التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1832 [ ص: 8 ] حديث ثان لعبد الرحمن بن حرملة - مرسل مالك ، عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب ، أنه كان يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشيطان يهم بالواحد والاثنين ، فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم


لم يختلف الرواة للموطأ في إرسال هذا الحديث ، وقد رواه ابن أبي الزناد - مسندا عن أبي هريرة ، حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، قال حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الحسين الكوفي بالكوفة ، قال حدثنا عبد العزيز بن محمد الكوفي ، قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الشيطان يهم بالواحد والاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم وهذا في معنى ما ذكرنا أن الاثنين لا يحكم لهما بحكم الجماعة إلا فيما خصته السنة ، ولم يختلف العرب أن نون الاثنين مكسورة ، ونون الجمع مفتوحة ، ففرقت بين الاثنين والجماعة ؛ ومعناه يتصل من وجوه حسان ، منها : ما رواه عبيد الله بن عمرو الرقي ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

حدثنا خلف بن القاسم ، قال حدثنا أبو الفرج محمد بن سعيد بن عبدان ، قال حدثنا عبد الله بن العباس الطيالسي ، قال حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، قال حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زر ، عن عمر بن الخطاب ، قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد [ ص: 9 ] ورواه جرير بن حازم ، عن عبد الملك بن عمير بن جابر ، عن سمرة ، عن عمر بن الخطاب . وروى غيره عن عبد الملك بن عمير ، قال : حدثت عن عبد الله بن الزبير ، عن عمر بن الخطاب - فذكره .

حدثنا خلف بن سعيد ، قال حدثنا عبد الله بن محمد ، قال حدثنا أحمد بن خالد ، قال حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال حدثنا مالك بن إسماعيل النهدي ، قال حدثنا عصام بن محمد بن زيد بن عمر ، أنه سمع أباه يقول : قال عبد الله بن عمر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل أبدا حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، قال حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن ، قال حدثنا إبراهيم بن موسى بن جميل ، قال حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، قال حدثنا عبيد الله بن صالح العتكي ، قال حدثنا خالد أبو يزيد الرقي ، عن يحيى المديني ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه قال : خرجت مرة لسفر فمررت بقبر من قبور الجاهلية ، فإذا رجل قد خرج من القبر في عنقه سلسلة ، ومعي إداوة من ماء ؛ فلما رآني قال : يا عبد الله اسقني ، قال : فقلت عرفني فدعاني باسمي , أو كلمة تقولها العرب : يا عبد الله ؟ إذ خرج على إثره رجل من القبر فقال : يا عبد الله ، لا تسقه فإنه كافر ، ثم أخذ السلسلة فاجتذبه ، فأدخله القبر ؛ قال ثم أضافني الليل إلى بيت عجوز إلى جانبها قبر ، فسمعت من القبر صوتا يقول : بول وما بول ؟ شن وما شن ؟ فقلت للعجوز : ما هذا ؟ قالت : كان زوجا لي وكان إذا بال لم يتق البول وكنت أقول له : ويحك ! إن الجمل إذا بال تفاج ، وكان يأبى ؛ فهو ينادى من يوم مات : بول وما بول ؟ قلت فما الشن ؟ قالت جاء رجل عطشان فقال : اسقني فقال دونك الشن ، فإذا ليس فيه شيء ، فخر الرجل ميتا ؛ فهو ينادى منذ يوم مات : شن وما شن ؟ فلما قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرته ، فنهى أن يسافر الرجل وحده . [ ص: 10 ] قال أبو عمر هذا الحديث ليس له إسناد ، ورواته مجهولون ، ولم نورده للاحتجاج به ، ولكن للاعتبار ؛ وما لم يكن فيه حكم ، فقد تسامح الناس في روايته عن الضعفاء - والله المستعان . أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد ، قال حدثنا الخضر بن داود ، قال حدثنا أبو بكر الأثرم ، قال حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال حدثنا أبو عوانة ، قال حدثنا المغيرة بن زياد ، عن أبي عمر مولى أسماء بنت أبي بكر ، قال : أتيت عمر بن عبد العزيز وهو بجدة ، وهو يومئذ أمير مكة والمدينة ؛ فأتيته بطرف من طرف مكة ، وأمشاط من عاج ؛ وسرت ليلتي فصبحته - وهو قاعد في مجلسه يقرأ في المصحف - ودموعه تسيل على لحيته ؛ فلما رآني رحب بي ثم قال أبا عمر ، متى فارقت مكة ؟ قلت : الليلة عشيا ، قال من جاء معك ؟ قلت : ما جاء معي أحد ؛ قال : بئس ما صنعت ، أما بلغك أن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد , والثلاثة صحابة ؛ إذا مات أحدهم ، دفنه صاحباه ؛ قال فقدمت إليه الهدية ، فأعجبته فقال أما هذه الأمشاط العاج ، فلا حاجة لنا بها ؛ قد كنا مدة نمتشط بها ، فأما اليوم ، فلا حاجة لنا فيها . قال أبو عمر : قوله في هذا الحديث : " وهو من الاثنين أبعد " - بمعنى بعيد - كما قيل : الله أكبر - بمعنى كبير ، وهذا في لسان العرب موجود كثير .

التالي السابق


الخدمات العلمية