التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
413 [ ص: 50 ] حديث حاد وخمسون لأبي الزناد

مالك عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ، فيسألهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون تركناهم ( وهم ) يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون .


في هذا الحديث شهود الملائكة للصلوات ، والأظهر أن ذلك في الجماعات ، وقد تحتمل الجماعات وغيرها ، ومعنى " يتعاقبون " تأتي طائفة بإثر طائفة وبعدها طائفة ، وإنما يكون التعاقب بين طائفتين أو بين رجلين مرة هذا ، ومرة هذا ، ومنه قولهم : الأمير يعقب البعوث ، أي : يرسل هؤلاء كذا شهرا أو أشهرا ، وهؤلاء شهرا أو أشهرا ، ثم يردهم ، ويعقبهم بآخرين ، فهذا هو التعاقب ، ومعنى هذا الحديث أن ملائكة النهار تنزل في صلاة الصبح فيحصون على بني آدم ، ويعرج الذين باتوا فيهم ذلك الوقت أي يصعدون ، وكل من صعد في شيء فقد عرج ، ولذلك قيل للدرج : المعارج ، فإذا كانت صلاة العصر نزلت ملائكة الليل فأحصوا على بني آدم ، وعرجت ملائكة النهار ، يتعاقبون هكذا أبدا والله أعلم .

[ ص: 51 ] وفي هذا الحديث أنهم يجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ، وهو أكمل معنى من الحديث الذي روي أنهم يجتمعون في صلاة الفجر خاصة ، وأظن من مال إلى هذه الرواية احتج بقول الله عز وجل ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) .

ومعنى قرآن الفجر : القراءة في صلاة الفجر ; لأن أهل العلم قالوا في تأويل هذه الآية : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، وليس في هذا دفع لاجتماعهم في صلاة العصر ; لأن المسكوت عنه قد يكون في معنى المذكور سواء ، ويكون بخلافه ، وهذا باب من الأصول قد بيناه في غير هذا الموضع .

ذكر بقي بن مخلد قال : حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا جرير عن منصور ، عن مجاهد في قوله تعالى ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال : صلاة الفجر يجتمع فيها ملائكة الليل وملائكة النهار .

وذكر ابن أبي شيبة عن أبي أسامة ، عن زكرياء ، عن أبي إسحاق ، عن مسروق مثله .

وذكر ابن أبي شيبة قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ضرار بن مرة ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن أبي عبيدة في قوله ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال : يشهده حرس الليل وحرس النهار من الملائكة في صلاة الفجر .

وذكر بقي قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله أنه قال في هذه الآية : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال : تدارك [ ص: 52 ] الحرسان اقرءوا إن شئتم ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال : تنزل ملائكة النهار ، وتصعد ملائكة الليل .

قال أبو عمر :

قد يحتمل أن يكون ذكر قرآن الفجر من أجل الجهر لأن العصر لا قراءة فيها تظهر ، والله أعلم . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ، وهذا حديث مسند صحيح ثابت ، وهو أولى من آراء الرجال ، وألزم في الحجة لمن قال به ، والله المستعان .

التالي السابق


الخدمات العلمية