التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1135 [ ص: 318 ] حديث تاسع لعبد الرحمن بن القاسم

مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية ، عن خنساء بنت خدام الأنصارية : أن أباها زوجها وهي ثيب ، فكرهت ذلك ، فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له ، فرد نكاحها .


وقد جرى من ذكر خنساء في كتاب الصحابة ما فيه كفاية ، وهذا حديث صحيح مجتمع على صحته ، وعلى القول به ; لأن القائلين : لا نكاح إلا بولي يقولون : إن الثيب لا يزوجها وليها أبا كان أو غيره إلا بإذنها ورضاها ، ومن قال : ليس للولي مع الثيب أمر ، فهو أحرى باستعمال هذا الحديث ، وكذلك الذين أجازوا النكاح بغير ولي ، وقد ذكرنا القائلين بهذه الأقوال كلها ، وذكرنا وجوهها ، والاعتلال لها ، في باب عبد الله بن الفضل ، ومدار هذا الحديث ومعناه الذي من أجله ورد - أن الثيب لا يجوز عليها في نكاحها إلا ما ترضاه ، ولا أعلم مخالفا في أن الثيب لا يجوز لأبيها ولا لأحد من أوليائها إكراهها على النكاح ; إلا الحسن البصري ، فإن أبا بكر بن أبي شيبة ذكر ، قال : حدثنا ابن علية ، عن يونس ، عن الحسن أنه [ ص: 319 ] كان يقول : نكاح الأب جائز على ابنته بكرا كانت أو ثيبا ، أكرهت أو لم تكره .

وقال إسماعيل القاضي : لا أعلم أحدا قال في الثيب بقول الحسن .

وذكر عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن صالح بن كيسان ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس للولي مع الثيب أمر ، وقال ابن القاسم : قال لي مالك في الأخ يزوج أخته : الثيب برضاها - والأب ينكر أن ذلك جائز على الأب . قال مالك : وماله ولها وهي مالكة أمرها ؟

وقال أبو حنيفة وأصحابه في الثيب : لا ينبغي لأبيها أن يزوجها حتى يستأمرها ، فإن أمرته زوجها ، وإن لم تأمره لم يزوجها بغير أمرها ، فإن زوجها بغير أمرها ، ثم بلغها ، كان لها أن تجيزه فيجوز ، أو تبطله فيبطل .

وقال إسماعيل بن إسحاق : أصل قول مالك في هذه المسألة أنه لا يجوز ; إلا أن يكون بالقرب ، فإنه استحسن إجازته ; لأنه كان في وقت واحد وفور واحد ، وإنما أبطله مالك ; لأن عقد الولي بغير أمر المرأة كأنه لم يكن ، ولو بلغ المرأة فأنكرت لم يكن فيه طلاق ; لأنه لم يكن هناك نكاح .

وذكر عن أبي ثابت ، عن ابن القاسم قال : ولقد سألت مالكا عن الرجل يزوج ابنه البالغ المنقطع عنه ، أو ابنته الثيب ، وهي غائبة عنه ، فيرضيان بما فعل أبوهما ، فقال مالك : لا يقام على هذا النكاح ، وإن رضيا ; لأنهما لو ماتا لم يكن بينهما ميراث ; . قال : وسألت مالكا عن [ ص: 320 ] رجل زوج أخته ، ثم بلغها فقالت : ما وكلت ، ولا أرضى ، ثم كلمت في ذلك فرضيت ; قال مالك : لا أراه نكاحا جائزا ، ولا يقام عليه حتى يستأنفا نكاحا جديدا ، إن أحبت .

وقال الشافعي وأحمد بن حنبل : ومن زوج ابنته الثيب بغير أمرها فالنكاح باطل ، وإن رضيت ، قال الشافعي : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقل لخنساء : إلا أن تجيزي .

قال أبو عمر :

ليس في حديث مالك في هذا الباب ذكر بمن كانت خنساء تحته حين آمت منه ، ولا من الذي زوجها منه أبوها فكرهته ، ولا إلى من صارت بعد ذلك ، وكانت خنساء هذه تحت أنيس بن قتادة فآمت منه ، قتل عنها يوم أحد ، فزوجها أبوها رجلا من بني عوف فكرهته ، وشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد ذلك التزويج ، ونكحت أبا لبابة بن عبد المنذر .

قرأت على خلف بن القاسم أن أبا علي سعيد بن السكن حدثهم قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن حجاج بن السائب ، عن أبيه ، عن جدته خنساء بنت خدام - : أنها كانت أيما من رجل ، فزوجها أبوها رجلا من بني عوف ، فحنت إلى أبي لبابة بن عبد المنذر ، فارتفع شأنها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أباها أن يلحقها بهواها ، فتزوجت أبا لبابة .

[ ص: 321 ] وذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي ، عن أبي بكر بن محمد : أن رجلا من الأنصار يقال له : أنيس بن قتادة تزوج خنساء بنت خدام فقتل عنها يوم أحد ، فأنكحها أبوها رجلا من بني عوف ، فجاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إن أبي أنكحني رجلا ، وإن عم ولدي أحب إلي منه ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها إليها .

قال : وأخبرنا ابن جريج قال : أخبرنا عطاء الخراساني عن ابن عباس : أن خداما أبا وديعة أنكح ابنته رجلا ، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فاشتكت إليه أنها أنكحت وهي كارهة ، فانتزعها النبي - صلى الله عليه وسلم - من زوجها ، وقال : لا تكرهوهن ، فنكحت بعد ذلك أبا لبابة الأنصاري ، وكانت ثيبا قال ابن جريج : أخبرت أنها خنساء ابنة خدام ، من أهل قباء .

قال عبد الرزاق : وأخبرنا الثوري ، عن أبي الحويرث ، عن نافع بن جبير قال : آمت خنساء بنت خدام فزوجها أبوها وهي كارهة ، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إن أبي زوجني وأنا كارهة ، وقد ملكت أمري ، قال : فلا نكاح له ، انكحي من شئت ، فرد نكاحه ، ونكحت أبا لبابة الأنصاري .

التالي السابق


الخدمات العلمية