التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1023 [ ص: 239 ] حديث خامس لعبد الرحمن بن أبي صعصعة

مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح ، وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ، ثم السلميين كانا قد حفر السيل قبرهما ، وكان قبرهما مما يلي السيل ، وكانا في قبر واحد ، وهما ممن استشهد يوم أحد ، فحفر عنهما ليغير من مكانهما ، فوجدا لم يتغيرا كأنما ماتا بالأمس ، وكان أحدهما قد جرح ، فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك ، فأميطت يده عن جرحه ، ثم أرسلت فرجعت كما كانت ، وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة .


هكذا هذا الحديث في الموطأ مقطوعا لم يختلف على مالك فيه ، وهو يتصل من وجوه صحاح بمعنى واحد متقارب .

قال أبو عمر :

عبد الله بن عمرو هذا هو والد جابر بن عبد الله ، وهو عبد الله بن عمرو بن حرام ، وعمرو بن الجموح ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة ، فهما ابنا عم ، وكانا صهرين وقتلا يوم أحد ، ودفنا في قبر واحد ، وقد ذكرناهما وطرفا من أخبارهما في كتاب الصحابة .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال : أخبرنا محمد بن ( محمد بن ) أبي دليم قال : أخبرنا عمر بن حفص بن أبي تمام قال : أخبرنا محمد بن عبد [ ص: 240 ] الله بن عبد الحكم قال : حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد قال : أخبرنا حيوة بن شريح قال : أخبرنا أبو صخر حميد بن زياد أن يحيى بن النضر حدثه عن أبي قتادة : أنه حضر عمرو بن الجموح أتى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل ، أتراني أمشي برجلي هذه في الجنة ، وكانت رجله عرجاء ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم فقتل يوم أحد هو وابن أخيه ، فمر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : كأني أراه يمشي في الجنة ، وأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلا في قبر واحد .

هكذا في هذا الحديث : فقتل يوم أحد هو وابن أخيه ، وليس هو ابن أخيه ، إنما هو ابن عمه على ما تقدم ذكرنا له ، وهو عبد الله بن عمر بن حرام والد جابر بن عبد الله دفن معه في قبر واحد على ما في حديث مالك وغيره .

ذكر الفرياني ، عن سفيان ، عن أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن هشام بن عامر قال : لما كان يوم أحد شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحرج ، فقالوا : يا رسول الله إنه يشتد علينا الحفر لكل إنسان فقال : عمقوا ، وأحسنوا ، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر ، قالوا : يا رسول الله فمن نقدم ؟ قال : أكثرهم قرآنا . قال : فدفن أبي ثالث ثلاثة في قبر ، ذكرنا هذا الخبر ، وإن لم يكن فيه ذلك لعمرو بن الجموح ، ولا لعبد الله بن عمرو لما فيه من صفة الدفن يومئذ ، وقد روى سفيان ، عن الأسود بن قيس ، عن نبيح ، عن جابر بن عبد الله . قال : لما كان يوم أحد حمل القتلى ليدفنوا في البقيع ، فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن رسول الله يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم - بعدما حملت أبي وخالي عديلين لندفنهم في البقيع ، فردوا .

[ ص: 241 ] حدثنا خلف بن القاسم بن سهل . قال : حدثنا بكر بن عبد الرحمن . قال : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح . قال : حدثنا حسان بن غالب . قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله . قال : استصرخ بنا إلى قتلانا يوم أحد ، وأجرى معاوية بن أبي سفيان العين ، فاستخرجهم بعد ستة وأربعين سنة لينة أجسادهم تنثني أطرافهم .

قال أبو عمر :

هذا هو الصحيح - والله أعلم - أنهم استخرجوا بعد ست وأربعين سنة ; لأن معاوية لم يجر العين إلا بعد اجتماع الناس عليه خليفة ، وكان اجتماع الناس عليه عام أربعين من الهجرة في آخرها ، وقد قيل : عام إحدى وأربعين ، وذلك حين بايعه الحسن بن علي وأهل العراق ، فسمي عام الجماعة ، وتوفي سنة ستين ، وقد روى أبو مسلمة سعيد بن يزيد ، عن أبي نضرة ، عن جابر أنهم أخرجوا بعد ستة أشهر ، فإن صح هذا فمرتين أخرج والد جابر من قبره ، وأما خروجه وخروج غيره في حين إجراء معاوية العين - فصحيح ، وذلك بعد ستة وأربعين عاما على ما في حديث مالك وغيره .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان . قال : حدثنا قاسم بن أصبغ . قال : حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا خالد بن حراش . قال : حدثنا غسان بن مضر . قال : حدثنا سعيد بن يزيد أبو مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن جابر بن عبد الله . قال : دعاني أبي ، وقد حضر قتال أحد فقال لي : يا جابر إني لا أراني إلا أول مقتول يقتل غدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإني لن أدع أحدا [ ص: 242 ] أعز علي منك غير نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن لك أخوات فاستوص بهن خيرا ، وإن علي دينا فاقض عني ، فكان أول قتيل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : فدفنته هو وآخر في قبر واحد ، فكان في نفسي منه شيء ، فاستخرجته بعد ستة أشهر كيوم دفنته إلا هنية عند رأسه .

وروى هذا الحديث شعبة ، عن أبي مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن جابر مثله سواء بمعناه ; إلا أنه . قال : بعد ستة أشهر أو سبعة أشهر .

وقد ذكرنا هذا الخبر فيما تقدم من كتابنا في باب أبي الرحال ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد . قال : أخبرنا أحمد بن مطرف . قال : حدثنا سعيد بن عثمان . قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل . قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي الزبير ، عن جابر . قال : لما أراد معاوية أن يجري العين بأحد ، نودي بالمدينة : من كان له قتيل فليأت قتيله ، . قال جابر : فأتيناهم فأخرجناهم رطابا يتثنون ، فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم فانفطرت دما . قال أبو سعيد الخدري : لا ننكر بعد هذا منكرا أبدا .

قال أبو عمر :

الذي أصابت المسحاة أصبعه هو حمزة رضي الله عنه ، رواه عبد الأعلى بن حماد . قال : حدثنا عبد الجبار - يعني ابن الورد . قال : سمعت أبا الزبير يقول : سمعت جابر بن عبد الله يقول : رأيت الشهداء يخرجون على رقاب الرجال كأنهم رجال توم حتى إذا أصابت المسحاة قدم حمزة رضي الله عنه فانبثقت دما ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية