التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
940 [ ص: 263 ] حديث رابع لعبد الرحمن بن القاسم

مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا ، قالت : فقدمت مكة وأنا حائض ، فلم أطف بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : انقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج ، ودعي العمرة ، قالت : ففعلت ، فلما قضيت الحج أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت ; فقال : هذه مكان عمرتك ، فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ، وأما الذين كانوا أهلوا بالحج أو جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا .


هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك بهذا الإسناد ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، ولم يتابعه عليه أحد فيما علمت من رواة الموطأ ، وإنما هذا الحديث في الموطأ عند جماعة الرواة عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة - هكذا بهذا الإسناد ، وهو عند يحيى بهذا الإسناد كذلك أيضا ، وبإسناد آخر عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، [ ص: 264 ] عن عائشة ، فانفرد يحيى لهذا الحديث بهذا الإسناد ، وحمل عنده هذا الحديث بهذين الإسنادين عن مالك في الموطأ ، وليس ذلك عند أحد غيره في الموطأ - والله أعلم - .

وقد تقدم ذكرنا لذلك في باب ابن شهاب ، وقد يجوز ويحتمل أن يكون عند مالك في هذا الحديث إسنادان ، فيدخل الحديث في موطئه بإسناد واحد منهما ، ثم رأى أن يردف الإسناد الآخر إذ ذكره أو نشط إليه ، فأفاد بذلك يحيى ، وكان يحيى من آخر من عرض عليه الموطأ ، ولكن أهل العلم بالحديث يجعلون إسناد عبد الرحمن بن القاسم في هذا الحديث خطأ لانفراد واحد به عن الجماعة .

وأما قوله : انقضي رأسك وامتشطي ، فهذا لم يقله أحد عن عائشة غير عروة ، لا القاسم ولا غيره ، وقد أوضحنا ذلك كله في باب ابن شهاب عن عروة من هذا الكتاب .

وأما معاني هذا الحديث فقد مضى القول فيها في باب ابن شهاب ، عن عروة من هذا الكتاب ، والحمد لله كثيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية