التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
941 [ ص: 261 ] حديث ثالث لعبد الرحمن بن القاسم

مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت : قدمت مكة وأنا حائض ، فلم أطف بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : افعلي ما يفعل الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري .


هكذا قال يحيى عن مالك في هذا الحديث : غير أن لا تطوفي بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري .

وقال غيره من رواة الموطأ : غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري - لم يذكروا : ولا بين الصفا والمروة ، ولا ذكر أحد من رواة الموطأ في هذا الحديث : ولا بين الصفا والمروة ، غير يحيى فيما علمت ، وهو عندي وهم منه - والله أعلم - .

والمعروف من مذهب مالك : أن الحائض لا بأس أن تسعى بين الصفا والمروة إذا كانت قد طافت بالبيت قبل أن تحيض ، ذكر مالك في موطئه ، قال : والمرأة الحائض إذا كانت قد طافت بالبيت قبل أن تحيض فإنها تسعى بين الصفا والمروة ، وتقف بعرفة ، والمزدلفة ، وترمي الجمار ، غير أن لا تطوف بالبيت حتى تطهر من حيضتها .

[ ص: 262 ] قال أبو عمر :

رواية يحيى هذه - إن صحت - فتشبه مذهب ابن عمر ، ذكر مالك في الموطأ ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول في المرأة الحائض التي تهل بحج أو عمرة : إنها تهل بحجها أو بعمرتها إذا أرادت ، ولكن لا تطوف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة ، ولا تقرب المسجد حتى تطهر ، وهي لا تحل حتى تطوف بالبيت ، وبين الصفا والمروة . فقول ابن عمر هذا على نحو رواية يحيى ; إلا أن ذلك غير محفوظ في حديث عبد الرحمن بن القاسم هذا ، عن أبيه ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفقهاء الأمصار بالحجاز ، والعراق ، والشام - لا يرون بأسا بالسعي بين الصفا والمروة على غير طهارة ، وما جاز عندهم لغير الطاهر أن يفعله - جاز للحائض أن تفعله ، وهذا مذهب مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة وأصحابهم ، وهو قول عطاء ، وبه قال أحمد ، وأبو ثور ، وغيرهم ، وحجتهم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة في هذا الحديث : افعلي ما يفعل الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت ، وكان الحسن البصري يقول : من سعى بين الصفا والمروة - على غير طهارة ، فإن ذكر قبل أن يحل فليعد ، وإن ذكر بعدما حل فلا شيء عليه .

وأجمعوا أنه لا يجوز لأحد الطواف بالبيت إلا على طهارة ، واختلفوا فيمن فعله على غير طهارة ثم خرج إلى بلده قبل أن يعلم به ، فقال مالك والشافعي : حكمه حكم من لم يطف أصلا ، وقال أبو حنيفة : يبعث بدم ويجزئه .

التالي السابق


الخدمات العلمية