التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1114 مالك عن عبد الله بن الفضل ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن عبد الله بن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صمتها .


[ ص: 74 ] نافع بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، أحد الأشراف التابعين الثقات ، وكان ذا فصاحة وبيان ، وكان فيه زهو فيما ذكروا ، وتجبر وإعجاب ، توفي في خلافة سليمان بن عبد الملك .

قال أبو عمر :

هذا حديث رفيع ، أصل من أصول الأحكام ، رواه عن مالك جماعة من الجلة ، منهم شعبة ، وسفيان الثوري ، وابن عيينة ، ويحيى بن سعيد القطان ، وقيل : إنه قد رواه أبو حنيفة ، عن مالك ، وفي ذلك نظر ، ولا يصح .

فأما حديث الثوري عن مالك في ذلك فحدثنا خلف بن قاسم قال : أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عبد الله القاضي بمصر ، حدثنا عبد الله بن الحسين بن أحمد بن أبي شعيب الحراني وحدثنا خلف قال : حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله القاضي ، حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي قالا جميعا : حدثنا محمد بن كثير قال : حدثنا سفيان الثوري عن مالك بن أنس ، عن عبد الله بن الفضل ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن ، وإذنها صماتها .

وأما حديث شعبة فحدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا شعبة قال : حدثنا مالك عن عبد الله بن الفضل ، عن نافع بن جبير ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن ، وإذنها صماتها .

[ ص: 75 ] حدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا أحمد بن سليمان الرملي ، حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا شعبة بن الحجاج ، حدثنا مالك بن أنس ، عن عبد الله بن الفضل ، عن نافع بن جبير ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن ، وإذنها صماتها هكذا يقول شعبة : والثيب أحق بنفسها .

وحدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين بن عبد الله ، حدثنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك ، عن عبد الله بن الفضل ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر رضاها صماتها .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن مالك .

وأخبرنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم ، حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة قال : حدثنا مطرف بن عبد الله قال : حدثنا مالك ، عن عبد الله بن الفضل ، عن نافع بن جبير ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأمر في نفسها ، وإذنها صماتها . كذا قال : تستأمر . لفظ مطرف ، وعامة رواة الموطأ يقولون : تستأذن .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا الحميدي ، وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد بن حنبل ، قالا جميعا : حدثنا سفيان قال : حدثنا زياد بن سعد ، عن عبد الله [ ص: 76 ] ابن الفضل ، عن نافع بن جبير ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأمر في نفسها ، فصمتها إقرارها هذا لفظ حديث الحميدي ، وقال أحمد بن حنبل : حدثنا سفيان عن زياد بن سعد بإسناده فقال : الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر يستأمرها أبوها ، وصمتها إقرارها .

قال أبو عمر :

وهكذا قال ابن عيينة ، عن زياد في هذا الحديث : الثيب ، ولو صحت هذه اللفظة كان الولي المراد بهذا الحديث الأب دون غيره على ما ذهبت إليه طائفة من أهل العلم في ذلك ، وسترى ذلك وغيره في هذا الباب إن شاء الله .

حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن قال : حدثنا أبو الحسين محمد بن العباس الحلبي قال : حدثنا أبو عروبة الحسين بن محمد قال : حدثنا محمد بن زنبور المكي قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن زياد بن سعد ، عن عبد الله بن الفضل ، عن نافع بن جبير ، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن ، وإذنها صماتها .

قال أبو عمر :

اختلف في لفظ هذا الحديث كما ترى ، فبعضهم يقول " الأيم " وبعضهم يقول " الثيب " والذي في الموطأ " الأيم " وقد يمكن أن يكون من قال " الثيب " جاء به على المعنى عنده ، وهذا موضع اختلف فيه العلماء ، وأهل [ ص: 77 ] اللغة ، فقال قائلون : الأيم هي التي آمت من زوجها بموته أو طلاقه ، وهي الثيب .

واحتجوا بقول الشاعر :


نقاتل حتى أنزل الله نصره وسعد بباب القادسية معصم     فأبنا وقد آمت نساء كثيرة
ونسوة سعد ليس منهن أيم

قالوا : يعني ليس منهن من قتل زوجها ، وهذا الشعر لرجل من بني أسد قاله يوم القادسية حين كان سعد بن أبي وقاص عليلا مقيما في القصر لم يقدر على النزول ، ولم يشرف على القتال ، وقال يزيد بن الحكم الثقفي :

كل امرئ ستئيم من العرس أو منها يئم يريد : سيموت عنها أو تموت عنه فتصير أيما ، وذكروا ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن يعقوب من ولد عباد بن تميم بن أوس الداري قال : حدثنا سعيد بن هاشم بن صالح المخزومي - مسكنه الفيوم - قال : حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب أنه سمع أسلم بن عبد الله يحدث عن أبيه أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة ابنته من خنيس بن حذافة السهمي ، فذكر الحديث ، ورواه الداروردي عن ابن أخي الزهري ، عن عمه ، عن سالم ، عن أبيه قال : آمت حفصة من خنيس بن حذافة السهمي ، وذكره .

قالوا : فالأيم هي الثيب التي يموت عنها زوجها أو يطلقها فتخلو منه بعد أن كانت زوجة ، قالوا : وقد تقول العرب لكل من لا زوج لها من النساء : أيم . على الاتساع ، ولكن قوله - صلى الله عليه وسلم - : الأيم أحق بنفسها من وليها ، إنما أراد الثيب التي قد خلت من زوجها بدليل رواية من روى في هذا الحديث : الثيب أحق من نفسها ، فكانت رواية مفسرة ، ورواية من روى " الأيم " مجملة ، والمصير إلى المفسر أبدا أولى بأهل العلم .

[ ص: 78 ] وذكروا ما حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن وهب قال : حدثنا نافع بن جبير بن مطعم ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الثيب أولى بأمرها من وليها ، والبكر تستأمر ، وصمتها إقرارها .

قالوا : ففي هذا الحديث ومثله ما يدل على أن الأيم المذكورة في هذا الحديث المراد بها الثيب دون غيرها ، قالوا : ودليل آخر ، وهو ذكر البكر بعدها بالواو الفاصلة ، فدل على أن الأيم غير البكر ، وإذا كانت غير البكر فهي الثيب ، قالوا : ولو كانت الأيم في هذا الحديث كل من لا زوج لها من النساء لبطل قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا نكاح إلا بولي ، ولكانت كل امرأة أحق بنفسها من وليها ، وهذا ترده السنة الثابتة في أن لا نكاح إلا بولي ، ويرده القرآن في قوله مخاطبا للأولياء ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ) قالوا : ولما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الأيم أحق بنفسها من وليها . دل على أن الأيم - وهي الثيب - أحق بنفسها وأن لوليها مع ذلك ( أيضا ) حقا لأنه لا يقال : فلان أحق من فلان بكذا ، إلا ولذاك فيه حق ليس كحق الذي هو أحق به منه ، ودل أيضا على أن لولي البكر عليها حقا فوق ذلك الحق ، والفرق بينهما أن ذلك الولي لا ينكح الثيب إلا بأمرها ، وله أن ينكح البكر بغير أمرها ; والولي عندهم ههنا هو الأب خاصة ، قالوا : ولما كان للأب أن ينكح البكر من بناته بغير أمرها وليس له ذلك في الثيب إلا بأمرها ، علمنا أن ذلك ليس من باب التهمة في شيء ; لأن البكر والثيب في ذلك سواء ; لأنهما بنتاه لا يتهم على واحدة منهما ، وممن قال في [ ص: 79 ] هذا الحديث بمعنى ما ذكرنا : الشافعي وأصحابه ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، واحتجوا بضروب من الحجج معناها ما وصفنا .

وذكر المزني وغيره عن الشافعي قال : وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأمر في نفسها ، وإذنها صماتها ، دلالة على الفرق بين الثيب والبكر في أمرين ، أحدهما : أن إذن البكر الصمت ، والتي تخالفها الكلام ، والآخر : أن أمرهما في ولاية أنفسهما مختلف ، فولاية الثيب أنها أحق من الولي ; قال : والولي هاهنا الأب - والله أعلم - دون سائر الأولياء ; ألا ترى أن سائر الأولياء غير الأب ليس له أن يزوج الصغيرة ، ولا له أن يزوج الكبيرة البكر وغيرها إلا بإذنها ، وذلك للأب في الأبكار من بناته بوالغ وغير بوالغ ، ولم تفترق البكر والثيب إلا في الأب خاصة ; لأن الأب هو الولي الكامل الذي لا ولاية لأحد معه ، وإنما يستحق غيره من الأولياء الولاية بسببه عند فقده ، وهم قد يشتركون في الولاية ، وهو ينفرد بها ، فلذلك وجب له اسم الولي مطلقا . وذكر حديث خنساء حين أنكحها أبوها وهي ثيب بغير رضاها ، فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكاحها . قال : والبكر مخالفة لها لاختلافهما في لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو كانتا سواء كان لفظ النبي عليه السلام أنهما أحق بأنفسهما . قال : وتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة وهي صغيرة ، زوجها أبوها وهي لا إذن لها ، ولو كانت ممن يحتاج إلى إذنها ما زوجت حتى تكون في حال من له الإذن بعد البلوغ ، ولكن لما زوجها أبوها وهي صغيرة ، كان له أن يزوجها بعد البلوغ كذلك بغير أمرها ما لم تكن ثيبا ، قال : وأما الاستئمار للبكر ، فعلى استطابة النفس ; قال الله عز وجل لنبيه عليه السلام ( وشاورهم في الأمر ) لا على أن لأحد رد ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن لاستطابة أنفسهم وليقتدى بسنته فيهم ، قال : وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعيما أن يؤامر أم ابنته .

[ ص: 80 ] قال أبو عمر :

وذكر من ذهب هذا المذهب أيضا ما رواه معمر ، والأوزاعي ، وهشام الدستوائي وغيرهم ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن المهاجر بن عكرمة قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأمر بناته إذا أنكحهن . قال : وكان يجلس عند خدر المخطوبة فيقول : إن فلانا يذكر فلانة ، فإن حركت الخدر لم يزوجها ، وإن سكتت زوجها .

وذكر ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث ، عن ابن جريج ، عن عطاء مرسلا مثله سواء .

وروى الثوري ، ومعمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن ابن المسيب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : استأمروا الأبكار في أنفسهن ، فإنهن يستحيين ، فإذا سكتت فهو رضاها فهذا لفظ الثوري ، قال الشافعي : وهذا في الآباء على استطابة النفس ممن له أن ينكحها كما أمر نعيما أن يشاور أم ابنته ، ومعلوم أنها لا أمر لها معه في ابنته ، ولما عسى أن يكون عندها مما يخفى عليه من ذلك .

وقال آخرون : الأيم كل امرأة لا زوج لها بكرا كانت أم ثيبا ، واستشهدوا بقول الشاعر :


فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي - وإن كنت أفتى منكم - أتأيم

قال أبو عمر :

ومن هذا قول الشماخ :


يقر بعيني أن أنبأ أنها -     وإن لم أنلها - أيم لم تزوج

وأبين من هذا قول أمية بن أبي الصلت :


لله در بني علي     أيم منهم وناكح
إن لم يغيروا غارة     شعواء تحجر كل نائح

[ ص: 81 ] قالوا : فالأيم كل من لا زوج لها من النساء ، قالوا : وكذلك كل رجل لا امرأة له : أيم ، والرجل أيم إذا كان لا زوجة له ، والمرأة أيم إذا كانت لا زوج لها .

واحتجوا أيضا بما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب قال : آمت حفصة ابنة عمر من زوجها ، وآم عثمان من رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمر عمر بعثمان فقال : هل لك في حفصة ، فلم يحر إليه شيئا ، فأتى عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ألم تر إلى عثمان عرضت عليه حفصة فأعرض عني ، ولم يحر إلي شيئا ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فخير من ذلك ؟ أتزوج أنا حفصة ، وأزوج عثمان أم كلثوم ، فتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حفصة ، وزوج عثمان أم كلثوم .

ألا ترى أن في هذا الحديث : آمت حفصة وآم عثمان ، قالوا : ففي ذلك دليل على أن من لا زوج له فهو أيم ، ثيبا كان أو بكرا ، رجلا كان أو امرأة .

قال أبو عمر :

ذهب إلى هذا القول طائفة ممن قال : لا نكاح إلا بولي ، وكل من قال : النكاح جائز بغير ولي ، وسنبين اختلاف العلماء في النكاح بغير ولي بعد هذا إن شاء الله .

ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - الأيم أحق بنفسها من وليها ، عند هذه الطائفة القائلة لا نكاح إلا بولي : أنه من عدا الأب من الأولياء ، وأن الأب لم يرد بذلك ، وممن قال بهذا مالك وأصحابه وجماعة .

قال إسماعيل بن إسحاق : إنكاح الأب لا يجوز إلا بأمر المرأة . قال : وأما الأب فيجوز إنكاح ابنته البكر بغير أمرها ; لأنه غير متهم في ولده كما [ ص: 82 ] لا يتهم في نفسه وماله ، لأن ولده هبة له كسائر ماله ، قال الله عز وجل ( هب لي من لدنك ذرية طيبة ) قال : ( ووهبنا له إسحاق ) وليس غير الأب من الأولياء كذلك ، فلا يجوز لغير الأب أن يزوج وليته إلا بأمرها ( قال - صلى الله عليه وسلم - الأيم أحق بنفسها من وليها ) .

قال إسماعيل : والأيم التي لا زوج لها بالغا كانت أو غير بالغ ، بكرا كانت أو ثيبا ; قال : ولم يدخل الأب في جملة الأولياء لأن أمره في ولده أجل من أن يدخل مع الأولياء الذين لا يشبهونه وليست لهم أحكامه ، ولو دخل في جملة الأولياء لما جاز له أن ينكح ابنته الصغيرة ، ثم لا يكون لها خيار عند بلوغ ولا غيره ، قال : وقد توهم قوم أن الأيم في هذا الحديث الثيب ، وهو غلط شديد ، وإنما توهموا ذلك حين خصت البكر بأن إذنها صماتها ، فظنوا أن الأيم هي الثيب ، ولو كان الأمر كما توهموا ، لكانت الثيب أحق بنفسها من وليها ، وكانت البكر ليست بأحق بنفسها ، وكان الاستئمار لها إنما هو على الترغيب في ذلك لا على الإيجاب ، إذا كانت ليست أحق بنفسها من وليها ، وهذا الحديث إنما جاء في الأيامى جملة ، وكأنه - والله أعلم - إعلام للناس إذ أمروا بإنكاح الأيامى في القرآن مع ما أمروا به من إنكاح العبيد والإماء ، أنهن لسن بمنزلة العبيد والإماء ، وأنهن إنما ينكحهن الأولياء بأمرهن ، وأنهن أحق بأنفسهن ، ولولا ذلك لكان للأولياء أن ينكحوهن بغير أمرهن كما ينكح السيد أمته وعبده بغير أمرهما ; إذ كان ظاهر القرآن في اللفظ قد أجرين فيه مجرى واحدا [ ص: 83 ] قال الله تبارك وتعالى ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ) فأمروا بإنكاح من لا زوج له ، وهن الأيامى ، ولم يؤمروا بإنكاح الثيب دون البكر .

وذكر حديث سعيد بن المسيب قال : آمت حفصة من زوجها ، وآم عثمان من رقية ، الحديث . وذكر حديث ابن أخي الزهري عن عمه ، عن سالم ، عن أبيه ، عن عمر قال : آمت حفصة من خنيس بن حذافة السهمي ، الحديث ، ثم قال : حدثنا الحوضي ، وسليمان بن حرب قالا : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ قال : رأيت امرأة جاءت إلى علي رضوان الله عليه - ذات شارة فقالت : هل لك في امرأة لا أيم ولا ذات بعل ، وذكر الحديث قال : وإنما يقال : آمت منه زوجته ، أي أنها صارت غير ذات زوج وليس أنها صارت ثيبا بموته أو بفراقه ، وإنما تصير أيما بموته أو بفراقه إذا صارت غير ذات زوج قال : ويقال للرجل أيضا : أيم ، إذا لم تكن له زوجة ، وأنشد قول الشاعر :


فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي     وإن كنت أفتى منكم أتأيم

وأنشد أيضا بيت الأسدي يوم القادسية ، وقد تقدم ذكرنا لهما ، ثم قال : ويقال في بعض الحديث ، وأحسبه مرفوعا : أعوذ بالله من بوار الأيم قال : وهذا في اللغة أشهر من أن يحتاج فيه إلى إكثار ; ثم قال : وإنما كان في الحديث معنيان ، أحدهما : أن الأيامى كلهن أحق بأنفسهن من أوليائهن ، وهم من عدا الأب من الأولياء ، والمعنى الآخر : تعليم الناس كيف تستأذن البكر ، وأن إذنها صماتها ; لأنها تستحيي أن تجيب بلسانها ; قال إسماعيل : فهذا معنى الحديث عند مالك أن الأيم أحق بنفسها من وليها ، وإنما [ ص: 84 ] هو لسائر الأولياء دون الأب ، وأن الأب أقوى أمرا من أن يدخل في هذه الجملة ، ولو كان داخلا فيها لما جاز له أن يزوج ابنته الصغيرة ; لأنها داخلة في جملة الأيامى ، ولو كانت أحق بنفسها لم يجز له أن يزوجها حتى تبلغ وتستأمر ، إذا كان التزويج أمرا يلزمها في نفسها لا حيلة لها فيه ، كما أن غير الأب من الأولياء لا يجوز له أن يزوج صغيرة ، والأب له أن يزوج الصغيرة بإجماع من المسلمين ، ثم يلزمها ذلك ، ولا يكون لها في نفسها خيار إذا بلغت ، هذا كله كلام إسماعيل بن إسحاق .

قال أبو عمر :

فحصل أن الولي المذكور في هذا الحديث هو الأب عند الشافعي ، وعند مالك في غير الأب من سائر الأولياء ، وهو عند الكوفيين : الأب وغير الأب من سائر الأولياء كلهم في النكاح ، وسيأتي مذهبهم في ذلك ملخصا في هذا الباب بعد إن شاء الله .

قال أبو عمر :

في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأيم أحق بنفسها من وليها دليل على أن للولي حقا في إنكاح وليته على ما مضى في هذا الباب من القول على الفرق بين الثيب والبكر ، وعلى الجمع بينهما في المعنى المراد بالولي المذكور في الحديث على حسب ما وصفنا ، وقد اختلف العلماء في هذا المعنى فقال منهم قائلون : لا نكاح إلا بولي ، ولا يجوز للمرأة أن تباشر عقد نكاحها دون وليها ، ولا أن تعقد نكاح غيرها ، وممن قال هذا : مالك ، والشافعي ، وسفيان ، والثوري ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وابن المبارك ، وعبيد الله بن الحسن ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، والطبري ، وروي ذلك ، عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، وهو قول سعيد بن المسيب ، والحسن ، وعمر بن عبد العزيز ، وجابر بن زيد أبي الشعثاء ، وخالف هؤلاء أهل الرأي من الكوفيين وطائفة من التابعين ، [ ص: 85 ] وسنذكر قولهم هاهنا إن شاء الله بعونه وفضله ، وكلهم يقول : لا ينبغي أن ينعقد نكاح بغير ولي .

قال أبو عمر :

حجة من قال : لا نكاح إلا بولي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ثبت عنه أنه قال : لا نكاح إلا بولي ، وقال الله عز وجل ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ) وهذه الآية نزلت في معقل بن يسار إذ عضل أخته عن مراجعة زوجها ، ولولا أن له حقا في الإنكاح ما نهي عن العضل .

وأما افتتاح هذه الآية بذكر الزواج ، ثم الميل إلى الأولياء فذلك معروف في لسان العرب كما قال : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) فخاطب المتبايعين ، ثم قال : ( ممن ترضون من الشهداء ) فخاطب الحكام ، وهذا كثير ، والرواية الثابتة في معقل بن يسار تبين ما قلنا ، وسنذكرها إن شاء الله .

وروينا عن أبي هريرة أنه قال : البغايا اللائي ينكحن أنفسهن بغير ولي ، وعن عائشة أنها كانت إذا أنكحت رجلا من قرابتها امرأة منهم ، ولم يبق إلا العقد قالت : اعقدوا فإن النساء لا يعقدن ، وأمرت رجلا فأنكح .

حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن عبد الرزاق قال : حدثنا سليمان بن الأشعث قال : حدثنا محمد بن كثير قال : أخبرنا سفيان قال : حدثنا ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل ( ثلاث مرات ) فإن دخل بها ، فالمهر لها بما أصاب منها ، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له .

[ ص: 86 ] وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان ، وعبد الله بن رجاء المزني قال : حدثنا ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة . فذكره سواء .

قال أبو عمر :

روى هذا الحديث إسماعيل بن علية ، عن ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة كما رواه غيره ، وزاد عن ابن جريج قال : فسألت عنه الزهري فلم يعرفه ، ولم يقل هذا أحد عن ابن جريج غير ابن علية ، وقد رواه عنه جماعة لم يذكروا ذلك ، ولو ثبت هذا عن الزهري لم يكن في ذلك حجة ; لأنه قد نقله عنه ثقات ، منهم : سليمان بن موسى ، وهو فقيه ثقة إمام ، وجعفر بن ربيعة ، والحجاج بن أرطأة ; فلو نسيه الزهري لم يضره ذلك في شيء ; لأن النسيان لا يعصم منه إنسان . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نسي آدم فنسيت ذريته ، وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينسى ، فمن سواه أحرى أن ينسى ، ومن حفظ فهو حجة على من نسي ، فإذا روى الخبر ثقة عن ثقة ; فلا يضره نسيان من نسيه ، هذا لو صح ما حكى ابن علية عن ابن جريج ، فكيف وقد أنكر أهل العلم ذلك من حكايته ، ولم يعرجوا عليه ؟ ، وقد ذكرنا هذا المعنى بأوضح من ذكرنا له ههنا في باب جعفر بن محمد من كتابنا هذا في حديث اليمين مع الشاهد : حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن الهيثم [ ص: 87 ] أبو الأحوص قال : حدثنا عبد الغفار بن داود قال : حدثنا ابن لهيعة ، وسمعه منه ، عن جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل ( ثلاث مرات ) فإن وطئها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا القعنبي قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن جعفر بن ربيعة ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن شاذان قال : حدثنا المعلى بن منصور قال : حدثنا ابن لهيعة قال : حدثنا جعفر بن ربيعة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره سواء ، إلا في قوله فإن وطئها فلها المهر ، فإنه لم يذكره .

وحدثنا أحمد بن قاسم ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا إسحاق بن عيسى قال : حدثنا هشيم ، عن الحجاج ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا نكاح إلا بولي ، والسلطان ولي من لا ولي له .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن قدامة بن أعين قال : حدثنا أبو عبيدة الحداد ، عن يونس ، وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا نكاح إلا بولي . قال أبو داود : يونس لقي أبا بردة .

[ ص: 88 ] حدثنا أحمد بن قاسم قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا الحارث قال : حدثنا إسحاق بن عيسى ، وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا محمد بن شاذان قال : حدثنا المعلى بن منصور قالا جميعا : أخبرنا أبو عوانة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن أبيه أبي موسى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا نكاح إلا بولي .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا محمد بن شاذان قال : حدثنا المعلى بن منصور قال : حدثنا ابن أبي زائدة قال : حدثني إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا نكاح إلا بولي .

وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا ابن أبي دليم ، وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قالا : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا موسى بن معاوية قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، وسفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة بن موسى ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا نكاح إلا بولي وليس في حديث سفيان : عن أبيه .

قال أبو عمر :

روى هذا الحديث شعبة ، والثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا ، فمن يقبل المراسيل يلزمه قبوله ، وقد مضى في صدر هذا الديوان ذكر من يقبلها ويحتج بها من العلماء ، ومن يأبى من قبولها ، وأما من لا يقبل المراسيل فيلزمه أيضا قبول حديث أبي بردة هذا لأن الذين وصلوه من أهل الحفظ والثقة ، وإسرائيل ومن تابعه حفاظ ، والحافظ تقبل زيادته ، وهذه زيادة تعضدها أصول صحاح ، وقد روي من حديث يزيد بن [ ص: 89 ] زريع عن شعبة ، ومن حديث بشر بن منصور عن الثوري هذا الحديث مسندا ، ولكن الصحيح عنهما إرساله .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا نكاح إلا بولي وشاهدين عدلين من حديث ابن عباس وحديث أبي هريرة وحديث ابن عمر ; إلا أن في نقلة ذلك ضعفا ; فلذلك لم أذكره .

أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا أبو عامر قال : حدثنا عباد بن راشد ، عن الحسن قال : حدثنا معقل بن يسار قال : كانت لي أخت تخطب إلي ، فأتاني ابن عم لي فأنكحتها إياه ، ثم طلقها طلاقا له رجعة ، ثم تركها حتى انقضت عدتها ، فلما خطبت أتاني يخطبها ، فقلت : والله لا أنكحتكها أبدا ، قال : ففي نزلت ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ) قال : فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه .

وذكر البخاري قال : حدثنا عبيد الله بن سعيد قال : حدثنا أبو عامر العقدي قال : حدثنا عباد بن راشد قال : حدثنا الحسن قال : حدثني معقل بن يسار قال : كانت لي أخت تخطب إلي ، فذكر الحديث . قال البخاري : وأخبرنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا يونس ، عن الحسن : أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها ، فتركها حتى انقضت عدتها ، ثم خطبها فأبى معقل ، فنزلت هذه الآية ( فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ) قال البخاري : وقال : إبراهيم ، عن يونس ، عن الحسن حدثني معقل بن يسار .

[ ص: 90 ] قال أبو عمر :

هذا أصح شيء وأوضحه في أن للولي حقا في الإنكاح ، ولا نكاح إلا به ; لأنه لولا ذلك ما نهي عن العضل ، ولاستغني عنه ، وقال مجاهد ، وعكرمة ، وابن جريج : نزلت ( فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ) في أخت معقل بن يسار . قال ابن جريج : أخته حمل بنت يسار كانت تحت أبي البداح فطلقها ، وانقضت عدتها فرغب فيها وخطبها ، فعضلها معقل بن يسار ، فنزلت هذه الآية .

قال أبو عمر :

فقد صرح الكتاب والسنة بأن لا نكاح إلا بولي ، فلا معنى لما خالفهما ، ألا ترى أن الولي نهي عن العضل ، فقد أمر بخلاف العضل وهو التزويج ، كما أن الذي نهي عن أن يبخس الناس قد أمر بأن يوفي الكيل والوزن ، وهذا بين كثير ، وبالله التوفيق .

وقد كان الزهري والشعبي يقولان : إذا تزوجت المرأة بغير إذن وليها كفؤا فهو جائز ، وكذلك كان أبو حنيفة يقول : إذا زوجت المرأة نفسها كفؤا بشاهدين فذلك نكاح جائز صحيح ، وهو قول زفر ، وإن زوجت نفسها غير كفء فالنكاح جائز ، وللأولياء أن يفرقوا بينهما .

وقال أبو يوسف : لا يجوز النكاح إلا بولي ، فإن سلم الولي جاز ، وإن أبى أن يسلم والزوج كفء أجازه القاضي ، وإنما يتم النكاح في قوله حين يجيزه القاضي ، وهو قول محمد بن الحسن ، وقد كان محمد بن الحسن يقول : يأمر القاضي الولي بإجازته ، فإن لم يفعل استأنفا عقدا .

[ ص: 91 ] قال أبو عمر :

في اتفاقهم على أن للولي فسخ نكاح وليته إذا تزوجت غير كفء بغير إذنه ، دليل على أن له حقا في الإنكاح بالكفء وغير الكفء ، لأن الكفء وغير الكفء في ذلك سواء ، والله أعلم . ولا خلاف بين أبي حنيفة وأصحابه أنه إذا أذن لها وليها ، فعقدت النكاح لنفسها جاز . وقال الأوزاعي : إذا ولت أمرها رجلا فزوجها كفؤا فالنكاح جائز ، وليس للولي أن يفرق بينهما ، إلا أن تكون عربية تزوجت مولى ; وحمل القائلون بمذهب الزهري ، والشعبي ، وأبي حنيفة ، والأوزاعي - قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا نكاح إلا بولي على الكمال لا على الوجوب ، كما قال : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، ونحو هذا . وهذا ليس بشيء ، لأن النهي حقه أن يمتثل الانتهاء عنه ، ومعناه الزجر والإبعاد ، والوجوب لا يخرج عن ذلك إلا بدليل لا معارض له ، ولولا ذلك لم تصح عبادة ولا فريضة ، وقد أوضحنا هذا الباب في غير موضع من هذا الكتاب والحمد لله .

وقال مالك فيما ذكر ابن القاسم وغيره عنه : إذا كانت المرأة معتقة أو مسكينة دنية لا خطب لها ، أو المرأة تكون في قرية لا سلطان فيها ، فلا بأس أن تستخلف رجلا يزوجها ويجوز . قال مالك : وكل امرأة ذات نسب وغنى وقدر ، فإن ذلك لا ينبغي أن يزوجها إلا ولي أو سلطان ؛ فإن فوضت أمورها إلى رجل فزوجها فرضي الولي بعد ذلك ، وقف فيه مالك لما سئل عنه ; وإن أراد الولي فسخه بحدثان التزويج ، فله ذلك ; وإن طال وولدت الأولاد وكان صوابا ، لم يجز الفسخ . وقال مالك في قوم من الموالي يأخذون الصبية من الأعراب ( فتربى ) إنه يجوز نكاح الذي رباها عليها . قال : وأجاز [ ص: 92 ] مالك : للرجل أن يزوج المرأة وهو من فخذها ، وإن كان ثم من هو أقعد بها منه .

قال ابن القاسم : ، وإن كانت بكرا فزوجها ذو الرأي ، وأصاب وجه الرأي ، ولها أخ أو غيره من الأولياء ، فهو عندي جائز ، قال مالك : تولي العربية أمرها المولى من أهل الصلاح دون الأولياء ، قال ابن القاسم : ولا يكون عند مالك الأقرب من الأولياء أقعد إلا إن تشاحوا في إنكاحها ، وخطبت ورضيته ، فإذا كان ذلك كان الأقرب فالأقرب ينكحها دونهم . قال : وقال مالك في المرأة الثيب لها الأب والأخ فزوجها الأخ برضاها ، وأنكر الأب ، قال مالك : ليس للأب هنا قول إذا زوجها الأخ برضاها ; لأنها قد ملكت أمرها ، فهذه كلها روايات ابن القاسم عن مالك .

روى ابن وهب ، عن مالك قال : الابن أولى بإنكاح أمه من أبيها ، وبالصلاة عليها إذا ماتت ( والأخ أولى بإنكاح أخته من الجد والصلاة عليها إذا ماتت ) قال : وسمعت مالكا يقول في الثيب ينكحها ولي دونه ولي ، قال : إن كان بأمرها نظر في ذلك الولي ، فإن رأى سدادا جاز . قال ابن وهب : وقال مالك في الرجل يزوج المرأة من قومه ، ولها ولي غائب : إن ذلك النكاح لا يجوز ، وأنه يفسخ ; إلا أن يرى السلطان أن ذلك النكاح حسن لا بأس به ، فقيل لمالك : فالرجل يزوج أخته ، وأبوه غائب فقال : لا ينكحها حتى يكتب إلى أبيه ، قال إسماعيل بن إسحاق : قال مالك في هذا الباب أقاويل يظن من سمعها أن بعضها يخالف بعضا ، وجملة هذا الباب أن الله تبارك وتعالى أمر بالنكاح ، وحض عليه الرسول عليه السلام ، وجعل [ ص: 93 ] الله المؤمنين بعضهم لبعض أولياء فقال : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) والمؤمنون في الجملة هكذا يرث بعضهم بعضا ، فلو أن رجلا مات لا وارث له لكان ميراثه للمسلمين ، ولو جنى جناية لعقل عنه المسلمون ، ثم تكون ولاية أقرب من ولاية ، وقرابة أقرب من قرابة ، فإنما يجوز النكاح على جهته ، وبمن هو أولى بالمرأة ، وبمن لو تشاجروا وترافعوا إلى الحاكم لجعل أمر المرأة إلى ذلك الرجل ، فإذا كانت المرأة بموضع لا سلطان فيه ، ولا ولي لها ، فإنها تصير أمرها إلى من يوثق به من جيرانها فيزوجها ، ويكون هو وليها في هذه الحال ; لأن الناس لا بد لهم من التزويج ، وإنما يعملون فيه بأحسن ما يمكن ، وعلى هذا قال مالك في المرأة الضعيفة الحال : إنه يزوجها من تسند أمرها إليه لأنها ممن تضعف عن السلطان ، وأشبهت من لا سلطان بحضرتها ، ورجعت في الجملة إلى أن المسلمين أولياؤها ، ولذلك قال مالك في المرأة التي لها أولياء : إنه يزوجها ذو الرأي منهم ، وإن كان أبعد إليها من غيره على ما قال عمر بن الخطاب : لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان ; لأن ذلك وجه من وجوه إنكاحها ، بل هو أحسنه ; لأنه لو رفع إلى الحاكم أمرها لأسنده إلى ذلك الرجل ، قال إسماعيل : وإذا صيرت المرأة أمرها إلى رجل ، وتركت الأولياء ، فإنها أخذت الأمر من غير وجهه ، وفعلت ما ينكره الحاكم عليها ، وينكره المسلمون ، فيفسخ ذلك النكاح من غير أن يعلم حقيقة أنه حرام ؛ لما وصفنا من أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض ، ولما في ذلك من الاختلاف ، ولكن لتناولها الأمر من غير وجهه ، ولأنه أحوط في الفروج وتحصينها ، فإذا وقع الدخول وتطاول الأمر لم يفسخ ; لأن الأمور إذا تفاوتت لم يرد منها إلا الحرام الذي لا شك فيه ، ويشبه ما فات من ذلك بحكم الحاكم إذا حكم بحكم ، لم يفسخ إلا أن يكون خطأ لا يشك فيه ، فأما ما يجتهد فيه الرأي ، وفيه [ ص: 94 ] الاختلاف فإنه لا يفسخ ولا يرد من رأي إلى رأي ، وقد كان يشبه على مذهب مالك أن يكون الدخول فوتا وإن لم يتطاول ، ولكني أحسبه احتاط في ذلك لئلا تجري الناس على التزويج بغير ولي ، ويستعجلون الدخول ليجوز لهم ; قال : وأما ما قال مالك : إن المرأة إذا زوجها غير ولي ففسخه الحاكم أنها تطليقة ; فإنما قال ذلك لما وصفنا أنه ليس يعلم حقيقة أنه حرام ، ولو كان يعلم حقيقة أنه حرام لكان فسخا بغير طلاق ، ولم يكن عند ابن القاسم عن مالك في المرأة إذا تزوجت بغير إذن وليها ثم مات أحدهما - جواب في توارثهما ، وقال : كان مالك يستحب أن لا يقام على ذلك النكاح حتى يبتدأ النكاح جديدا ، ولم يكن يحقق فساده .

قال إسماعيل : والذي يشبه عندي على مذهب مالك أن هذين يتوارثان إن مات أحدهما ; لأن الفسخ يقع عنده بطلاق ، والنكاح ثابت حتى يفرق بينهما ، وقد ذكر أبو ثابت أن ابن القاسم كان يرى أن بينهما الميراث لو مات أحدهما قبل أن يفسخ النكاح .

فهذه جملة مذهب مالك ، ووجوهه في النكاح بغير ولي ، ومذهب الليث بن سعد في هذا الباب نحو مذهب مالك ، وأما الشافعي وأصحابه فالنكاح عندهم بغير ولي مفسوخ أبدا قبل الدخول وبعده ، ولا يتوارثان إن مات أحدهما ، والولي عندهم من فرائض النكاح لقيام الدليل عندهم من الكتاب والسنة على أن لا نكاح إلا بولي ، قال الله عز وجل ( وأنكحوا الأيامى منكم ) كما قال : ( فانكحوهن بإذن أهلهن ) وقال : مخاطبا الأولياء ( فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ) وقال - صلى الله عليه وسلم - : لا نكاح إلا بولي ، وقال : أيما امرأة نكحت بغير إذن ولي فنكاحها باطل ، ولما قال - صلى الله عليه وسلم - : الأيم أحق بنفسها من وليها دل على [ ص: 95 ] أن غير الأيم وليها أحق بها منها ، وكأن الفرق بينهما في الإذن عنده الأب على ما ذكرنا من مذهب الشافعي في ذلك ; فلهذا كله قال الشافعي وأصحابه : إن النكاح بغير ولي باطل مفسوخ أبدا ، وفسخه بغير طلاق ، ولم يفرقوا بين الدنية الحال وبين الشريفة ; لإجماع العلماء على أن لا فرق بينهما في الدماء ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : المسلمون تتكافأ دماؤهم ، وهذا على الحر بالحر ، وسائر الأحكام كذلك ، ليس في شيء منها فرق بين الوضيع والرفيع في كتاب ولا سنة .

وقال الشافعي : لا ولاية لأحد مع الأب ، فإن مات فالجد ، ثم أبو الجد ، ثم أبو أبي الجد كذلك ; لأن كلهم أب ، والثيب والبكر في ذلك سواء لا تنكح واحدة منهما بغير ولي ; إلا أن الثيب لا ينكحها أب ولا غيره إلا بأمرها ، وينكح الأب البكر من بناته بغير أمرها ; لأنه أحق بها من الثيب على ما قدمنا ، والولاية بعد الجد وإن علا للإخوة ثم الأقرب فالأقرب . قال المزني : قال في الجديد : من انفرد بأم كان أولى بالإنكاح كالميراث ، وقال في القديم : هما سواء ، وقال الثوري كقول الشافعي : الأولياء : العصبة ، وقال أبو ثور : كل من وقع إليه اسم ولي فله أن ينكح ، وهو قول محمد بن الحسن .

، حدثنا أحمد بن محمد قال : حدثنا الحسن بن سلمة قال : حدثنا ابن الجارود قال : حدثنا إسحاق بن منصور قال : قلت لأحمد بن حنبل : إذا تزوجها بغير ولي ثم طلقها قال : أحتاط لهذا وأجيز طلاقه ، وقال إسحاق : كلما طلقها وقد عقد النكاح بلا ولي ، لم يقع عليها طلاق ، ولا يقع بينهما ميراث لأن النبي عليه السلام قال : فنكاحها باطل ثلاثا ، والباطل مفسوخ لا يحتاج إلى فسخ حاكم ولا غيره .

وأما أبو حنيفة وأصحابه فليس الولي عندهم من أركان النكاح ، ولا من فرائضه ، وإنما هو لئلا يلحقه عارها ، فإذا تزوجت كفؤا جاز النكاح بكرا كانت أو ثيبا ، وقال أصحاب أبي حنيفة : قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الأيم أحق بنفسها ، فيه دليل على أن لها أن تزوج نفسها ; لأنه لم يقل : إنها أحق [ ص: 96 ] في الإذن دون العقد ، ومن ادعى أنه أراد الإذن دون العقد فعليه الدليل ، قالوا : والأيم : كل امرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا ، قالوا : فالمرأة إذا كانت رشيدة جاز لها أن تلي عقد نكاحها ; لأنه عقد أكسبها مالا ، فجاز أن تتولاه بنفسها كالبيع والإجارات ، قالوا : وقد أضاف الله عز وجل النكاح إليها بقوله ( حتى تنكح زوجا غيره ) وبقوله ( أن ينكحن أزواجهن ) وبقوله : ( فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف )

قال أبو عمر : أما قوله - صلى الله عليه وسلم - : الأيم أحق بنفسها من وليها فإنما ورد للفرق بين حكم الثيب والبكر في الإذن ، هذا هو قول الشافعي وغيره ممن يقول : إن الولي ههنا الأب .

وأما مالك وأصحابه ، فهذا الحديث عندهم إنما هو في اليتيمة بكرا كانت أو ثيبا ، والولي عندهم من عدا الأب هاهنا ; وقد مضى هذا القول ووجهه فلا معنى لإعادته ، فما تأوله أصحاب أبي حنيفة في هذا الحديث فغير مسلم لهم .

وأما احتجاجهم بقوله حتى تنكح زوجا غيره فإنما هذا على ما يجب من النكاح الذي أمر الله ورسوله ( به ) ، ومنه الولي والصداق وغير ذلك ، وفي هذه المسألة كلام كثير واعتراض طويل لكل فريق من هؤلاء على صاحبه ، يطول ذكره ، ولو أتينا به لخرجنا عن شرطنا ، وإنما غرضنا التعريف بما في الحديث من المعاني التي جعلها الفقهاء أصولا في أحكام الديانة ، ليوقف على [ ص: 97 ] الأصول وتضبط ، وأما الاعتلال والفروع والجدال ، فتقصر عن حمل ذلك الأسفار والمصنفات الطوال .

وقال داود وأصحابه في قوله : الأيم أحق بنفسها من وليها : هي الثيب ، ولها أن تزوج نفسها بغير ولي ، والبكر يزوجها وليها ، ولا تتزوج بغير ولي لقوله : لا نكاح إلا بولي ، وهذا على الأبكار خاصة بدليل قوله : الثيب أحق بنفسها ، واحتج أيضا بقوله - صلى الله عليه وسلم - ليس للولي مع الثيب أمر ، وبحديث خنساء ، وسنذكره في باب عبد الرحمن بن القاسم من كتابنا هذا إن شاء الله .

أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا الحسن بن علي قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن صالح بن كيسان ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس للولي مع الثيب أمر ، واليتيمة تستأمر ، وصمتها إقراراها .

قال أبو عمر :

الأولى أن يحمل قوله - صلى الله عليه وسلم - لا نكاح إلا بولي على عمومه ، وكذلك قوله : أيما امرأة نكحت بغير وليها فنكاحها باطل على عمومه أيضا ، وأما الحديث : الأيم أحق بنفسها من وليها فإنما ورد للفرق بين الثيب والبكر في الإذن ، والله أعلم .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا [ ص: 98 ] ابن إدريس ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن أبي عمرو مولى عائشة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تستأمر النساء في أبضاعهن ، قالت : قلت : يا رسول الله : إنهن يستحيين قال : الأيم أحق بنفسها ، والبكر تستأمر ، وسكوتها إقرارها .

قال أبو عمر :

أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها ، لتزويج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة ، وهي بنت ست سنين ; إلا أن العراقيين قالوا : لها الخيار إذا بلغت ، وأبى ذلك أهل الحجاز ، ولا حجة مع من جعل لها الخيار عندي ، والله أعلم .

قال أبو قرة : سألت مالكا عن قول النبي عليه السلام : والبكر تستأذن في نفسها ، أيصيب هذا القول الأب ؟ قال : لا لم يعن الأب بهذا ، إنما عني به غير الأب . قال : وإنكاح الأب جائز على الصغار من ولده ذكرا كان أو أنثى قال : ولا ينكح الجارية الصغيرة أحد من الأولياء غير الأب ، واختلفوا في الأب هل يجبر البكر على النكاح أم لا ، فقال مالك والشافعي ، وابن أبي ليلى : إذا كانت المرأة بكرا كان لأبيها أن يجبرها على النكاح ما لم يكن ضررا بينا ، وسواء كانت صغيرة أو كبيرة ، وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وجماعة ، وحجتهم : أنه لما كان له أن يزوجها وهي صغيرة ، كان له أن يزوجها وهي كبيرة إذا كانت بكرا ; لأن العلة البكورة ، ولأن الأب ليس كسائر الأولياء بدليل تصرفه في مالها ونظره لها ، وأنه غير متهم عليها ، ولو لم يجز له أن يزوجها ، وهي بكر بالغ إلا بإذنها ما جاز له أن يزوجها صغيرة ، كما أن غير الأب لما لم يكن له أن يزوجها بكرا بالغا إلا بإذنها ، لم يكن له أن يزوجها صغيرة ، فلو احتيج إلى إذنها في الأب ، ما زوجها حتى تكون ممن لها الإذن بالبلوغ ; فلما أجمعوا على أن للأب أن يزوجها صغيرة ، وهي لا إذن لها ، صح بذلك أن له أن يزوجها بغير إذنها كائنة ما كانت بكرا أو ثيبا ; لأن الفرق إنما ورد بين الثيب والبكر على ما قدمنا .

[ ص: 99 ] ومن حجتهم أيضا قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا تنكح اليتيمة إلا بإذنها لأن فيه دليلا على أن غير اليتيمة تنكح بغير إذنها ، وهي البكر ذات الأب ، وكذلك قوله : الثيب أحق بنفسها فيه دليل على أن البكر وليها أحق منها ، وهو الأب .

حدثنا محمد بن عبد الملك قال : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد قال : حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال : حدثنا أسباط بن محمد ، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تستأمر اليتيمة فإن سكتت فهو رضاها ، وإن أبت ، فلا جواز عليها . قال : وحدثنا الزعفراني قال : حدثنا عفان قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : تستأمر اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فهو رضاها .

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن سلمة قال أبو داود : وحدثنا أبو كامل قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قالا : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تستأمر اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فهو إذنها ، وإن أبت فلا جواز عليها .

قال أبو عمر :

ليس يروي هذا الحديث عن أبي سلمة بهذا اللفظ غير محمد بن عمرو ، والله أعلم .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي ، قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا يونس بن أبي [ ص: 100 ] إسحاق قال : حدثني أبو بردة ، عن أبي موسى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تستأمر اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فقد أذنت ، وإن أنكرت لم تكره قالوا : ففي قوله : تستأمر اليتيمة دليل على أن غير اليتيمة لا تستأمر ، وهي ذات الأب إذا كانت بكرا ، بدليل قوله : الثيب أحق بنفسها .

وقال أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري ، والأوزاعي ، والحسن بن حي ، وأبو ثور ، وأبو عبيد : لا يجوز للأب أن يزوج البالغ من بناته بكرا كانت أو ثيبا إلا بإذنها .

ومن حجتهم قوله - صلى الله عليه وسلم - الأيم أحق بنفسها ، قالوا : والأيم هي التي لا بعل لها ، وقد تكون ثيبا وبكرا ، فكل أيم على هذا ، إلا ما خصته السنة ، ولم تخص من ذلك إلا الصغيرة وحدها يزوجها أبوها بغير إذنها ; لأنه لا إذن لمثلها ، وقد ثبت أن أبا بكر الصديق زوج عائشة ابنته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي صغيرة لا أمر لها في نفسها ، فخرج الصغار من النساء بهذا الدليل ، وقالوا : الولي ههنا كل ولي أب وغير أب ، وهو حق الكلام أن يجعل على ظاهره وعمومه ما لم يرد ما يخصه ويخرجه عن ظاهره .

واحتجوا أيضا بقوله - صلى الله عليه وسلم - لا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا : فهذا على عمومه في كل بكر إلا الصغيرة ذات الأب بدليل قصة عائشة ، وإجماعهم على أن ذلك صحيح عنه ، صلى الله عليه وسلم .

واحتجوا أيضا بحديث ابن عباس : أن رجلا زوج ابنته وهي بكر فأبت ، وجاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فرد نكاحها .

قال أبو عمر :

هذا حديث انفرد به جرير بن حازم لم يروه غيره عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، وقد روي من حديث جابر ، وابن عمر مثل ذلك ، وليس [ ص: 101 ] محفوظا ، حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا جعفر بن محمد قال : حدثنا حسين بن محمد المروزي ، وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قالا : حدثنا جرير بن حازم ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن جارية بكرا أتت النبي عليه السلام ، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم .

قال أبو عمر :

هذا عند أصحابنا يحتمل أن يكون ورد في من زوجها أبوها من غير كفء ، وممن يضر بها .

وأما قوله : الأيم أحق بنفسها من وليها فقد مضى هذا الحديث وتكرر ، ومضى القول في معانيه على اختلاف ما للعلماء فيها .

وأما قوله : لا تنكح البكر حتى تستأذن فحدثنا محمد بن عبد الملك قال : حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي قال : حدثنا الزعفراني قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تنكح الثيب حتى تستأمر ، ولا البكر حتى تستأذن ، قالوا : يا رسول الله كيف إذنها ؟ قال : أن تسكت .

وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال أبان قال : حدثنا يحيى ، عن أبي [ ص: 102 ] سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تنكح الثيب حتى تستأمر ، ولا البكر حتى تستأذن ، قالوا : يا رسول الله ، وكيف إذنها ؟ قال : إذا سكتت فهو رضاها .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال : حدثنا محمد بن سابق قال : حدثنا شيبان بن عبد الرحمن ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا البكر حتى تستأذن قالوا : وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت .

قال أبو عمر :

ليس يأتي هذا اللفظ في هذا الحديث إلا بهذا الإسناد ، وهو مما انفرد به يحيى بن أبي كثير ، وهو ثقة ، وهو أثبت عندهم من محمد بن عمر ، وظاهره يقتضي أن البكر لا ينكحها وليها أيا كان أو غيره حتى يستأذنها ، ويستأمرها ، ولا يستأذن ولا يستأمر إلا البوالغ ، وهذه حجة الكوفيين ; إلا أن البكر ههنا يحتمل أن تكون اليتيمة بدليل حديث محمد بن عمرو ، وإذا حمل على هذا لم تتعارض الأحاديث ( وكانت الصغيرة والكبيرة إذا كانت بكرا ذات أب سواء ، والعلة ما ذكرنا من البكورة ) والله أعلم .

واختلفوا في غير الأب من الأولياء أخا كان أو غيره ، هل له أن يزوج الصغيرة فقال مالك والشافعي : لا يجوز لأحد ( من الأولياء غير الأب ) أن يزوج الصغيرة قبل البلوغ أخا كان أو غيره ، وهو قول ابن أبي ليلى ، والثوري ، وبه قال أحمد بن حنبل ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، وحجة من قال بهذا قوله - صلى الله عليه وسلم - تستأمر اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فقد أذنت .

[ ص: 103 ] قالوا : والصغيرة ممن لا إذن لها ، فلم يجز العقد عليها إلا بعد بلوغها ، ولأن الأخ لا يتصرف في مالها ، فكذلك بضعها .

وقال أبو حنيفة : يجوز أن يزوج الصغيرة وليها من كان أبا كان أو غيره ، غير أن لها الخيار إذا بلغت ، وبه قال محمد بن الحسن .

وقال أبو يوسف : الاختيار لها ، ولا فرق بين الأب وغيره من الأولياء عندهم ; قالوا : من جاز له أن يزوجها كبيرة جاز أن يزوجها صغيرة .

وروي مثل قول أبي حنيفة هذا عن الحسن ، وعمر بن عبد العزيز ، وطاوس ، وعطاء بن أبي رباح وقتادة ، وابن شبرمة ، والأوزاعي .

واختلفوا في النكاح يقع على غير ولي ثم يجيزه ( الولي ) قبل الدخول ، فقال مالك وأصحابه إلا عبد الملك : ذلك جائز إذا كانت إجازة الولي لذلك بالقرب ، فإن كان ذلك قريبا جاز ، وللولي في ذلك أن يجيز أو يفسخ ما كان بحدثان ذلك ، وسواء دخل أو لم يدخل ، للولي إجازته وفسخه ما لم تطل إقامتها معه ، هذا إذا عقد الولي ، ولم تعقده المرأة لنفسها ، فإن زوجت المرأة نفسها ، وعقدت عقدة النكاح من غير ولي قريب ولا بعيد من المسلمين ، فإن هذا النكاح لا يقر أبدا على حال وإن تطاول ، وإن ولدت الأولاد ، ولكنه يلحق ( به ) الولد إن دخل ، ويسقط الحد ، ولا بد من فسخ ذلك النكاح على كل حال .

وقال ابن نافع عن مالك : الفسخ فيه بغير طلاق ، وقال عبد الملك بن الماجشون : لو أن امرأة مالكة أمرها تزوجت على أن يجيز وليها ، فأجاز ذلك ، [ ص: 104 ] لم يجز . قال : وكذلك إن كانت حظية ذات حظاء ، فجعلت أمرها إلى رجل فزوجها ، فأجاز ذلك وليها لم يجز .

وقال أحمد بن المعذل : قال لي عبد الملك : انظر أبدا في هذا الباب ، فإن كان العقد من المرأة أو ممن جعلت ذلك إليه من غير ولي ، ثم أجاز ذلك الولي ، فإن ذلك مردود أبدا ، وإن كان العقد من الولاة ، ثم أجازته المرأة فهي لهم تبع وهو ماض ، قال إسماعيل : أما تشبيه عبد الملك تزويج غير الولي بأمر المرأة ، بتزويج المرأة نفسها ، فلا يشبهه ; لأن المرأة لا تلي عقد نكاح نفسها ولا غيرها ولا أمها ; لأن هذا باب ممنوع منه النساء قال : وجعل عبد الملك تزويج غير ولي المرأة بأمرها أضعف من تزويج الولي المرأة بغير أمرها ، وجعل مالك تزويج غير ولي المرأة بأمرها أقوى من تزويج الولي المرأة بغير أمرها ، قال إسماعيل : والذي قال مالك أشبه وأبين ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الأيم أحق بنفسها من وليها فإذا عقد نكاحها الولي بغير أمرها ، ثم أجازت لم يجز ; إلا أن يكون بالقرب فإنه استحسن ذلك ; لأنه كان في وقت واحد ، وفور واحد ، وإنما أبطله مالك لأن عقد الولي بغير أمر المرأة كلا عقد ، لأنها لو أنكرته لم يكن فيه طلاق ، وإذا زوج المرأة غير ولي بأمرها فهو نكاح قد وقع فيه اختلاف ، فإنما يفسخ باجتهاد الرأي ، والأول يفسخ بالحقيقة ، قال : فجعل عبد الملك الأقوى أضعف ، والأضعف أقوى قال : وقد حكى ابن القاسم عن مالك في المرأة يزوجها غير الولي بإذنها أن فسخه ما هو عندي بالبين ، ولكنه أحب إلي ، قال ابن القاسم : وبينهما الميراث لو مات أحدهما قبل الفسخ .

[ ص: 105 ] قال أبو عمر :

من مشهور قول مالك وأصحابه في المرأة التي لا حال لها ، ولا قدر ، ولا مال أن لها أن تجعل أمرها إلى من يزوجها ، وأنه لا يحتاج في ذلك إلى إجازة وليها .

قال ابن القاسم ، عن مالك في المعتقة ، والمسالمة ، والمرأة المسكينة تكون في القرية التي لا سلطان فيها ، أو تكون في الموضع الذي فيه سلطان ، ولا خطب لها ; قال مالك : لا أرى بأسا أن تستخلف على نفسها من يزوجها فيجوز ذلك ، وقال عبد الملك بن الماجشون : قول أصحابنا في الدنية الحال والموضع ، والأعجمية والوغدة : تسند أمرها إلى رجل له حال وليس من مواليها ، ولا ممن يأخذ لها بالقسم ; أنه لو زوجها مضى ولم يرد ، وكان مستحسنا يجري في ذلك مجرى الولي . قال : وأما المرأة ذات الحال والنعمة والنسب والمال ، فإنه لا يزوجها في قولنا - لا أعلم فيه شكا عند أصحابنا - إلا ولي أو من يلي الولي أو السلطان .

قال أبو عمر :

ولم يختلف قول مالك وأصحابه في العبد ينكح بغير إذن سيده : إن السيد بالخيار إن شاء أجازه ، وإن شاء فسخه ، ولم يشترطوا هاهنا قربا ولا بعدا ، وقال يحيى بن سعيد : الأمر عندنا بالمدينة على هذا ، إن شاء أمضاه السيد ، وإن شاء فسخه ، فإن أمضاه فلا بأس به ، قال إسماعيل ، وهو قول سعيد بن المسيب ، والحسن ، وإبراهيم ، والحكم . قال : وليس هذا مثل أن يتزوجها على الخيار ; لأنه نكاح لا خيار فيه انعقد عليه ، وإنما صار الخيار في فسخه وإمضائه ، لما يدخل عليه في عبده مما لم يرضه ; فإذا علمه [ ص: 106 ] ورضيه جاز ; لأن عيب النكاح من قبله ، وإن فرق بينهما كان طلاقا بمنزلة من إليه طلاق زوجة رجل ، فإن لم يطلق ثبت النكاح .

وقال عبد الملك بن الماجشون في العبد يتزوج بغير إذن سيده ، والمولى عليه يتزوج بغير إذن وليه ، ثم يعتق العبد ، ويلي اليتيم نفسه من قبل أن يفسخ نكاحهما : إن نكاحهما يثبت . قال : ولو أن أمة تزوجت بغير إذن سيدها ، ثم أمضاه لم يمض .

وذكر ابن القاسم وغيره عن مالك في العبد والأمة مثل ذلك ، قال ابن القاسم : لأن العبد يعقد نكاح نفسه ، والأمة لا تعقد نكاح نفسها ، فعقدها نكاحها باطل ، قال ابن القاسم : ولو باعه السيد قبل أن يعلم بنكاحه لم يكن للمشتري أن يرد نكاحه ، وله أن يرد البيع إن شاء إذا علم بذلك ، فإن رده كان للبائع إجازة النكاح ورده .

وقال عبد الملك : لو أن رجلا زوج غلاما لغيره جاريته أو جارية غيره ، ثم علم السيد فأجاز قال : يمضي النكاح ، وإنما ذلك كتزويج اليتيم والعبد إذا أمضاه الولي والسيد .

قال أبو عمر :

هذا ، ولم يختلف قولهم أن نكاح الأمة بغير إذن سيدها ورضاه باطل ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : ذلك النكاح موقوف على من إليه إجازته من الأولياء ، وكذلك نكاح الأمة والعبد ، وهو موقوف على إجازة السيد قياسا على البيع الموقوف على إجازة السيد ، استدلالا بحديث الشاتين من حديث [ ص: 107 ] عروة البارقي ، وحكيم بن حزام ، ولإجماع المسلمين على أن الوصية موقوفة على قبول الموصى له .

قال أبو عمر :

حديث الشاتين حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا سفيان ، عن شبيب بن غرقدة قال : حدثني الحي ، عن عروة البارقي قال : أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - دينارا ليشتري به أضحية - أو قال : الشاة - فاشترى به اثنتين ، فباع إحداهما بدينار ، فأتاه بشاة ودينار ، فدعا له بالبركة في بيعه ، فكان لو اشترى ترابا لربح فيه .

قال أبو عمر :

ليس في هذا الحديث حجة لمن احتج به في هذا الباب ، لا من جهة الإسناد ، ولا من جهة المعنى ، وقال الشافعي : إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فلا يجوز النكاح ، وإن أجازه الولي حتى يبتدأ بما يجوز ; وكذلك البيع عنده إذا وقع فاسدا ، كرجل باع مال غيره بغير إذنه لا يجوز ، وإن أجازه صاحبه حتى يستأنفا بيعا ، وهو قول داود في الوجهين جميعا .

ومن حجتهم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، وأيما عبد نكح بغير إذن سيده فنكاحه باطل ، وهو عاهر ، ولم يقل : إلا أن يجيزه السيد ، فكذلك كل ولي كالسيد في ذلك .

واحتج الشافعي بحديث خنساء حين رد النبي - صلى الله عليه وسلم - نكاحها إذ زوجها أبوها بغير إذنها ، ولم يقل : إلا أن تجيزي .

وقال الثوري ، وأحمد ، وإسحاق في هذه المسألة : أحب أن يستقبلوا نكاحا جديدا ، وقال أحمد بن حنبل : لا أرى للقاضي ولا للولي أن يزوج اليتيمة [ ص: 108 ] حتى تبلغ تسع سنين ، قال : فإن زوجت صغيرة دون تسع سنين فلا أرى أن يدخل بها حتى تبلغ تسع سنين .

قال أبو عمر :

لا أعلم أحدا قاله غيره ، وأظنه أخذه من قصة عائشة في الدخول ، وقد تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي بنت ست سنين أو سبع سنين ، ودخل بها وهي ابنة تسع أو عشر سنين .

حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن سلمة قال أحمد بن زهير : وحدثنا أبي قال : حدثنا جرير قالا : أخبرنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابنة ست أو سبع سنين ، وبنى بي وأنا ابنة تسع سنين .

وفي رواية الأسود ، عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها ، وهي ابنة تسع سنين .

وقال عبد الله بن محمد بن عقيل : تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي ابنة عشر سنين .

قال أبو عمر :

هذا أكثر ما قيل في سن عائشة في حين نكاحها ، ومحمل هذا القول عندنا على البناء بها ، ورواية هشام بن عروة أصح ما قيل في ذلك من جهة النقل ، والله أعلم .

واختلفوا في سكوت اليتيمة البكر : هل يكون رضا قبل إذنها في ذلك وتفويضها ؟ فعند مالك وأصحابه أن البكر اليتيمة إذا لم تأذن في النكاح فليس السكوت منها رضا ، فإن أذنت وفوضت أمرها وعقد نكاحها إلى وليها [ ص: 109 ] ثم أنكحها ممن شاء ، ثم جاء يستأمرها ، فإن إذنها حينئذ الصمت عندهم إذا كانت بكرا كما ذكرنا ، وفي مذهب أبي حنيفة والشافعي وغيرهم : أن سكوت البكر اليتيمة إذا استؤمرت وذكر لها الرجل ووصف وأخبرت بأنها تنكح منه ، وأنها إن سكتت لزمها ، فسكتت بعد هذا - فقد لزمها .

قال أبو عمر :

فروع هذا الباب كثيرة ، واعتلال القائلين لأقوالهم ( فيه ) يطول ذكره ، وفيما ذكرنا منه كفاية ، وقد أتينا بجميع أصوله التي منها تقوم فروعه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية