التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
954 [ ص: 62 ] مالك ، عن عبد الكريم بن مالك الجزري ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرما فآذاه القمل في رأسه ، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحلق رأسه ، وقال له : صم ثلاثة أيام , أو أطعم ستة مساكين مدين مدين لكل إنسان , أو انسك بشاة ، أي ذلك فعلت أجزأ عنك .
قال أبو عمر : هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك ، عن عبد الكريم الجزري ، عن ابن أبي ليلى ، وتابعه أبو المصعب , وابن بكر , والقعنبي , ومطرف , والشافعي , ومعن بن عيسى , وسعيد بن عفير , وعبد الله بن يوسف التنيسي , ومصعب الزبيري , ومحمد بن المبارك الصوري ، كل هؤلاء رووه عن مالك كما رواه يحيى ، لم يذكروا مجاهدا في إسناد هذا الحديث . ورواه ابن وهب ، وابن القاسم ، ومكي بن إبراهيم ، عن مالك ، عن عبد الكريم الجزري ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، وذكر الطحاوي أن القعنبي رواه هكذا كما رواه ابن وهب ، وابن القاسم ، فذكر فيه مجاهدا . قال أبو عمر : الصواب في إسناد هذا الحديث قول من جعل فيه مجاهدا بين عبد الكريم وبين ابن أبي ليلى ، ومن أسقطه فقد أخطأ فيه - والله أعلم . وزعم الشافعي أن مالكا هو الذي وهم فيه ، فرواه عن عبد الكريم ، عن ابن أبي ليلى ، وأسقط من إسناده مجاهدا . [ ص: 63 ] قال أبو عمر : وعبد الكريم لم يلق ابن أبي ليلى ولا رآه ، والحديث محفوظ لمجاهد عن ابن أبي ليلى من طرق شتى صحاح كلها ، وهذا عند أهل الحديث أبين من أن يحتاج فيه إلى استشهاد ؛ وتوفي مجاهد بن جبر ، - ويقال : ابن جبير ، والأكثر يقولون ابن جبر - سنة ثلاث ومائة وهو ابن ثلاث وثمانين سنة ، ويقولون إنه مات ساجدا . حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا جعفر بن محمد الصائغ ، حدثنا محمد بن سابق ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن أبي الزبير ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة الأنصاري ، أنه حدثه أنه كان أهل في ذي القعدة وأنه قمل رأسه ، فأتى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يوقد تحت قدر له ، فقال له : كأنك يؤذيك هوام رأسك ، قال : أجل ؛ قال : احلق رأسك ، واهد هديا ؛ فقال : ما أجد هديا ، قال : فأطعم ستة مساكين ، فقال : ما أجد ، فقال : صم ثلاثة أيام ، قال : فحلقت وصمت . قال أبو عمر : في رواية أبي الزبير لهذا الحديث عن مجاهد - وهو تابع مثله - ما يدلك على أنه حديث احتيج فيه إلى مجاهد ، وهو معروف به عند الحجازيين ، وقد روى هذا الحديث عن مجاهد جماعة جلة ، منهم : أيوب السختياني , وابن أبي نجيح , وحميد بن قيس ، وغيرهم . وأما رواية إبراهيم بن طهمان لهذا الحديث على الترتيب ، فلم يتابع عليها في رواية مجاهد له - والله أعلم . ورواية من روى فيه التخيير أكثر , وقد ذكرنا كثيرا من طرق هذا الحديث في باب حميد بن قيس ، وسيأتي منها كثير أيضا في باب عطاء الخراساني - إن شاء الله . [ ص: 64 ] وقد روى هذا الحديث مكي بن إبراهيم عن مالك ، كما رواه ابن وهب ، وابن القاسم : حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف ، قال أخبرنا عبد الله بن أحمد بن علي بن طالب البغدادي أبو القاسم ، قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن النحوي ، قال حدثنا أحمد بن الخباب ، قال حدثنا مكي بن إبراهيم ، عن مالك بن أنس ، عن عبد الكريم الجزري ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم محرما - فذكر الحديث كما تقدم عن مالك حرفا بحرف ؛ وقد ذكرنا ما في هذا الحديث من الأحكام والمعاني في باب حميد بن قيس من كتابنا هذا ، فلا معنى لتكرير ذلك هاهنا . ولفظ حديث مالك هذا عن عبد الكريم مستعمل عند جميع العلماء فيمن حلق رأسه من أذى وضرورة ، لا يختلفون في شيء منه . وقد روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة ، ومعان في بعضها تفاوت ، وقد ذكرنا ذلك كله أو أكثره وذكرنا تنازع العلماء فيه في باب حميد بن قيس - والحمد لله . وحديث مالك هذا أحسن ما نقل عن كعب بن عجرة في قصته هذه ; لأن ما فيه لمن حلق من ضرورة ، قد اتفق العلماء عليه ، إلا أن اختلافهم في موضع الدم والإطعام أيضا على ما قدمنا في باب حميد بن قيس ، وفي نحر علي بن أبي طالب عن ابنه الحسين بالسقيا جزورا حين حلق رأسه من المرض الذي أصابه - ما تسكن النفس إليه لظهوره وعلوه - وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية