التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
974 [ ص: 341 ] حديث سابع وثلاثون لأبي الزناد

مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة .


وفي هذا الحديث أيضا أصل عظيم ، وفضل جسيم للمجاهد في سبيل الله ، وفيه دليل على أن الأعمال لا يزكو منها إلا ما صحبته النية والإخلاص لله عز وجل والإيمان به .

وفي هذا الحديث دليل على أن الغنيمة لا تنقص من أجر المجاهد شيئا ، وأن المجاهد وافر الأجر غنم أو لم يغنم ، ويعضد هذا ويشهد له ما اجتمع على نقله أهل السير والعلم بالأثر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب لعثمان ، وطلحة ، وسعيد بن زيد بأسهمهم يوم بدر وهم غير حاضري القتال [ ص: 342 ] فقال كل واحد منهم : وأجري يا رسول الله ، قال : وأجرك ، وأجمعوا أن تحليل الغنائم لهذه الأمة من فضائلها ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تحل الغنائم لقوم سود الرءوس قبلكم وقال - صلى الله عليه وسلم - فضلت بخصال . . وذكر منها ، وأحلت لي الغنائم ، ولو كانت تحبط الأجر أو تنقصه ما كانت فضيلة له ، وقد ظن قوم أن الغنيمة تنقص من أجر الغانمين لحديث رووه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ما من سرية أسرت فأخفقت إلا كتب لها أجرها مرتين ، قالوا : وفي هذا الحديث ما يدل على أن العسكر إذا لم يغنم كان أعظم لأجره ، والله أعلم .

واحتجوا أيضا بما حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، قال : حدثنا حيوة ، عن أبي هانئ حميد بن هانئ الخولاني ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من غازية تغزو في سبيل الله فتصيب غنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم [ ص: 343 ] الثلث ، فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم وهذا إنما فيه تعجيل بعض الأجر مع التسوية فيه للغانم وغير الغانم ، إلا أن الغانم عجل له ثلثا أجره ، وهما مستويان في جملته ، وقد عوض الله من لم يغنم في الآخرة بمقدار ما فاته من الغنيمة ، والله يضاعف لمن يشاء ، وهو أفضل من رجي وتوكل عليه لا إله إلا هو .

التالي السابق


الخدمات العلمية