التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
179 [ ص: 228 ] حديث سابع لحميد الطويل ، عن أنس

هو موقوف في الموطأ وأسندته طائفة عن مالك ، ليسوا في الحفظ هناك

مالك ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان ، فكلهم كان لا يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " إذا افتتح الصلاة .


هكذا هو في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت موقوفا ، وروته طائفة عن مالك فرفعته ذكرت فيه النبي عليه السلام ، وليس ذلك بمحفوظ فيه عن مالك ، وممن رواه مرفوعا عن مالك الوليد بن مسلم ، حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن سليمان ، حدثنا محمد بن وزير ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا مالك ، عن حميد ، عن أنس ، قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكلهم كان لا يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " إذا افتتح الصلاة .

وذكره أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث ، فقال : حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن مالك بن أنس ، عن حميد ، عن أنس ، قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون القراءة ب " الحمد لله رب العالمين " ، لا يذكرون " بسم الله الرحمن الرحيم " .

وروي عن أبي قرة موسى بن طارق ، عن مالك أيضا مرفوعا ، حدثنا محمد ، حدثنا علي بن عمر ، حدثنا [ ص: 229 ] إبراهيم بن محمد بن يحيى ، حدثنا أحمد بن محمد بن الأزهر ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا أبو قرة ، عن مالك ، عن حميد ، عن أنس ، قال : صليت خلف رسول الله وأبي بكر وعمر فلم يكونوا يجهرون ب " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وهذا خطأ كله خلاف ما في الموطأ ، ورواه إسماعيل بن موسى السدي ، عن مالك مرفوعا أيضا ، إلا أنه اختلف عنه في لفظه .

حدثنا محمد ، حدثنا علي بن عمر ، حدثنا أبو سعيد محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن مشكان المروزي ، حدثنا عبد الله بن محمود المروزي ، حدثنا إسماعيل بن موسى السدي ، أخبرنا مالك ، عن حميد ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة ب " الحمد لله رب العالمين " .

أخبرنا محمد ، حدثنا علي بن عمر ، حدثنا أبو بكر الشافعي من كتابه ، حدثنا محمد بن الليث الجوهري ، حدثنا إسماعيل بن موسى ، حدثنا مالك ، عن حميد ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يستفتحون ب " بسم الله الرحمن الرحيم " .

ورفعه أيضا ابن أخي ابن وهب ، عن ابن وهب ، عن مالك ، حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا أبو بكر أحمد بن صالح المقرئ ، حدثنا عبد الله بن أبي داود السجستاني ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، حدثنا عبد الله بن عمر ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة ، عن حميد ، عن أنس [ ص: 230 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ، لا يجهر في القراءة ب " بسم الله الرحمن الرحيم " .

فهذا ما بلغنا من الاختلاف على مالك في إسناد هذا الحديث ولفظه ، وهو في الموطأ موقوف ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد روى هذا الحديث عن أنس - قتادة وثابت البناني وغيرهما ، كلهم أسنده ، وذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أنهم اختلف عليهم في لفظه اختلافا كثيرا مضطربا متدافعا ، منهم من يقول فيه : كانوا لا يقرءون " بسم الله الرحمن الرحيم " . ومنهم من يقول : كانوا لا يجهرون ب " بسم الله الرحمن الرحيم " . ومنهم من قال : كانوا لا يتركون " بسم الله الرحمن الرحيم " . منهم من قال : كانوا يفتتحون القراءة ب " الحمد لله رب العالمين " . وهذا اضطراب لا يقوم معه حجة لأحد من الفقهاء ، وقد روي عن أنس أنه سئل عن هذا الحديث ، فقال : كبرنا ونسينا .

وقد أوضحنا ما للعلماء في قراءة " بسم الله الرحمن الرحيم " في فاتحة الكتاب وغيرها بوجوه اعتلالهم وآثارهم ، وما نزعوا به في ذلك في كتاب جمعته في ذلك ، وهو كتاب الإنصاف فيما بين علماء المسلمين في قراءة " بسم الله الرحمن الرحيم " في فاتحة الكتاب من الاختلاف ومضى في ذلك أيضا ما يكفي ويشفي في هذا الكتاب عند قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل اقرءوا ، يقول العبد : " الحمد لله رب العالمين " الحديث بتمامه إلى آخر السورة ، وهو أقطع حديث في ترك " بسم الله الرحمن الرحيم " ، والله أعلم ; لأن غيره من الأحاديث قد تأولوا فيها فأكثروا فيها التشغيب والمنازعة ، وبالله التوفيق .

قال أبو عمر : الاختلاف في " بسم الله الرحمن الرحيم " على أوجه : أحدها : هل هي من القرآن في غير سورة النمل ؟ والآخر : هل هي آية من فاتحة الكتاب ، أو هي آية من أول كل سورة من القرآن ؟ والثالث : هل [ ص: 231 ] تصح الصلاة دون أن يقرأ بها مع فاتحة الكتاب ؟ والرابع : هل تقرأ في النوافل دون الفرائض ؟ ونختصر القول في القراءة بها هاهنا لأنا قد استوعبنا القول في ذلك كله ومهدناه في كتاب الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف في ذلك ، قال مالك : لا تقرأ في المكتوبة سرا ولا جهرا ، وفي النافلة إن شاء فعل ، وإن شاء ترك ، وهو قول الطبري .

وقال الثوري وأبو حنيفة وابن أبي ليلى وأحمد بن حنبل : تقرأ مع أم القرآن في كل ركعة ، إلا أن ابن أبي ليلى قال : إن شاء جهر بها ، وإن شاء أخفاها .

وقال سائرهم : يخفيها .

وقال الشافعي : هي آية من فاتحة الكتاب يخفيها إذا أخفى ويجهر بها إذا جهر ، واختلف قوله : هل هي آية في أول كل سورة أم لا ؟ على قولين : أحدهما : هي ، وهو قول ابن المبارك ، والثاني : لا ، إلا في فاتحة الكتاب ، وقد أشبعنا ، هذا الباب وبسطناه بحجة كل فرقة في كتاب الإنصاف ، وفي باب العلاء من هذا الكتاب والحمد لله .

ومما هو موقوف في الموطأ ، وقد أسنده عن مالك من لا يوثق بحفظه أيضا ما أخبرناه محمد ، حدثنا علي بن عمر ، حدثنا علي بن أحمد بن حامد المعدل ، حدثنا إبراهيم بن ميمون ، قال : قرئ على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أخبركم ابن وهب ، حدثني مالك بن أنس وعبد الله بن عمر ويحيى بن أيوب ، عن حميد ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث للثيب وسبع للبكر لم يسنده غير ابن وهب إن صح عنه ، وهو في الموطأ عند جميعهم موقوف ، وقد ذكرنا معنى هذا الحديث مجودا مبسوطا ممهدا بما فيه للعلماء من المذاهب في باب عبد الله بن أبي بكر والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية