التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
483 [ ص: 227 ] حديث ثالث لعبد الرحمن بن أبي صعصعة

مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري : أنه سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها فلما أصبح غدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له ، وكان الرجل يتقالها ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن .


قال أبو عمر :

هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت ، لم يتجاوز به أبو سعيد ، وليس بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد ، وكذلك رواه يحيى القطان وغيره عن مالك .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن مالك بن [ ص: 228 ] أنس قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري قال : كان رجل يصلي من الليل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقرأ قل هو الله أحد ويرددها ، فذكر ذلك الرجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكأنه تقاله يقول : استقلها ، فقال : إنها لتعدل ثلث القرآن .

ورواه إسماعيل بن جعفر ، وإبراهيم بن المختار ، عن مالك بإسناده ، عن أبي سعيد ، عن قتادة بن النعمان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقتادة بن النعمان هو أخو أبي سعيد الخدري لأمه ، وهو رجل من كبار الأنصار من بني ظفر من الأوس ، قد ذكرناه في كتابنا في الصحابة بما يغني عن ذكره هاهنا .

وقد روي أن قتادة هذا هو الرجل الذي كان يقرأ قل هو الله أحد ، ويتقالها ، على ما ذكر في هذا الحديث .

وروى ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري أنه قال : بات قتادة بن النعمان يقرأ قل هو الله أحد حتى أصبح ، فذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن أو نصفه .

قال أبو عمر :

أو نصفه شك من المحدث لا يجوز أن يكون شكا من النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنها لفظة غير محفوظة في هذا الحديث ولا في غيره ، والمحفوظ الثابث الصحيح في هذا الحديث وغيره : إنها لتعدل ثلث القرآن - دون شك ، وقد يحتمل أن يكون الشك من النبي - صلى الله عليه وسلم - على مذهب من تأول في هذا الحديث أن الرجل لم يزل يكررها ويرددها في ليلته يقطعها بها ، إذ كان لا يحفظ غيرها فيما ذكروا ، حتى بلغ تكراره لها وترداده إياها موازاة حروف ثلث القرآن أو نصفه .

[ ص: 229 ] وهذا يمكن فيه الشك على هذا الوجه فلا يكون لها في ذاتها فضل على غيرها ; لأنها إنما عدلت بثلث القرآن لبلوغ تكرارها إلى ذلك ونحوه ، وهذا التأويل فيه بعد عن الظاهر جدا ، والله الموفق للصواب .

حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن مهران السراج ، وعبد الله بن محمد بن عبد الله الحصيبي القاضي قالا : حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل السراج قال : حدثنا أبو معمر قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة الأنصاري ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري قال : أخبرني قتادة بن النعمان أن رجلا قال : يا رسول الله إن فلانا قام الليلة يقرأ قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد يرددها لا يزيد عليها ، كأن الرجل يتقالها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن .

وحدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا عبد الوهاب بن محمد بن سهيل بن منصور بن الحجاج النصيبي ، وثوابة بن أحمد بن ثوابة الموصلي ، وعلي بن الحسن بن علال الحراني ، وأبو يوسف يعقوب بن مسدد بن يعقوب القلوسي قالوا : حدثنا أحمد بن علي بن المثنى الموصلي ، حدثنا أبو معمر الهذلي إسماعيل بن إبراهيم القطيعي ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن مالك بن أنس ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري قال : أخبرني قتادة بن النعمان أخي : أن رجلا قام في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ من السحر قل هو الله أحد يرددها لا يزيد عليها ، فلما أصبح أتى رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إن فلانا بات يقرأ الليلة من السحر [ ص: 230 ] قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد يرددها لا يزيد عليها ، كأن الرجل يتقالها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن . لفظ الحديث لعبد الوهاب ، وألفاظهم متقاربة ، والمعنى واحد .

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا حمزة بن محمد قال : أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي المثنى قال : حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم قال : حدثنا إبراهيم بن جعفر قال : حدثني مالك بن أنس ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري قال : حدثني أخي قتادة بن النعمان قال : قام رجل من الليل يقرأ قل هو الله أحد السورة يرددها لا يزيد عليها ، فلما أصبحنا قال رجل : يا رسول الله إن رجلا قام الليلة من السحر يقرأ قل هو الله أحد لا يزيد عليها ، كأن الرجل يتقالها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن .

قال أبو عمر :

هذا الحديث سمعه أبو سعيد وقتادة جميعا من النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواية الموطأ وغيرها تدل على ذلك .

وحدثنا أحمد بن فتح ، وخلف بن قاسم قالا : حدثنا أحمد بن الحسن ( بن إسحاق ) الرازي قال : حدثنا علي بن سعيد بن بشير قال : حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا إبراهيم بن المختار قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ، عن أخيه قتادة بن النعمان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن .

