التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
202 [ ص: 245 ] حديث أول لعبد الرحمن بن القاسم

مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر أنه أخبره : أنه كان يرى عبد الله بن عمر يتربع في الصلاة إذا جلس . قال : ففعلته ، وأنا يومئذ حديث السن ، فنهاني عبد الله ، وقال : إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى ، وتثني رجلك اليسرى . قال : فقلت له : فإنك تفعل ذلك فقال : إن رجلي لا تحملاني .


قال أبو عمر :

هذا الحديث يدخل في المسند لقول ابن عمر : إنما سنة الصلاة ، وقد بان في هذا الحديث أن التربع في الصلاة لا يجوز وليس من سنتها ، وعلى هذا جماعة الفقهاء فلا وجه للإكثار فيه .

وقد روي عن ابن عباس ، وأنس ، ومجاهد ، وأبي جعفر محمد بن علي ، وسالم ، وابن سيرين ، وبكر المزني - أنهم كانوا يصلون متربعين ، وهذا عند أهل العلم على أنهم كانوا يصلون جلوسا عند عدم القوة على القيام ، أو كانوا متنفلين جلوسا لأنهم كلهم قد روي عنهم أن التربع في الجلوس للصلاة لا يجوز إلا لمن اشتكى أو تنفل .

[ ص: 246 ] ذكر ابن أبي شيبة ، عن الثقفي ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين . قال : كان يكره أن يتربع الرجل في صلاته حين يتشهد ، وعن ابن علية ، عن أيوب ، عن ابن سيرين . قال : نبئت أن ابن عمر صلى متربعا ، وقال : إنه ليس بسنة ، إنما فعله من وجع .

وعن محمد بن فضيل ، عن حصين ، عن الهيثم بن شهاب . قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول : لأن أقعد على رضفتين أحب إلي من أن أقعد متربعا في الصلاة ، وقد اختلف الفقهاء في كيفية صلاة القاعد الذي لا يقدر على القيام في الفريضة ، والمصلي جالسا في النافلة ، فذكر ابن عبد الحكم ، عن مالك في المريض أنه يتربع في حال القراءة والركوع ، ويثني رجليه في حال السجود فيسجد ، وكذلك قال الليث بن سعد .

وروى المزني ، عن الشافعي قال : يجلس المريض والمصلي جالسا في صلاته كجلوس التشهد ، وروى عنه البويطي أنه يصلي متربعا في موضع القيام .

وروى الحسن بن زياد ، عن أبي حنيفة ، وزفر : أنه يجلس كجلوس الصلاة في التشهد ويسجد ، واحتج من ذهب هذا المذهب بقول ابن مسعود ، وقد تقدم ذكره : لأن أقعد على رضفتين أحب إلي من أن أقعد متربعا في الصلاة ، وحمل هذا على الصلاة التي يجوز فيها الجلوس ; قال : وقال أبو يوسف : يكون في حال قيامه متربعا ، وفي ركوعه وسجوده كجلوس التشهد .

[ ص: 247 ] . قال الطحاوي : المشهور من قول أبي يوسف ومحمد - أنه يكون متربعا في حال الركوع .

قال أبو عمر :

ذكر ابن أبي شيبة ، عن وكيع . قال : حدثنا سفيان عن حماد ، عن إبراهيم . قال : إذا صلى قاعدا جعل قيامه متربعا . قال وكيع : وقال سفيان : إذا صلى جالسا جعل قيامه متربعا ، فإذا أراد أن يركع ركع وهو متربع ، وإذا أراد أن يسجد ثنى رجليه .

وعن أسباط بن محمد ، عن مطرف ، عن سليمان بن بزيع . قال : دخلت على سالم وهو يصلي جالسا ، فإذا كان الجلوس جثا لركبتيه ، وإذا كان القيام تربع ; وكرهت طائفة التربع على كل حال ، منهم طاوس ، وكان طاوس يقول : هي جلسة مملكة ، وهذا كله في النافلة لمن صلى جالسا فيها أو للمريض ، وأما الصحيح فلا يجوز له التربع في كل حال في الصلاة بإجماع من العلماء ، وكذلك أجمعوا أنه من لم يقدر على هيئة الجلوس في الصلاة صلى على حسب ما يقدر ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها .

واختلف الفقهاء في هيئة الجلوس وكيفيته في الصلاة المكتوبة ، فقال : يفضي بإليتيه إلى الأرض ، وينصب رجله اليمنى ، ويثني رجله اليسرى ، وهذا كله عنده في كل جلوس في الصلاة هكذا ، والمرأة والرجل في ذلك كله عنده سواء .

وقال الثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه : ينصب الرجل اليمنى ، ويقعد على اليسرى ، هذا في الرجل ، والمرأة عندهم تقعد كأيسر ما يكون لها ، وقال الثوري : تسدل رجليها من جانب واحد ، ورواه عن إبراهيم ، وقال [ ص: 248 ] الشعبي : تقعد كيف تيسر لها ، وكان عبد الله بن عمر يأمر نساءه أن يجلسن في الركعتين والأربع متربعات .

. قال الشافعي : يقعد المصلي في الجلسة الوسطى كما قال أبو حنيفة والثوري ، وفي الجلسة من الرابعة كما قال مالك ، وقال الشافعي أيضا : إذا قعد في الرابعة أماط رجليه جميعا فأخرجهما عن وركه اليمنى ، وأفضى بمقعدته إلى الأرض ، وأضجع اليسرى ونصب اليمنى ، . قال : وكذلك في صلاة الصبح .

وقال أحمد بن حنبل مثل قول الشافعي سواء في كل شيء إلا في الجلوس للصبح ، فإنه عنده كالجلوس في ثنتين ، وهو قول داود ، وقال الطبري : إن فعل هذا فحسن ، وإن فعل هذا فحسن ; لأن ذلك كله قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال أبو عمر :

ما ذهب إليه مالك فقد روي عن ابن عمر أنه السنة وحسبك ; وما ذهب إليه الثوري ، وأبو حنيفة فموجود في حديث وائل بن حجر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما ذهب إليه الشافعي فموجود في حديث أبي حميد الساعدي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعيد . قال : حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن . قال : حدثنا أحمد بن شعيب . قال : أخبرنا قتيبة . قال : حدثنا الليث ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه أنه قال : إن من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى [ ص: 249 ] وتنصب اليمنى ، وكذلك رواه عبد الوهاب الثقفي . قال : سمعت يحيى بن سعيد قال : سمعت القاسم يقول : أخبرني عبد الله بن عبد الله أنه سمع عبد الله بن عمر يقول : سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى ، ذكره أبو داود ، عن ابن معاذ ، عن الثقفي ، وكذلك رواه جرير ، عن يحيى بن سعيد .

وروى هذا الحديث مالك في الموطأ ، عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد ، فنصب رجله اليمنى ، وثنى رجله اليسرى ، وجلس على وركه الأيسر ، ولم يجلس على قدمه ، ثم قال : أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك .

هكذا قال مالك في حديث يحيى بن سعيد هذا - لم يذكر فيه أن ذلك من سنة الصلاة كما ذكر في حديثه عن عبد الرحمن بن القاسم ، وكذلك رواه حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس ، فذكر مثل ما ذكره مالك سواء ، ولم يذكر أن ذلك من السنة كما قال عبد الوهاب والليث ، وجرير ، فلهذا لم نذكر في هذا الكتاب حديث مالك عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم في باب يحيى بن سعيد ; لأن مالكا لم يقل عنه : فيه من السنة ، ولا نشك أن ذلك من السنة ; لأن مالكا ذكر عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، وأظن عبد الرحمن شهد ذلك من عبد الله بن عبد الله مع أبيه القاسم ; لأن رواية مالك عنه تدل على ذلك ، وعبد الرحمن ممن أدرك بسنه من الصحابة مثل أنس وطبقته ، وإن كان لم تحفظ له عنهم رواية ، فهو أحرى أن يصير مع أبيه [ ص: 250 ] في درجة في مثل هذا الحديث ، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر ، هذا ما لا خلاف فيه ، ولا مدفع .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، . قال : حدثنا محمد بن بكر ، . قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ، عن مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، . قال : سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى ، وتثني رجلك اليسرى .

قال أبو عمر :

رواية يحيى بن سعيد عن القاسم أكمل من رواية عبد الرحمن هذه ، والمعنى في ذلك بين واضح ، والحمد لله .

وقد روي في هذا الباب عن عائشة حديث اختلف في متنه ولفظه ، أخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن عيسى الواسطي ، قال : حدثنا عمرو بن عون عن هشيم ، عن منصور ، عن محمد بن أبان ، عن عائشة ، قالت : أربع من السنة : تعجيل الإفطار ، وتأخير السحور ، ووضع الرجل اليسرى في التشهد ، ونصب اليمنى .

قال أبو عمر :

منصور هذا هو منصور بن زاذان ، ومحمد بن أبان هذا هو محمد بن أبان الأنصاري المديني ; إلا أني أظن أنه لم يدرك عائشة ، وأخشى أن يكون محمد بن أبان الذي يروي عن القاسم ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : من نذر أن يعصي الله فلا يعصه ، وقد جعلهما العقيلي رجلين ، وكذلك جعلهما أبو حاتم رجلين .

وذكر العقيلي هذا الحديث فقال : أخبرنا محمد بن عيسى الواسطي ، قال : أخبرنا عمرو بن عون ، أخبرنا هشيم ، عن منصور بن زاذان ، عن [ ص: 251 ] محمد بن أبان ، عن عائشة ، قالت : أربع من السنة : تعجيل الإفطار ، وتأخير السحور ، ووضع اليسرى ، ونصب اليمنى في التشهد .

قال : وأخبرنا محمد بن علي ، حدثنا سعيد بن نصر ، أخبرنا هشيم ، أخبرنا منصور بن زاذان ، عن محمد بن أبان الأنصاري ، عن عائشة . قالت : ثلاث من النبوة : تعجيل الإفطار ، وتأخير السحور ، ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة .

ورواه حجاج بن منهال عن هشيم مثله بإسناده ، فسقط هذا الحديث أن يحتج به في هذا الباب للاختلاف في متنه ومعناه ، وقد روى حارثة بن أبي الرجال ، وهو ممن لا يحتج به أيضا ، عن عمرة ، عن عائشة : أنها وصفت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرتها ، وقالت في آخرها : ثم يرفع رأسه فيجلس على قدمه اليسرى ، وينصب اليمنى ، ويكره أن يسقط على شقه الأيسر . - ذكره أبو بكر بن أبي شيبة ، عن عبدة ، عن حارثة .

وأما حديث وائل بن حجر في هذا الباب ، فأحسن طرقه : ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا حامد بن يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثني عاصم بن كليب الجرمي ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت وائل بن حجر الحضرمي قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ، فذكر الحديث ، وفيه قال : ورأيته إذا جلس في الصلاة أضجع رجله اليسرى ، ونصب رجله اليمنى .

[ ص: 252 ] وأخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا سفيان ، حدثنا عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن وائل بن حجر ، قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيته يرفع يديه إذا افتتح الصلاة حتى يحاذي منكبيه ، وإذا أراد أن يركع ، وإذا جلس في الركعتين أضجع اليسرى ونصب اليمنى - وذكر الحديث .

وأما حديث أبي حميد الساعدي ، فحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : أخبرنا محمد بن عبد السلام ، قال : حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا عبد الحميد بن جعفر ، قال : حدثني محمد بن عمرو بن عطاء ، قال : سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم أبو قتادة بن زيعي ، فقال أبو حميد : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالوا : لم ؟ فوالله ما كنت أكثرنا له تبعة ، ولا أقدمنا له صحبة ، قال : بلى ، قالوا : فاعرض ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة كبر ، ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، ويقر كل عظم في موضعه ، ثم يكبر ، ثم يقرأ ، ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، فيضع راحتيه على ركبتيه معتدلا لا ينصب رأسه ولا يقع معتدلا ، ثم يقول : سمع الله لمن حمده ، ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه حتى يقر كل عظم إلى موضعه ، ثم يهوي إلى الأرض ، ويجافي يديه عن جنبيه ، ثم يرفع رأسه ، ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها ، ويفتح أصابع رجليه ، ثم يسجد ، ثم يكبر ، ويجلس على رجله اليسرى حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ، ثم يقوم فيضع في الركعة الأخرى مثل ذلك ، ثم إذا قام من الركعتين رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، كما صنع عند افتتاح الصلاة ، ثم يصلي بقية صلاته [ ص: 253 ] هكذا إذا كان في السجدة التي فيها التسليم أخر رجله وجلس على شقه الأيسر متوركا - . قالوا : صدقت ، هكذا كان يصلي النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وأخبرنا عبد الله بن محمد . قال : حدثنا محمد بن بكر . قال : حدثنا أبو داود . قال : أخبرنا أحمد بن حنبل . قال : حدثنا أبو عاصم . قال : حدثنا عبد الحميد بن جعفر فذكر بإسناده مثله ، قال أبو داود : وحدثنا مسدد . قال : حدثنا يحيى . قال : حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، قال : حدثني محمد بن عمرو بن عطاء ، عن أبي حميد الساعدي ، فذكره .

وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا المطلب بن شعيب ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا الليث ، عن يزيد بن محمد القرشي ويزيد بن أبي حبيب ، عن محمد بن عمرو بن طلحة ، عن محمد بن عمرو بن عطاء : أنه كان جالسا مع نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرنا صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو حميد : أنا أحفظكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رأيته إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه ، وإذا ركع أمكن كفيه من ركبتيه ، ثم هصر ظهره ، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه ، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما ، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة ، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ، وقعد على مقعدته ، ورواه ابن وهب عن الليث بإسناده هذا مثله سواء .

ورواه ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن محمد بن عمرو بن طلحة ، عن محمد بن عمرو العامري . قال : كنت في مجلس ، فذكر هذا الحديث ، قال فيه : فإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى [ ص: 254 ] ونصب اليمنى ، وإذا كان في الرابعة ، أفضى بوركه الأيسر إلى الأرض ، وأخرج قدميه من ناحية واحدة ، ورواه فليح بن سليمان ، وعيسى بن عبد الله بن مالك ، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي قال : اجتمع أبي وأبو حميد وأبو أسيد ، ومحمد بن مسلمة ، فذكر هذا الحديث ، وقال فيه : ثم جلس فافترش رجله اليسرى ، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته .

قال أبو عمر :

لم أجد استقبال القبلة بصدر القدم اليمنى في الصلاة عند الجلوس للتشهد إلا في حديث أبي حميد هذا ، وفي رواية عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد في حديث ابن عمر ، حدثناه محمد بن إبراهيم . قال : حدثنا محمد بن معاوية . قال : حدثنا أحمد بن شعيب . قال : حدثنا الربيع بن سليمان بن داود ، حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر ، قال : حدثني أبي عن عمرو بن الحارث ، عن يحيى بن سعيد أن القاسم حدثه عن عبد الله ، وهو ابن عبد الله بن عمر ، عن أبيه . قال : من سنة الصلاة أن تنصب القدم اليمنى ، وتستقبل بأصابعها القبلة ، والجلوس على اليسرى .

واختلف الفقهاء في النهوض من السجود إلى القيام ، فقال مالك والأوزاعي ، والثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه : ينهض على صدور قدميه ولا يجلس ، وروي ذلك عن ابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وقال النعمان بن أبي عياش : أدركت غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك . وقال أبو الزناد : تلك السنة ، وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ، قال أحمد : أكثر الأحاديث على هذا ، قال الأثرم : ورأيت أحمد بن حنبل ينهض بعد السجود على صدور قدميه ، ولا يجلس قبل أن ينهض ; [ ص: 255 ] وذكر عن ابن مسعود ، وابن عمر ، وأبي سعيد ، وابن عباس ، وابن الزبير أنهم كانوا ينهضون على صدور أقدامهم .

وقال الشافعي : إذا رفع رأسه من السجدة جلس ، ثم نهض معتمدا على الأرض بيديه حتى يعتدل قائما .

ومن حجة من ذهب مذهب مالك ومن تابعه حديث أبي حميد الساعدي المذكور في هذا الباب ، فيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رفع رأسه من السجدة قام . ولم يذكر قعودا .

وفي حديث رفاعة بن رافع ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعليم الأعرابي : ثم اسجد حتى تعتدل ساجدا ، ثم قم ، ولم يأمره بالقعدة ، واحتج أبو جعفر الطحاوي لهذا المذهب أيضا بأن قال : قد اتفقوا أنه يرجع من السجود بتكبير ، ثم لا يكبر أخرى للقيام ، قالوا : فلو كانت القعدة مسنونة لكان الانتقال منها إلى القيام بالذكر كسائر أحوال الانتقال .

وحجة الشافعي لما ذهب إليه في ذلك : حديث مالك بن الحويرث : أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المومن . قال : أخبرنا محمد بن بكر بن داسة . قال : حدثنا أبو داود . قال : حدثنا زياد بن أيوب ، ومسدد . قال : حدثنا إسماعيل ، عن أيوب ، عن أبي قلابة قال : جاءنا أبو سليمان مالك بن الحويرث إلى مسجدنا فقال : والله إني لأصلي ، وما أريد الصلاة ، ولكني أريد أن أريكم كيف رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ، قال : فقعد في الركعة الأولى حين رفع رأسه من السجدة الآخرة ، ثم قام .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان . قال : حدثنا قاسم بن أصبغ . قال : حدثنا بكر بن حماد ، وحدثنا عبد الله بن محمد . قال : حدثنا محمد بن بكر . قال : [ ص: 256 ] حدثنا أبو داود ، قالا : حدثنا مسدد . قال : حدثنا هشيم ، عن خالد ، عن أبي قلابة ، عن مالك بن الحويرث : أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا .

وأخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا خالد عن أبي قلابة . قال : كان مالك بن الحويرث يأتينا فيقول : ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيصلي في غير وقت صلاة ; فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في أول ركعة استوى قاعدا ، ثم قام فاعتمد على الأرض . قال أصحاب الشافعي : فحديث ابن الحويرث أولى ما قيل به في هذه المسألة ; لأن فيه زيادة سكت عنها غيره فوجب قبولها .

واختلف الفقهاء في الاعتماد على اليدين عند النهوض إلى القيام ، فقال مالك والشافعي ، وأبو حنيفة وأصحابهم : يعتمد على يديه إذا أراد القيام ، وروي عن ابن عمر أنه كان يعتمد على يديه إذا أراد القيام ، وكذلك روي عن مكحول ، وعمر بن عبد العزيز ، وجماعة من التابعين .

ذكر عبد الرزاق ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان يقوم إذا رفع رأسه من السجدة معتمدا على يديه قبل أن يرفعهما ، وقال الثوري : لا يعتمد على يديه ; إلا أن يكون شيخا كبيرا ، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب ، وهو قول إبراهيم النخعي .

وقال الأثرم : رأيت أحمد بن حنبل إذا نهض يعتمد على فخذيه ، وذكر عن علي رضي الله عنه قال : إن من السنة في الصلاة إذا نهض الرجل في [ ص: 257 ] الركعتين الأوليين ألا يعتمد بيديه على الأرض ; إلا أن يكون شيخا كبيرا لا يستطيع .

عبد الرزاق عن معمر ، عن أيوب ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه : أن السنة في الجلوس في الصلاة أن يثني اليسرى ، ويقعي باليمنى ، وعن معمر قال : سألت الزهري عن الجلوس في مثنى في الصلاة . قال : تثني اليسرى تحت اليمنى ، وعن معمر ، عن أيوب ، عن نافع قال : تربع ابن عمر في صلاته فقال : إنها ليست من سنة الصلاة ، ولكني أشتكي رجلي ، وعن ابن جريج ، عن عطاء . قال : رأيت ابن عمر يجلس في مثنى فجلس على يسراه ، فيبسطها جالسا عليها ، ويقعي على أصابع يمناه ثانيها وراءه على كل أصابعها .

قال أبو عمر :

قد مضى معنى الإقعاء وما فيه للعلماء في باب صدقة بن يسار من كتابنا هذا ، فلا معنى لإعادة ذلك هاهنا ، ومضى في هذا الباب ما فيه كفاية .

التالي السابق


الخدمات العلمية