التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
412 حديث أول لعامر بن عبد الله بن الزبير مالك ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن عمرو بن سليم الزرقي ، عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة ابنة زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن ربيع بن عبد شمس فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها


[ ص: 94 ] قال أبو عمر

رواه يحيى ولأبي العاصي بن ربيعة - بهاء التأنيث - وتابعه ابن وهب والقعنبي وابن القاسم والشافعي وابن بكير والتنيسي ومطرف وابن نافع وقال معن وأبو مصعب ومحمد بن الحسن الشيباني وغيرهم ولأبي العاصي بن الربيع وكذلك أصلحه ابن وضاح في رواية يحيى وهو الصواب إن شاء الله

وأما أمامة هذه ابنة أبي العاصي بن الربيع فقد ذكرناها وذكرنا أباها وأمها وخبرهما في كتاب الصحابة وأما معنى هذا الحديث فقد ذكر أشهب ، عن مالك أن ذلك كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة النافلة وأن مثل هذا جائز في الفريضة وحسبك بتفسير مالك ومن الدليل على صحة ما قاله مالك في ذلك أني لا أعلم خلافا أن مثل هذا العمل في الصلاة مكروه وفي هذا ما يوضح أن الحديث إما أن يكون كان في النافلة كما روي عن مالك وإما أن يكون منسوخا وقد قال بعض أهل العلم إن فاعلا لو فعل مثل ذلك لم أر عليه إعادة من أجل هذا الحديث وإن كنت لا أحب لأحد فعله وقد كان أحمد بن حنبل يجيز بعض هذا

ذكر الأثرم قال سمعت أبا عبد الله يسأل أيأخذ الرجل ولده وهو يصلي ؟ قال نعم واحتج بحديث أبي قتادة وغيره في قصة أمامة بنت زينب

قال أبو عمر

لو ثبت أن هذا الحديث غير منسوخ ما جاز لأحد أن يقول إني لا أحب فعل مثل ذلك وفي كراهية الجمهور لذلك في الفريضة دليل على ما ذكرنا

وروى أشهب وابن نافع ، عن مالك أنه سئل ، عن حمل - رسول الله صلى الله عليه وسلم - أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على رقبته يحملها إذا قام ويضعها إذا [ ص: 95 ] سجد . ذلك جائز للناس اليوم على حب الولد أو على حال الضرورة ؟ قال ذلك جائز على حال الضرورة إلى ذلك فأما أن يجد من يكفيه ذلك فلا أرى ذلك ولا أرى ذلك على حب الرجل ولده فلم يخص في هذه الرواية فريضة من نافلة وحمله على حال الضرورة

وقد أجمع العلماء أن العمل الخفيف في الصلاة لا يفسدها مثل حك المرء جسده حكا خفيفا وأخذ البرغوث وطرده له عن نفسه والإشارة والالتفات الخفيف والمشي الخفيف إلى الفرج ودفع المار بين يديه وقتل العقرب وما يخاف أذاه بالضربة الواحدة ونحوها مما يخف والتصفيق للنساء ونحو هذا كله ما لم يكن عملا متتابعا وأجمعوا أن العمل الكثير في الصلاة يفسدها وأن قليل الأكل والشرب عمدا فيها لغير صلاحها يفسدها وهذه أصول هذا الباب فاضبطها ورد فروعها إليها تصب وتفقه إن شاء الله

وأما حديث هذا الباب فقد ذكر فيه محمد بن إسحاق أنه كان في صلاة الفريضة فمن قبل زيادته وتفسيره جعل حديثه هذا أصلا في جواز العمل في الصلاة ولعمري لقد عول عليه المصنفون للحديث في هذا الباب إلا أن الفقهاء على ما وصفت لك وروى ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان وابن عجلان سمعا عامر بن عبد الله بن الزبير يحدث ، عن عمرو بن سليم الزرقي ، عن أبي قتادة الأنصاري قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاصي وهي بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها ذكره مسلم بن الحجاج عن ابن أبي عمر المقري ، عن سفيان بن عيينة وذكره أيضا ، عن أبي الطاهر وهارون الإيلي عن ابن وهب ، عن مخرمة بن بكير [ ص: 96 ] ، عن أبيه ، عن عمرو بن سليم الزرقي قال سمعت أبا قتادة الأنصاري قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وأمامة بنت أبي العاصي على عاتقه فإذا سجد وضعها وأما رواية محمد بن إسحاق لهذا الحديث فحدثنا عبد الله بن محمد ، قال حدثنا محمد بن بكر ، قال حدثنا أبو داود ، قال حدثنا ( يحيى ) بن خلف ، قال حدثنا عبد الأعلى ، قال حدثنا محمد بن إسحاق ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن عمرو بن سليم الزرقي ، عن أبي قتادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر وقد دعا بلال إلى الصلاة إذ خرج علينا وأمامة بنت أبي العاصي ابنة ابنته على عاتقه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصلاه فقمنا خلفه وهي في مكانها الذي وضعها فيه فكبرنا حتى إذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها في مكانها فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك بها في كل ركعة حتى فرغ من صلاته

قال أبو عمر

روى هذا الحديث الليث بن سعد ، عن سعيد بن أبي سعيد بإسناده ولم يقل في الظهر ولا في العصر ولا فيه ما يدل على أن ذلك كان في فريضة

حدثنا أحمد بن قاسم , وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال حدثنا محمد بن بكر ، قال حدثنا أبو داود قال [ ص: 97 ] حدثنا قتيبة بن سعيد قالا جميعا حدثنا الليث بن سعد ، عن سعيد بن أبي سعيد وقال أبو النضر ، حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن عمرو بن سليم أنه سمع أبا قتادة يقول بينا نحن في المسجد جلوس خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت أبي العاصي وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي صبية يحملها على عاتقه فصلى وهي على عاتقه يضعها إذا ركع ويعيدها إذا قام حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها ورواه بكير بن الأشج ، عن عمرو بن سليم ، عن أبي قتادة مثله ورواه ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان , ومحمد بن عجلان جميعا ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن عمرو بن سليم ، عن أبي قتادة مثل حديث مالك سواء

وفي حديث محمد بن إسحاق وقد دعا بلال إلى الصلاة وهذا الدعاء يحتمل أن يكون الأذان المعروف اليوم ويحتمل أن يكون كان في أول الإسلام قبل أن يبين الأذان ثم أحكمت الأمور بعد والله أعلم

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال حدثنا محمد بن بكر ، قال حدثنا أبو داود ، قال حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال حدثنا علي بن المبارك ، قال حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن ضمضم بن جوس ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب

ورواه معمر وغيره ، عن يحيى بن أبي كثير بإسناده مثله

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا بكر بن حماد ، قال حدثنا مسدد وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال حدثنا محمد بن بكر ، قال حدثنا أبو داود ، قال حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا حدثنا بشر بن [ ص: 98 ] المفضل ، قال حدثنا برد بن سنان عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي والباب عليه مغلق فجئت فاستفتحت فمشى ففتح لي ثم رجع إلى مصلاه قال أحمد بن حنبل وذكرت أن الباب كان في القبلة

قال أبو عمر

هذا كان منه في النافلة صلى الله عليه وسلم لا يختلفون في ذلك ومحمل هذا عندهم أن الباب كان قريبا منه وأنه من العمل الخفيف على ما ذكرنا وهذه الأحاديث هي أصول هذا الباب

حدثنا عبد الله بن محمد ، قال حدثنا محمد بن بكر ، قال حدثنا أبو داود ، قال حدثنا أحمد بن حنبل وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ ( ، قال حدثنا ابن وضاح ) ، قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا بشر بن المفضل ، قال حدثنا غالب القطان ، عن بكر بن عبد الله ، عن أنس بن مالك قال كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه فهذا كله وما كان قبله من العمل الخفيف جائز في الصلاة إذا لم يقصد المصلي إلى العبث في صلاته والتهاون بها وإفسادها

وحمله أمامة في هذا الحديث عند أهل العلم أنها كانت عليها ثياب طاهرة وأنه صلى الله عليه وسلم لم ير منها ما يحدث من البول وجائز أن يعلم من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يعلم غيره وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رءوفا رحيما بالأطفال وغيرهم وكان ربما تجاوز في صلاته وخففها لبكاء الطفل يسمعه خشية على أمه خلفه

[ ص: 99 ] أخبرنا أحمد بن فتح ، قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حامد بن ثرثال البغدادي ، قال حدثنا الحسن بن الطيب بن حمزة البلخي ، قال حدثنا قتيبة بن سعيد ، قال حدثنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة فيقرأ بالسورة القصيرة أو قال الخفيفة

وقال الأثرم سئل أحمد بن حنبل ، عن رجل أحرم وأمامه سترة فسقطت فأخذها فأركزها فقال أرجو ألا يكون به بأس فحكوا له عن ابن المبارك أنه أمر رجلا صنع هذا أن يعيد التكبير فقال أما أنا فلا آمره أن يعيد التكبير وأرجو أن لا يكون به بأس

قال أبو عمر

الفرق بين العمل القليل الجائز مثله في الصلاة ما لم يكن عبثا ولعبا وبين العمل الكثير ( الذي ) لا يجوز مثله في الصلاة ليس عن العلماء فيه حد محدود , ولا سنة ثابتة وإنما هو الاجتهاد والاحتياط في الصلاة أولى فأولى للنهي وبالله العصمة والهدى

التالي السابق


الخدمات العلمية