التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1573 مالك ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا قطع في ثمر معلق ، ولا ( في ) حريسة جبل ، فإذا آواه المراح أو الجرين ، فالقطع فيما بلغ ثمن المجن .


[ ص: 211 ] لم يختلف الرواة فيما علمت في إرسال هذا الحديث في الموطأ ، وهو حديث يتصل معناه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره ، وقد ذكرنا بعض طرقه في باب يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، ومضى هناك القول في أكثر هذا الحديث ، ومضى أيضا في باب ابن شهاب أصول مسائل الحرز ، وما للعلماء في ذلك .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، وعبيد بن عبد الواحد البزار قالا : حدثنا ابن أبي مريم قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، والليث بن سعد قالا : حدثنا محمد بن عجلان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عن الثمر المعلق ، فقال : من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبئة ، فلا شيء عليه ، ومن خرج بشيء فعليه غرامة مثليه ، وقال عبد الله : غرامة مثله ، ومن سرق منه شيئا بعد أن يأويه الجرين فبلغ ثمن المجن ، فعليه القطع . زاد الترمذي ، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثله ، والعقوبة .

ورواه ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، وهشام بن سعد ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي عليه السلام مثله بمعنى واحد .

[ ص: 212 ] قال أبو عمر :

في هذا الحديث كلمة منسوخة ، وهي قوله : وغرامة مثليه ، لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بها إلا ما جاء ، عن عمر رضي الله عنه في رقيق حاطب بن أبي بلتعة حين انتحروا ناقة رجل من مزينة ، ورواية عن أحمد بن حنبل ، ومحمل هذا ( عندنا ) على العقوبة والتشديد ، والذي عليه الناس العقوبة في الغرم بالمثل لقول الله فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقوله وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به وأما العقوبة في البدن بالاجتهاد ، فغير مدفوعة عند العلماء .

وأما قوله في حديث مالك : لا قطع في ثمر معلق فالثمر المعلق ما كان في رؤوس الأشجار من ضروب الثمار ، ولا قطع على سارقه عند جمهور العلماء لهذا الحديث ، وقد بينا هذا المعنى في باب يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان .

وأما الحريسة فذكر أبو عبيد قال : الحريسة تفسر تفسيرين ، فبعضهم يجعلها السرقة نفسها ، تقول منه : حرست أحرس حرسا إذا سرقت ، فيكون المعنى : أنه ليس فيما سرق من الماشية بالجبل قطع حتى يأويها المراح .

والتفسير الآخر : أن تكون الحريسة هي المحروسة فيقول : ليس فيما يحرس بالجبل قطع لأنه ليس بموضع حرز ، وإن حرس .

قال مالك والشافعي في الإبل إذا كانت في مراعيها : لم يقطع من سرق منها ، فإن آواها المراح قطع من سرقها إذا بلغت ما يجب فيه القطع ; ، وهو قول أبي حنيفة ، وأبي ثور إذا لم يكن للإبل في مرعاها من يحرزها [ ص: 213 ] ويحفظها ، وقولهم في الثمر المعلق : إنه لا يقطع سارقه حتى يأويه الجرين ، فإذا آواه الجرين فسرق منه ما يجب فيه القطع قطع سارقه ، وقد مضى في باب نافع القول في مقدار ما يجب فيه القطع ، وما للعلماء في ذلك من الأقوال والاعتلال ، ومضى في باب ابن شهاب القول في معنى الحرز ، ويأتي في باب يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان - كثير من معاني هذا الباب بأبسط منه هاهنا وأوضح إن شاء الله .

وقال مالك : إذا آوى الجرين الزرع أو الثمر أو آوى المراح الغنم فعلى من يسرق من ذلك قيمة ربع دينار القطع . قال مالك : ولا قطع في ثمر معلق ، ولا كثر ، والكثر : الجمار . قال : ولا قطع في النخلة الصغيرة ، ومن قطع نخلة من حائط فليس فيها قطع ، وخالفه أشهب في النخلة فرأى فيها القطع ، وأما قوله : الجرين ، فالجرين هو المربد عند أهل المدينة وأهل الحجاز ، ويسميه أهل العراق البيدر ، ويقال له بالبصرة : الخوخان ، ويسميه أهل الشام الأندر ، وأما المراح : فهو موضع مبيت الغنم الذي تروح إليه ، وتجتمع فيه ليلا ، وكذلك إن جمعت فيه للحرز نهارا - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية