التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1315 مالك ، عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي سعيد الخدري ، وعن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلا على خيبر ، فجاءه بتمر جنيب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أكل تمر خيبر كهذا ؟ فقال : لا والله يا رسول الله ، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة ، فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تفعل بع الجمع بالدراهم ، وابتع بالدراهم جنيبا .


قال أبو عمر : ذكر أبي هريرة في هذا الحديث لا يوجد من غير رواية عبد المجيد بن سهيل هذا ، وإنما يحفظ هذا الحديث لأبي سعيد الخدري ؛ كذلك رواه قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري - من رواية حفاظ أصحاب قتادة هشام الدستوائي ، وابن أبي عروبة ؛ وكذلك رواه يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، وعقبة ابن عبد الغافر ، عن أبي سعيد الخدري ، وكذلك رواه محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد الخدري ؛ وروى الدراوردي عن عبد المجيد بن سهيل ، في هذا الحديث إسنادين ، أحدهما عن سعيد بن المسيب ، عن أبي سعيد وأبي هريرة ، كما [ ص: 57 ] روى مالك وغيره ؛ والآخر عن عبد المجيد بن سهيل ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة ، وأبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله سواء . بهذا الإسناد - هكذا - إلا من حديث الدراوردي ، وكل من روى حديث عبد المجيد بن سهيل هذا عنه بإسناده ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، وأبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره في آخره : وكذلك الميزان ، إلا مالك ، فإنه لم يذكره في حديثه هذا - وهو أمر مجتمع عليه ، لا خلاف بين أهل العلم فيه ، كل يقول على أصله : إن ما داخله الربا في الجنس الواحد من جهة التفاضل والزيادة ، لم تجز فيه الزيادة والتفاضل لا في كيل ولا في وزن ؛ والكيل والوزن عندهم في ذلك سواء ، إلا أن ما كان أصله الكيل لا يباع إلا كيلا ، وما كان أصله الوزن ، لا يباع إلا وزنا ؛ وما كان أصله الكيل ، فبيع وزنا فهو عندهم مماثلة - وإن كرهوا ذلك ؛ وأما ما كان موزونا ، فلا يجوز أن يباع كيلا عند جميعهم ; لأن المماثلة لا تدرك بالكيل إلا فيما كان كيلا لا وزنا - اتباعا للسنة ؛ قال : - صلى الله عليه وسلم - البر بالبر مدي بمدي ، وقد تدرك المماثلة بالوزن في كل شيء ؛ وقد أجمعوا أن الذهب والورق والنحاس وما أشبه ذلك ، لا يجوز شيء من ذلك كله كيلا بكيل بوجه من الوجوه ، فكذلك كل موزون لا يباع كيلا بكيل على حال من الأحوال . وأجمع العلماء أيضا أن التمر بالتمر لا يجوز بعضه ببعض إلا مثلا بمثل ، وسواء فيه الطيب والدون ؛ وأجناس التمور كلها لا [ ص: 58 ] يجوز بيع شيء منها بشيء إلا مثلا بمثل كيلا بكيل ؛ والتمر كله على اختلاف أنواعه صنف واحد ، لا يجوز التفاضل فيه في البيع والمساومة بوجه من الوجوه ؛ وكذلك البر والزبيب ، وكل طعام مكيل من قطنية أو غيرها ، لا يجوز شيء من ذلك كله بشيء من جنسه إلا مثلا بمثل ؛ وقد تقدم في مواضع من كتابنا هذا أصول الربا في المأكولات ، والمشروبات ، والمكيلات ، والموزونات ؛ وكيف يجري الربا منها في الجنس الواحد وغيره ؛ وما للعلماء في ذلك كله من الاعتلال والمذاهب ، وما جعله كل واحد منهم أصلا في هذا الباب ، فلا معنى لإعادة ذلك هاهنا . وأما الجنيب من التمر ، فقيل هو الجنس الواحد غير المختلط ، والجمع : المختلط ، وقيل الجنيب : المتخير الذي قد أخرج عنه حشفه ورديئه . . . .

وبيع التمر الجمع بالدراهم , وشراء الجنيب بها من رجل واحد يدخله ما يدخل الصرف في بيع الذهب بدراهم , والشراء بتلك الدراهم ذهبا من رجل واحد في وقت واحد ، والمراعاة في ذلك كله واحدة ; فمالك يكره ذلك على أصله ، وكل من قال : بالذرائع كذلك ؛ وغيره يراعي السلامة في ذلك ولا يفسخ بيعا قد انعقد إلا بيقين وقصد - وبالله التوفيق . وأما سكوت من سكت من المحدثين في الحديث عن ذكر فسخ البيع الذي باعه العامل على خيبر ، فلأنه معروف في الأصول أن ما ورد التحريم به لم يجز العقد عليه ، ولا بد من فسخه ؛ وقد جاء الفسخ فيه منصوصا في هذا الحديث : ذكر مسلم بن الحجاج ، قال حدثنا مسلمة بن الحجاج ، قال حدثنا سلمة بن شبيب ، قال حدثنا الحسن بن أعين ، قال حدثنا معقل ، عن أبي قزعة الباهلي ، عن أبي [ ص: 59 ] نضرة ، عن أبي سعيد ، قال : أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتمر فقال : ما هذا التمر من تمرنا ! فقال الرجل : يا رسول الله بعنا تمرنا صاعين بصاع من هذا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الربا ، فردوه ثم بيعوا تمرنا ، واشتروا لنا من هذا ، ولو لم يأت هذا منصوصا ، احتمل ما ذكرنا ، واحتمل أن يكون عامل خيبر فعل هذا على أصل الإباحة التي كانوا عليها ، ثم نزل عليه - - صلى الله عليه وسلم - - تحريم الربا بعد عقد صفقته على أصل ما كان عليه - كما قال سعيد بن جبير : كان الناس على أمر جاهليتهم حتى يؤمروا أو ينهوا . يريد : فما لم يؤمروا ولم ينهوا ، نفذ فعلهم - وبالله التوفيق

التالي السابق


الخدمات العلمية