسع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمشى في النعل الواحدة حتى يصلح الأخرى .

وحدثنا أحمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن فطيس ، قال : حدثنا يحيى بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ، قال : حدثنا عبد الله العمري ، عن أبيه أنه رأى سالم بن عبد الله يمشي في نعل واحدة ، وهو يصلح الأخرى .

قال : وأخبرنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ، قال : حدثنا [ ص: 180 ] سليمان بن بلال ، عن سليمان بن يسار مولى أصحاب المقصورة ، عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه ، أن عليا كان يمشي في النعل الواحدة ، وهذا معناه لو صح أنه كان عن ضرورة ، أو كان يسيرا نحو أن يصلح الأخرى لا أنه أطال ذلك ، والله أعلم ، ولا حجة في مثل هذا الإسناد .

ذكر الحسن الحلواني ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا سليم ، عن ابن عون ، عن محمد بن سيرين أنه قال : ولا خطوة واحدة - يعني يمشي في نعل واحدة - .

وأخبرنا عبد الرحمن ، حدثنا علي ، حدثنا أحمد ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني أشهل بن حاتم ، عن عبد الله بن عين ، عن محمد بن سيرين ، قال : كانوا يكرهون أن يمشي الرجل في النعل الواحدة ويقولون : ولا خطوة ، وقد ذكر عيسى بن دينار ، عن ابن القاسم ، عن مالك أنه سئل عن الذي ينقطع شسع نعله وهو في أرض حارة هل يمشي في الأخرى حتى يصلحها ؟ قال : لا ، ولكن ليخلعهما جميعا أو ليقف .

قال أبو عمر : هذا هو الصحيح من الفتوى ، وهو الصحيح في الأثر ، وعليه العلماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية