التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
189 [ ص: 187 ] حديث ثان للعلاء بن عبد الرحمن .

مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج فهي خداج - غير تمام - قال : فقلت : يا أبا هريرة ، إني أكون أحيانا وراء الإمام . قال : فغمز ذراعي ، وقال : اقرأ بها في نفسك يا فارسي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله عز وجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرءوا ، يقول العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) يقول الله : حمدني عبدي . يقول العبد : ( الرحمن الرحيم ) يقول الله : أثنى علي عبدي . يقول العبد : ( مالك يوم الدين ) يقول الله : مجدني عبدي . يقول العبد : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) فهذه الآية بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل . يقول العبد : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل


ليس هذا الحديث في الموطإ إلا عن العلاء عند جميع الرواة ، وقد انفرد مطرف في غير الموطإ ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة ، عن أبي هريرة بهذا الحديث ، وساقه كما في الموطإ سواء ، ولا يحفظ عن ابن شهاب ، إنما يحفظ ، عن العلاء . قال الدارقطني : وهو غريب من [ ص: 188 ] حديث مالك ، عن ابن شهاب لم يروه غير مطرف وتفرد به عنه أبو سبرة بن عبد الله المدني ، وهو صحيح من حديث الزهري ، حدث به عنه عقيل هكذا ، عن الزهري ، عن أبي السائب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

قال أبو عمر :

وهكذا يروي مالك هذا الحديث ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبي السائب ، عن أبي هريرة ، وتابعه جماعة ، منهم محمد بن عجلان ، وابن جريج ، والوليد بن كثير ، ومحمد بن إسحاق ، فرووه عن العلاء ، عن أبي السائب ، عن أبي هريرة ، كما رواه مالك إلا أن ابن إسحاق قال فيه : عن أبي السائب مولى عبد الله بن هشام بن زهرة . قال علي بن المديني : هشام بن زهرة هو جد زهرة بن معمر بن عبد الله بن هشام الذي روى عنه أهل مصر .

قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا أبو إسماعيل الترمذي قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني محمد بن العجلان ، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة ، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل صلى صلاة بغير قراءة أم القرآن فهي خداج فهي خداج - غير تمام - قال : قلت : إني لا أستطيع أقرأ مع الإمام . قال : اقرأ بها في نفسك ، فإن الله يقول : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ، فأولها لي وأوسطها بيني وبين عبدي ، وآخرها لعبدي ، وله ما سأل . قال : ( الحمد لله رب العالمين ) قال : حمدني عبدي . قال : ( الرحمن الرحيم ) قال : أثنى علي عبدي . قال : ( مالك يوم الدين ) قال : مجدني عبدي ، فهذا لي . قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) قال : أخلص العبادة لي واستعانني عليها ، فهذه بيني وبين عبدي وله ما سأل قال : ( اهدنا الصراط المستقيم ) إلى قوله ( ولا الضالين ) هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .

[ ص: 189 ] وهكذا رواه قتيبة ، وغيره ، عن الليث ، عن ابن عجلان ، وانتهى حديث ابن جريج إلى قوله : اقرأ بها يا فارسي في نفسك . لم يزد ، وقال فيه : حدثني العلاء أن أبا السائب أخبره أنه سمع أبا هريرة ، فذكره بلفظ حديث مالك إلى حيث ذكرنا .

قال أبو عمر :

ورواه شعبة ، وسفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، وروح بن القاسم ، وعبد العزيز بن أبي حازم كلهم ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، وليس هذا باختلاف ، والحديث صحيح للعلاء ، عن أبيه ، وعن أبي السائب ، جميعا عن أبي هريرة قد جمعهما عنه أبو أويس ، وغيره . قال علي بن المديني : وكذلك رواه ابن عجلان ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي السائب ، جميعا ، عن أبي هريرة ، يعني كما رواه أبو أويس .

قرأت على يونس بن عبد الله بن محمد أن محمد بن معاوية حدثهم قال : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، وحدثنا أحمد بن فتح قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء النيسابوري قال : حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار قالا : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثنا أبي ، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة قال : سمعت من أبي ، ومن أبي السائب جميعا ، وكانا جليسين لأبي هريرة قالا : قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج ، وذكر الفريابي الحديث بطوله . وأما البزار فاختصر ولم يزد على قوله صلى الله عليه وسلم : كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج غير تمام .

[ ص: 190 ] وحدثنا سعيد بن نصر قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثنا أبي ، عن العلاء بن عبد الرحمن قال : سمعت من أبي ومن ابن أبي السائب جميعا وكانا جليسين لأبي هريرة قالا : قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج غير تمام . فقلت : يا أبا هريرة ، إني أكون أحيانا وراء الإمام ؟ فغمز ذراعي ، وقال : اقرأ بها في نفسك يا فارسي ، وساق الحديث على وجهه كما رواه مالك .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، وأحمد بن زهير قالا : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، فذكره بإسناده سواء . قال إسماعيل بن إسحاق : قال علي بن المديني : وكان هذا الحديث عند عباد بن صهيب ، عن الرجلين جميعا ، فأبان ذلك في هذا الحديث أن الذي رواه ابن عيينة ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة كما رواه ولم يكن معارضا لحديث مالك ، هكذا حكى إسماعيل ، عن علي .

قال أبو عمر :

أما حديث ابن عيينة فحدثناه عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا حامد بن يحيى قال : حدثنا سفيان ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج ، قال عبد الرحمن : فإني أسمع قراءة الإمام . فغمزني بيده أبو هريرة وقال : يا فارسي - أو : يا ابن الفارسي - اقرأها في نفسك .

[ ص: 191 ] وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا محمد بن عبد السلام قال : حدثنا محمد بن يحيى العدني قال : حدثنا سفيان ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي . فذكر نحو حديث مالك بمعناه سواء . ولا أعلم لهذا الحديث في الموطإ ولا في غيره إسنادا غير هذا ، وروي عن محمد بن خالد بن عثمة ، وزياد بن يونس جميعا عن مالك ، عن الزهري ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عثمة : كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ، وفي حديث زياد بن يونس : من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج ، وهذا غريب من حديث مالك ، ومحفوظ من حديث الزهري من رواية ابن عيينة ، وجماعة عنه ، إلا أن لفظ أكثرهم في حديث عبادة بن الصامت : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب هكذا .

قال أبو عمر :

أما قوله صلى الله عليه وسلم : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فإن هذا يوجب قراءة فاتحة الكتاب في كل صلاة ، وأن الصلاة إذا لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج والخداج : النقص والفساد ، من ذلك قولهم : أخدجت الناقة وخدجت : إذا ولدت قبل تمام وقتها ، وقيل : تمام الخلق ، وذلك نتاج فاسد ، وأما نحويو أهل البصرة فيقولون : إن هذا اسم خرج على المصدر يقولون : أخدجت الناقة ولدها ناقصا للوقت ، فهي مخدج ، والولد مخدج ، والمصدر الإخداج ، وأما خدجت : فرمت بولدها قبل الوقت ناقصا ، أو غير ناقص ، فهي خادج ، والولد خديج ، ومخدوج ، ومنه سميت خديجة ، وخديج والمصدر : الخداج . قالوا : ويقال : صلاة مخدجة ، أي ناقصة الركوع والسجود .

[ ص: 192 ] هذا كله قول الخليل ، والأصمعي ، وأبي حاتم ، وغيرهم ، وقال الأخفش : خدجت الناقة : إذا ألقت ولدها لغير تمام ، وأخدجت : إذا قذفت به قبل وقت الولادة ، وإن كان تم الخلق .

وقد زعم من لم يوجب قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة ، وقال : هي وغيرها سواء - أن قوله " خداج " يدل على جواز الصلاة ; لأنه النقصان ، والصلاة الناقصة جائزة ، وهذا تحكم فاسد ، والنظر يوجب في النقصان ( الذي صرحت به السنة ) أن لا تجوز معه الصلاة ; لأنها صلاة لم تتم ، ومن خرج من صلاته وهي لم تتم بعد فعليه إعادتها تامة كما أمر على حسب حكمها ، ومن ادعى أنها تجوز مع إقراره بنقصها فعليه الدليل ، ولا سبيل له إليه من وجه يلزم ، والله أعلم .

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وأنه قال : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام ، فأي بيان أوضح من هذا ، وأين المذهب عنه ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يخالفه .

وأما اختلاف العلماء في هذا الباب : فإن مالكا ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبا ثور ، وداود بن علي ، وجمهور أهل العلم قالوا : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب .

