التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
747 [ ص: 258 ] حديث ثان لعبد الرحمن بن القاسم

مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج .


قال أبو عمر :

هذا أصح حديث يروى عن النبي عليه السلام أنه أفرد الحج ، وإليه ذهب مالك في اختياره الإفراد ، وأصحابه ، وأبو ثور ، وجماعة ، وروي ذلك عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وهو أحد قولي الشافعي واختياره .

وروى محمد بن الحسن عن مالك أنه قال : إذا جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثان مختلفان ، وبلغنا أن أبا بكر وعمر عملا بأحد الحديثين وتركا الآخر - كان في ذلك دلالة أن الحق فيما عملا به ، وقد مضى القول ممهدا في هذا المعنى ، وما فيه للعلماء - السلف منهم والخلف - من التنازع والاختلاف فيما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به محرما في حجته ، وهل كان حينئذ مفردا أو متمتعا أو قارنا ؟ وذكرنا هناك اختلاف الآثار في ذلك ، وما ذهب إليه فقهاء [ ص: 259 ] الأمصار ، وذلك في باب ابن شهاب ، عن عروة من كتابنا هذا ، والحمد لله .

حدثنا خلف بن قاسم بن سهل بن محمد ، حدثنا أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن عطية ، حدثنا أبو عبد الرحمن زكرياء بن يحيى السجزي ، حدثنا ابن الرماح قال : قلت : الإفراد أحب إليك أم القران ؟ قال : الإفراد ، قلت : من أين ؟ قال : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج . قلت : عمن ؟ فقال : حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ، عن عائشة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج ، وحدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن صالح السبيعي بدمشق ، حدثنا أحمد بن خالد بن يزيد بن عبد الله الكندي الحلبي ، حدثنا مطرف بن عبد الله المدني ، حدثنا مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج ، ورواه مطرف أيضا عن ابن أبي حازم ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

ورواه الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، وابن جريج ، عن عطاء ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله سواء ، وأبو معاوية عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

وأما الحج في الشريعة : فقصد الكعبة البيت الحرام ، والطواف ، والسعي بين الصفا والمروة ، والرمي ، والوقوف بعرفة على سنتها ، ثم بالمزدلفة على سنتها ، ثم إتيان منى والمقام بها لرمي الجمار ، ثم الطواف ، وكل ذلك على سنته فيما هو معلوم ، والحمد لله .

[ ص: 260 ] وقد أتينا على إيضاح ذلك في مواضعه من هذا الكتاب .

وأما الحج في اللغة : فالقصد . قال الشاعر :


وأشهد من عوف حلولا كثيرة يحجون سب الزبرقان المزعفرا

والسب : الثوب أو العمامة .

وقال جرير :


قوم إذا حاولوا حجا لبيعتهم     صروا الفلوس وحجوا غير أبرار



التالي السابق


الخدمات العلمية