التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1831 [ ص: 6 ] حديث أول لعبد الرحمن بن حرملة - متصل مالك , عن عبد الرحمن بن حرملة , عن عمرو بن شعيب , عن أبيه , عن جده , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الراكب شيطان , والراكبان شيطانان , والثلاثة ركب .


في هذا الحديث كراهية الوحدة في السفر , وأتى هذا الحديث بلفظ الراكب ويدخل الراجل في معناه - إذا كان وحده ؛ ولم تختلف الآثار في كراهية السفر للواحد , واختلفت في الاثنين ؛ ولم يختلف في الثلاثة فما زاد أن ذلك حسن جائز , وإنما وردت الكراهية في ذلك - والله أعلم - لأن الوحيد إذا مرض لم يجد من يمرضه ولا يقوم عليه ولا يخبر عنه ونحو هذا .

حدثنا سعيد بن نصر , قال حدثنا قاسم بن أصبغ , قال حدثنا محمد بن وضاح , قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , قال حدثنا الفضل بن دكين , قال حدثنا عبد الله بن عامر , عن عمرو بن شعيب , عن أبيه , عن جده , قال : جاء رجل يسلم على النبي - عليه السلام - خارجا من مكة , فسأله - النبي صلى الله عليه وسلم - أصحبت من أحد ؟ قال : لا , قال : الواحد شيطان , والاثنان شيطانان , والثلاثة ركب . قال أبو عمر : في هذا الحديث الذي بعد هذا بيان لمعنى هذا , وقولنا فيه أبسط - والحمد لله - وقد كان مجاهد ينكر هذا الحديث مرفوعا , ويجعله قول عمر - ولا وجه لقول [ ص: 7 ] مجاهد ; لأن الثقات رووه مرفوعا , وخبر مجاهد أخبرناه محمد بن عبد الملك , حدثنا ابن الأعرابي , حدثنا سعدان بن نصر , حدثنا سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قيل له إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الواحد في السفر شيطان , والاثنان شيطانان . قال : لا ، لم يقله النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن مسعود ، وخباب بن الأرت ، سرية ؛ وبعث دحية سرية - وحده ؛ ولكن قال عمر - يحتاط للمسلمين : كونوا في أسفاركم ثلاثة ، إن مات واحد وليه اثنان ، الواحد شيطان ، والاثنان شيطانان .

قال أبو عمر معنى الشيطان هاهنا : البعيد من الخير في الأنس والرفق ، وهذا أصل هذه الكلمة في اللغة ، من قولهم : نوى شطون ، أي بعيدة ؛ ومما يدلك على أن الثلاثة ركب ، وأن حكمهم نحو حكم العسكر : ما أخبرناه عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا علي بن بحر بن بري ، حدثنا حاتم بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ، قال نافع : فقلنا لأبي سلمة : فأنت أميرنا . وفي هذا الحديث ما يدل على أن الاثنين هل هما جماعة ليسا بجماعة ، فتدبره تجده كذلك - إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية