التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
709 [ ص: 313 ] حديث ثامن لعبد الرحمن بن القاسم

مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن أسماء بنت عميس - : أنها ولدت محمد بن أبي بكر بالبيداء ، فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : مرها فلتغتسل ، ثم أهل .


هكذا هذا الحديث في الموطأ مرسلا عند جماعة الرواة ، عن مالك ، لم يختلفوا فيه فيما علمت ; إلا أن بعض رواة الموطأ يقول فيه : عن مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه أن أسماء ، وبعضهم يقول فيه : عن أسماء أنها ولدت ، والقاسم لم يلق أسماء بنت عميس ، فهو مرسل في رواية مالك ، وقد ذكره سليمان بن بلال : حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا خالد بن مخلد ، عن سليمان بن بلال . قال : حدثني يحيى بن سعيد . قال : سمعت القاسم بن محمد يحدث عن أبيه ، عن أبي بكر الصديق : أنه خرج حاجا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه امرأته أسماء بنت عميس ، فولدت بالشجرة محمد بن أبي بكر ، فأتى أبو بكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأمرها أن تغتسل ، ثم تهل بالحج ، ثم تصنع ما يصنع الناس ; إلا أنها لا تطوف بالبيت .

[ ص: 314 ] وقد روي عن سعيد بن المسيب أيضا من وجوه صحاح ، وهو أيضا مرسل ، ومنهم من يجعل حديث سعيد من قول أبي بكر ، كذلك رواه ابن عيينة ، عن عبد الكريم الجزري ويحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب : أن أسماء بنت عميس نفست بذي الحليفة محمد بن أبي بكر ، فأمرها أبو بكر أن تغتسل ، ثم تهل ، ورواه ابن وهب ، عن الليث بن سعد ، ويونس بن يزيد ، وعمرو بن الحارث أنهم أخبروه عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أسماء بنت عميس بن عبد الله بن جعفر ، وكانت عاركا ، أن تغتسل ، ثم تهل بالحج .

. قال ابن شهاب : فلتفعل المرأة في العمرة ما تفعل في الحج ، وروي هذا الحديث متصلا من وجوه من حديث عائشة ، وجابر ، وابن عمر .

أخبرنا عبد الله بن محمد . قال : حدثنا محمد بن بكر . قال : حدثنا أبو داود . قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة . قال : حدثنا عبدة ، عن عبيد الله ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أن تغتسل ، وترحل ، وتهل .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان . قال : حدثنا قاسم بن أصبغ . قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، وأحمد بن زهير . قالا : حدثنا إسحاق بن محمد الفروي . قال : حدثنا عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن أبا بكر خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه أسماء بنت عميس ، حتى إذا كان بذي الحليفة ولدت أسماء محمد بن أبي بكر ، فاستفتى لها أبو بكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : مرها فلتغتسل ، ثم تهل .

[ ص: 315 ] وحدثنا عبد الوارث بن سفيان . قال : حدثنا قاسم بن أصبغ . قال : حدثنا أحمد بن زهير . قال : حدثنا إسحاق بن محمد الفروي . قال : حدثنا عبد الله بن عمر ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة فذكره ; ولهذا الاختلاف في إسناد هذا الحديث أرسله مالك - والله أعلم - فكثيرا ما كان يصنع ذلك ، وقد روى قصة أسماء هذه جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر في الحديث الطويل ، وهو حديث صحيح .

وروى ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحائض والنفساء هذا المعنى ، وهو صحيح مجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه ، كلهم يأمر النفساء بالاغتسال على ما في هذا الحديث ، وتهل بحجها ، وعمرتها ، وهي كذلك ، وحكمها حكم الحائض تقضي المناسك كلها غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر .

أخبرنا عبد الله بن محمد . قال : حدثنا محمد بن بكر . قال : حدثنا أبو داود . قال : حدثنا محمد بن عيسى ، وإسماعيل بن إبراهيم أبو معمر . قالا : حدثنا مروان بن شجاع ، عن خصيف ، عن عكرمة ، ومجاهد ، وعطاء ، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : النفساء والحائض إذا أتتا على الوقت تغتسلان ، وتحرمان ، وتقضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت .

قال أبو داود : ولم يذكر ابن عيسى عكرمة ومجاهد ، قال : عن عطاء ، عن ابن عباس .

قال أبو عمر :

في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسماء ، وهي نفساء - بالغسل عند الإهلال ، وقوله في الحائض والنفساء أنهما تغتسلان ثم تحرمان - دليل على [ ص: 316 ] تأكيد الغسل للإحرام ; إلا أن جمهور أهل العلم لا يوجبونه ، وهو عند مالك وأصحابه سنة مؤكدة ، لا يرخصون في تركها إلا من عذر بين .

وروى ابن نافع ، عن مالك أنه استحب الأخذ بقول ابن عمر في الاغتسال للإهلال بذي الحليفة ، وبذي طوى لدخول مكة ، وعند الرواح إلى عرفة . قال : ولو تركه تارك من غير عذر لم أر عليه شيئا .

وقال ابن القاسم : لا يترك الرجل ولا المرأة الغسل عند الإحرام إلا من ضرورة . قال : وقال مالك : إن اغتسل بالمدينة وهو يريد الإحرام ، ثم مضى من فوره إلى ذي الحليفة فأحرم ، فأرى غسله مجزيا عنه ، قال : وإن اغتسل بالمدينة غدوة ، ثم أقام إلى العشي ، ثم راح إلى ذي الحليفة فأحرم . قال : لا يجزئه الغسل إلا أن يغتسل ويركب من فوره ، أو يأتي ذا الحليفة فيغتسل إذا أراد الإحرام .

. قال أحمد بن المعذل ، عن عبد الملك بن الماجشون : الغسل عند الإحرام لازم ; إلا أنه ليس في تركه ناسيا ولا عامدا دم ولا فدية . قال : وإن ذكره بعد الإهلال فلا أرى عليه غسلا ، ولم أسمع أحدا قاله . قال : فالحائض تغتسل لأنها من أهل الحج ، وكذلك النفساء ، تغتسلان للإحرام والوقوف بعرفة .

وقال ابن نافع ، عن مالك : لا تغتسل الحائض بذي طوى لأنها لا تطوف بالبيت ، وقد روي عن مالك أنها تغتسل كما تغتسل غير الحائض ، وإن لم تطف .

[ ص: 317 ] وذكر ابن خواز منداد - أن مذهب مالك في الغسل للإهلال : أنه سنة . قال : وهو أوكد عنده من غسل الجمعة ، ولا يجوز ترك السنة اختيارا . قال : ومن تركه فقد أساء ، وإحرامه صحيح كمن صلى الجمعة على غير غسل . قال : وقال الشافعي : ينبغي لكل من أراد الإحرام أن يغتسل ، فإن لم يفعل فقد أساء إن تعمد ذلك ، ولا شيء عليه .

قال : وقال أبو حنيفة ، والأوزاعي ، والثوري : يجزئه الوضوء ، وهو قول إبراهيم ، وقال أهل الظاهر : الغسل عند الإهلال واجب على كل من أراد أن يحرم بالحج طاهرا كان أو غير طاهر ، وقد روي عن الحسن البصري ما يدل على هذا المذهب . قال الحسن : إذا نسي الغسل عند إحرامه فإنه يغتسل إذا ذكر ، وقد روي عن عطاء إيجابه ، وروي عنه أن الوضوء يكفي عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية