التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1516 [ ص: 26 ] مالك ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ، أن أمه أرادت أن توصي ثم أخرت ذلك إلى أن تصبح فهلكت ، وقد كانت همت بأن تعتق ؛ قال : عبد الرحمن فقلت للقاسم بن محمد : أينفعها أن أعتق عنها ؟ فقال : القاسم بن محمد : إن سعد بن عبادة قال : لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أمي هلكت ، فهل ينفعها أن أعتق عنها ؟ فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم .
قال أبو عمر : طائفة تقول في هذا الحديث عن مالك : نعم أعتق عنها ، منهم : ابن أبي أويس ، ورواية يحيى قائمة المعنى صحيحة هذا حديث منقطع ، لأن القاسم لم يلق سعد بن عبادة ، ولكن قصة سعد بن عبادة وحديثه في ذلك قد روي من وجوه كثيرة متصلة ومنقطعة صحاح كلها ، وهو حديث مشهور عند أهل العلم من حديث سعد بن عبادة وغيره ، إلا أن الرواية في ذلك مختلفة المعاني ؛ فمنها : الصدقة عن الميت ، ومنها : العتق عن الميت ، ومنها : الصيام عن الميت ، ومنها : قضاء النذر مجملا ؛ فأما الصدقة ، فمن حديث مالك ، عن سعيد بن عمر بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة ، عن أبيه ، عن جده ، أن سعد بن عبادة توفيت أمه - وهو غائب ، فلما قدم سعد ، قال : يا رسول الله ، أينفعها أن أتصدق عنها ؟ فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم . وسنذكر هذا الحديث في باب سعيد بن عمرو من كتابنا هذا - إن شاء الله وعند مالك أيضا في هذا حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، مرفوعا في الصدقة عن الميت ، وأكثر الأحاديث في قصة سعيد هذه عن سعد وغيره إنما هي في الصدقة [ ص: 27 ] وأما العتق ، فلا يكاد يوجد إلا من حديث مالك ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة - هذا وأما الصيام عن الميت ، فقد روي أيضا من وجوه مختلفة وأما النذر ، فمن حديث ابن شهاب ، عن عبيد الله ، عن عباس ، أن سعد بن عبادة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نذر كان على أمه ، فتوفيت قبل أن تقضيه ، فقال : اقضه عنها فأما الصدقة عن الميت - فمجتمع على جوازها لا خلاف بين العلماء فيها ، وكذلك العتق عن الميت جائز بإجماع أيضا ، إلا أن العلماء اختلفوا في الولاء : فذهب مالك وأصحابه إلى أن الولاء للمعتق عنه . وذهب الشافعي وأصحابه إلى أن الولاء للمعتق على كل حال ، وذهب الكوفيون إلى أن العتق إن كان بأمر المعتق عنه ، فالولاء له ؛ وإن كان بغير أمره ، فالولاء للمعتق ؛ وقد ذكرنا هذه المسألة ووجوهها في باب ربيعة من كتابنا هذا وأما الصيام عن الميت ، فمختلف فيه ، فجماعة أهل العلم على أنه لا يصوم أحد عن وليه إذا مات - وعليه صيام من رمضان ، ولكنه يطعم عنه . قال أكثرهم : إن شاء ، وكذلك جمهورهم أيضا على أنه لا يصوم أحد عن أحد لا في نذر ولا في غير نذر ؛ وممن ذهب إلى ذلك : مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة وأصحابه ، والثوري ؛ ومن أهل العلم من رأى أن يصوم ولي الميت عنه في النذر دون صيام رمضان ، منهم : إسحاق بن راهويه - وهو الصحيح عن ابن عباس أنه قال : ما كان من شهر رمضان يطعم عنه ، وما كان من صيام النذر فإنه يقضي عنه وقد روي عن أحمد بن حنبل مثل قول ابن عباس سواء ، ومنهم من رأى أن يصوم عنه في كل صيام عليه على عموم ما روي عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من مات وعليه صيام ، صام عنه وليه . منهم : أحمد بن حنبل على [ ص: 28 ] اختلاف عنه ولم يختلف عن أبي ثور في جواز ذلك في الوجهين جميعا ؛ وقد ذكرنا الحكم في ذلك عن علماء الأمصار ، وذكرنا ما جاء في ذلك من الآثار في باب ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة من كتابنا عند ذكر حديث مالك عن ابن شهاب ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس ، أن سعد بن عبادة سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه ؟ فقال : اقضه عنها . وذكرنا هناك حكم النذر المجمل وكفارته ، وما في ذلك للعلماء - والحمد لله وأما حديث سعد بن عبادة في هذا الباب ، فأكثر ما روي فيه الصدقة من حديث القاسم بن محمد وغيره : أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد ، أن أباه أخبره قال : حدثنا عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا بقي بن مخلد ، قال : حدثنا ابن كاسب ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، أن سعدا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا نبي الله ، إن أمي ماتت ولم توص ، أفينفعها أن أتصدق عنها من مالها ؟ قال : نعم . قال : وحدثنا ابن كاسب ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث أن بكيرا حدثه عن سليمان بن يسار ، أن سعد بن عبادة قال : للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن أمي توفيت - ولم توص ، فهل تنالها صدقتي إن تصدقت عنها ؟ قال : نعم . قال : وحدثنا ابن كاسب ، قال : حدثنا هارون ، عن حميد الطويل ، عن الحسن ، قال : قال سعد الأنصاري : يا رسول الله ، إن أم سعد كانت تحب الصدقة ، أفينفعها أن أتصدق عنها بعدها ؟ قال : نعم ، وعليك بالماء قال : وحدثني يحيى بن عبد الحميد ، قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عمارة بن غزية ، عن حميد بن أبي الصعبة ، عن سعد بن عبادة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يسقي عنها الماء [ ص: 29 ] قال : وحدثنا يحيى بن عبد الحميد ، قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل ، عن سعيد بن سعد بن عبادة ، عن أبيه أن أمه توفيت - وهو غائب ، فقال : للنبي - صلى الله عليه وسلم - أينفعها أن أتصدق عنها ؟ قال : نعم ووجدت في أصل سماع أبي بخطه - رحمه الله - أن محمد بن أحمد بن قاسم بن هلال حدثهم ، قال حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي ، قال حدثنا نصر بن مرزوق ، قال حدثنا أسد بن موسى ، قال حدثنا الربيع بن صبيح ، عن الحسن ، عن سعد بن عبادة ، قال : قلت : يا رسول الله ، والدتي كانت تتصدق من مالي ، وتعتق من مالي في حياتها - فقد ماتت ؛ أرأيت إن تصدقت عنها ، أو أعتقت عنها ، أترجو لها شيئا ؟ قال : نعم . قال : يا رسول الله دلني على صدقة ، قال : اسق الماء . قال : فما زالت جرار سعد بالمدينة بعد ومن أحسن ما يروى في العتق عن الميت : ما حدثناه عبد الله بن محمد ، قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي ، قال حدثنا أحمد بن شعيب ، قال أخبرنا الربيع بن سليمان - صاحب الشافعي ، قال حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال حدثنا عبد الله بن سالم ، قال حدثني إبراهيم بن أبي عبلة ، قال : كنت جالسا بأريحاء ، فمر بي واثلة بن الأسقع متوكئا على عبد الله بن الديلمي ، فأجلسه ثم جاء إلي فقال : عجب ما حدثني الشيخ - يعني واثلة ! قلت : ما حدثك ؟ قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، فأتى نفر من بني سليم فقالوا : يا رسول الله ، إن صاحبنا قد أوجب ، فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اعتقوا عنه رقبة ، يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار

التالي السابق


الخدمات العلمية