[ ص: 231 ] وقد ذكرنا من الأخبار المتواترة عن النبي عليه السلام في أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن في باب ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ما فيه شفاء واكتفاء ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، ونحن نقول بما ثبت عنه ولا نعدوه ، ونكل ما جهلنا من معناه إليه - صلى الله عليه وسلم - فبه علمنا ما علمنا ، وهو المبين عن الله مراده ، والقرآن عندنا مع هذا كله كلام الله وصفة من صفاته ليس بمخلوق ، ولا ندري لم تعدل ثلث القرآن ، والله يتفضل بما يشاء على عباده ، وقد قيل : إن ذلك الرجل مخصوص وحده بأنها تعدل ذلك له ، وهذه دعوى لا برهان عليها ، وقيل : إنها لما تضمنت التوحيد والإخلاص كانت كذلك ، فلو كان هذا الاعتلال وهذا المعنى صحيحا ، لكانت كل آية تضمنت هذا المعنى يحكم لها بحكمها ، وهذا ( ما ) لا يقدم العلماء عليه من القياس ، وكلهم يأباه ، ويقف عند ما رواه .

حدثنا محمد بن خليفة قال : حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا ابن الأعرابي قال : حدثنا عمر بن مدرك القاضي قال : حدثنا الهيثم بن خارجة قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : سألت الأوزاعي ، وسفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، والليث بن سعد ، عن الأحاديث التي فيها الصفات ، فكلهم قال : مروها كما جاءت بلا تفسير ، وقال أحمد بن حنبل : يسلم لها كما جاءت ، فقد تلقاها العلماء بالقبول .

وأما قول الله عز وجل ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها فمعناه بخير منها لنا لا في نفسها ، والكلام في صفة الباري كلام يستبشعه أهل السنة ، وقد سكت عنه الأئمة ، فما أشكل علينا من مثل هذا [ ص: 232 ] الباب وشبهه ، أمررناه كما جاء ، وآمنا به ; كما نصنع بمتشابه القرآن ، ولم نناظر عليه ; لأن المناظرة إنما تسوغ وتجوز فيما تحته عمل ، ويصحبه قياس ، والقياس غير جائز في صفات الباري تعالى لأنه ليس كمثله شيء .

قال مصعب الزبيري : سمعت مالك بن أنس يقول : أدركت أهل هذا البلد - يعني المدينة - وهم يكرهون المناظرة والجدال إلا فيما تحته عمل ، يريد مالك رحمه الله الأحكام في الصلاة ، والزكاة ، والطهارة ، والصيام ، والبيوع ، ونحو ذلك ، ولا يجوز عنده الجدال فيما تعتقده الأفئدة مما لا عمل تحته أكثر من الاعتقاد ، وفي مثل هذا خاصة نهى السلف عن الجدال ، وتناظروا في الفقه ، وتقايسوا فيه ، وقد أوضحنا هذا المعنى في كتاب بيان العلم ، فمن أراده تأمله هناك ، وبالله التوفيق .

أخبرنا أحمد بن محمد ، وعبيد بن محمد قالا : حدثنا الحسن بن سلمة بن المعلى قال : حدثنا عبد الله بن الجارود قال : حدثنا إسحاق بن منصور قال : قلت لأحمد بن حنبل : حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن . فلم يقم لي على أمر بين . قال : وقال لي إسحاق بن راهويه : إنما معنى ذلك أن الله جعل لكلامه فضلا على سائر الكلام ، ثم فضل بعض كلامه على بعض ، فجعل لبعضه ثوابا أضعاف ما جعل لغيره من كلامه ، تحريضا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته على تعليمه وكثرة قراءته ، وليس معناه أن لو قرأ القرآن كله كانت قراءة قل هو الله أحد تعدل ذلك إذا قرأها ثلاث مرات - لا ، ولو قرأها أكثر من مائتي مرة .

قال أبو عمر :

من لم يجب في هذا أخلص ممن أجاب فيه - والله أعلم - .

[ ص: 233 ] حدثنا أحمد بن فتح قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء النيسابوري قال : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن علي بن سهل المروزي قال : حدثنا الحسين بن الحسن قال : حدثنا سليم بن منصور بن عمار قال : كتب بشر الريسي إلى أبي رحمه الله : أخبرني عن القرآن ، أخالق أم مخلوق ؟ فكتب إليه أبي : بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياك من كل فتنة ، وجعلنا وإياك من أهل السنة ، وممن لا يرغب بدينه عن الجماعة ، فإنه إن يفعل فأولى بها نعمة ، وإلا يفعل فهي الهلكة ، وليس لأحد على الله بعد المرسلين حجة ، ونحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة تشارك فيها السائل والمجيب ، تعاطى السائل ما ليس له ، وتكلف المجيب ما ليس عليه ، ولا أعلم خالقا إلا الله ، والقرآن كلام الله ، فانته أنت والمختلفون فيه إلى ما سماه الله به ، تكن من المهتدين ، ولا تسم القرآن باسم من عندك فتكون من الهالكين ، جعلنا الله وإياك من الذين يخشونه بالغيب ، وهم من الساعة مشفقون .

التالي السابق


الخدمات العلمية