قال ابن خويز منداد المالكي البصري : وهي عندنا متعينة في كل ركعة . قال : ولم يختلف قول مالك فيمن نسيها في ركعة من صلاة ركعتين أن صلاته تبطل أصلا ولا تجزئه . واختلف قول مالك : إنه من نسيها في ركعة من صلاة رباعية ، أو ثلاثية ، فقال مرة : يعيد الصلاة ولا تجزئه . وهو قول ابن القاسم ، وروايته ، واختياره من قول مالك ، وقال مالك مرة أخرى : يسجد سجدتي السهو [ ص: 193 ] وتجزئه ، وهي رواية ابن عبد الحكم وغيره عنه ، قال : وقد قيل : إنه يعيد تلك الركعة ، ويسجد للسهو بعد السلام . قال : وقال الشافعي ، وأحمد بن حنبل : لا تجزئه حتى يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة نحو قولنا . قال : وقال أبو حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي : إن تركها عامدا في صلاته كلها وقرأ غيرها أجزأه . قال أبو عمر : على اختلاف عن الأوزاعي في ذلك . وقال الطبري : يقرأ المصلي بأم القرآن في كل ركعة ، فإن لم يقرأ بها لم يجزه إلا مثلها من القرآن عدد آياتها وحروفها . وقال أبو حنيفة : لا بد في الأوليين من قراءة أقل ذلك في كل ركعة منها آية . وقال أبو يوسف ، ومحمد : أقله ثلاث آيات ، أو آية طويلة كآية الدين .

وقال مالك : إذا لم يقرأ أم القرآن في الأوليين أعاد ، ولم يختلف قوله في ذلك ولا في قراءتها في الآخرتين .

وقال الشافعي : أقل ما يجزئ المصلي من القراءة قراءة فاتحة الكتاب إن أحسنها ، فإن كان لا يحسنها ويحسن غيرها من القرآن قرأ بعددها سبع آيات لا يجزئه دون ذلك ، وإن لم يحسن شيئا من القرآن حمد الله وكبر مكان القراءة ، لا يجزئه غيره . قال : ومن أحسن فاتحة الكتاب فإن ترك منها حرفا واحدا وخرج من الصلاة أعاد الصلاة .

وروي عن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عباس ، وأبي هريرة ، وعثمان بن أبي العاص ، وخوات بن جبير ، وأبي سعيد الخدري أنهم قالوا : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ، وهو قول ابن عون ، والمشهور من مذهب الأوزاعي . وأما ما روي عن عمر أنه صلى صلاة لم يقرأ فيها فقيل له فقال : كيف كان الركوع والسجود ؟ قالوا : حسن . فقال : لا بأس إذا - فحديث منكر اللفظ منقطع الإسناد ; لأنه يرويه محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن عمر ، ومرة يرويه محمد بن إبراهيم ، عن [ ص: 194 ] أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عمر ، وكلاهما منقطع لا حجة فيه عند أحد من أهل العلم بالنقل . وقد روي عن عمر من وجوه متصلة أنه أعاد تلك الصلاة .

روى يحيى بن يحيى النيسابوري قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم النخعي ، عن همام بن الحارث أن عمر نسي القراءة في المغرب فأعاد بهم الصلاة . وهذا حديث متصل شهده هشام من عمر ، روي ذلك من وجوه .

وذكر عبد الرزاق ، عن عكرمة بن عمار ، عن ضمضم بن جوس ، عن عبد الله بن حنظلة قال : صليت مع عمر فلم يقرأ فأعاد الصلاة .

وروى إسرائيل ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن زياد بن عياض أنه عمر صلى بهم فلم يقرأ فأعاد الصلاة وقال : لا صلاة إلا بقراءة .

وعن معمر ، عن قتادة ، وأبان ، عن جابر بن يزيد أن عمر أعاد تلك الصلاة بإقامة . وعن ابن جريج ، عن عكرمة بن خالد أن عمر أمر المؤذن فأقام ، وأعاد تلك الصلاة .

وأجمع العلماء على إيجاب القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة أربع على حسب ما ذكرنا من اختلافهم في فاتحة الكتاب من غيرها . واختلفوا في الركعتين الآخرتين : فمذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وداود أن القراءة فيهما بفاتحة الكتاب واجبة ، ومن لم يقرأ فيهما بها فلا صلاة له وعليه إعادة ما صلى كذلك ، وقال الطبري : القراءة فيهما واجبة ولم يعين أم القرآن .

[ ص: 195 ] وقال ابن خويز منداد لم يختلف قول مالك أن القراءة في الركعتين الآخرتين واجبة وبه قال الشافعي ، وأحمد بن حنبل .

قال أبو عمر :

الأوليان عند مالك ، والآخرتان سواء في وجوب القراءة ، إلا ما ذكرت لك عنه في نسيانها من ركعة واحدة .

حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد ، وعبد العزيز بن عبد الرحمن قالا : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا أبان بن يزيد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر ، والعصر في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة ، وفي الآخرتين بأم القرآن ، كان يسمعنا الآية أحيانا ، وكان يطيل أول ركعة من الظهر .

وحدثنا أحمد بن قاسم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا محمد بن يحيى المروزي قال : حدثنا أبو طالب قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم الجزري ، عن زياد بن أبي مريم قال : كنت عند ابن عمر فجاءه رجل فقال : يا أبا عبد الرحمن ، هل في الظهر والعصر قراءة ؟ فقال : هل تكون صلاة بغير قراءة ؟ .

وقال أبو حنيفة : القراءة في الآخرتين لا تجب ، وكذلك قال الثوري ، والأوزاعي . قال الثوري : يسبح في الآخرتين أحب إلي من أن يقرأ .

[ ص: 196 ] قال أبو عمر :

روي عن علي بن أبي طالب ، وجابر بن عبد الله ، والحسن ، وعطاء ، والشعبي ، وسعيد بن جبير : القراءة في الركعتين الآخرتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب في كل ركعة منهما ، وثبت ذلك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا وجه لما خالفه ، والحمد لله .

وقال الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه : يقرأ في الركعتين الأوليين ، وأما في الآخرتين : فإن شاء قرأ ، وإن شاء سبح ، وإن لم يقرأ ، ولم يسبح جازت صلاته ، وهو قول إبراهيم النخعي . وروي ذلك عن علي رضي الله عنه ، والرواية الأولى عنه أثبت ، رواها عنه أهل المدينة .

قال أبو عمر :

قوله صلى الله عليه وسلم : كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام وقوله : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ، يقضي في هذا الباب بين المختلفين فيه ، وهو الحجة اللازمة ، ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يدفع ذلك ولا يعارضه .

حدثنا أحمد بن فتح قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء النيسابوري قال : حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال : حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف قال : حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، عن محمد بن إسحاق ، وحدثنا خلف بن القاسم - واللفظ لحديثه - قال : حدثنا محمد بن أحمد المسور قال : حدثنا مقدام بن داود قال : حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن ابن عجلان ، جميعا ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبي السائب ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيما رجل صلى صلاة بغير قراءة أم القرآن فهي خداج فهي خداج فهي خداج .

[ ص: 197 ] وحدثنا خلف بن القاسم الحافظ قال : حدثنا مؤمل بن يحيى بن مهدي الفقيه قال : حدثنا محمد بن جعفر بن الإمام قال : حدثنا علي بن عبد الله بن المديني قال : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ، وحدثنا خلف ، حدثنا مؤمل ، حدثنا محمد ، حدثنا علي قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري بإسناده مثله .

وحدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا مؤمل بن يحيى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا علي بن المديني ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا جعفر بن ميمون ، حدثنا أبو عثمان النهدي ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن ينادي في الناس أن لا صلاة إلا بقرآن فاتحة الكتاب فما زاد .

وحدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا محمد بن عبد الله النيسابوري ، حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ، حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن جعفر بن ميمون ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي هريرة قال : أمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فمن خالف ظواهر هذه الآثار الثابتة فهو مخصوم محجوج مخطأ ، وبالله التوفيق .

واختلفوا فيمن ترك القراءة في ركعة : فأما مذهب مالك فيمن ترك قراءة أم القرآن في ركعة ، فقد ذكرناه .

وقال الأوزاعي : من قرأ في نصف صلاته مضت صلاته ، وإن قرأ في ركعة واحدة من المغرب ، أو الظهر ، أو العصر ، أو العشاء ونسي أن يقرأ فيما بقي من الصلاة أعاد الصلاة .

[ ص: 198 ] وأما إسحاق فقال : إذا قرأ في ثلاث ركعات إماما ، أو منفردا فصلاته جائزة بما اجتمع الناس عليه أن من أدرك الركوع أدرك الركعة .

وقال الثوري : إن قرأ في ركعة من الصبح ، ولم يقرأ في الأخرى أعاد الصلاة ، وإن قرأ في ركعة ولم يقرأ في الثلاث من الظهر ، أو العصر ، أو العشاء ، أعاد . وروي عن الحسن البصري أنه قال : إذا قرأت في ركعة واحدة من الصلاة أجزأك . وقال به أكثر فقهاء أهل البصرة .

وقال المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي : إذا قرأ بأم القرآن مرة واحدة في الصلاة أجزأه ولم تكن عليه إعادة .

وقد روي عن مالك قول شاذ لا يعرفه أصحابه : أن الصلاة تجزئ بغير قراءة على ما روي عن عمر ، وهي رواية منكرة .

وقال الشافعي : عليه أن يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب ، ولا ركعة إلا بقراءة فاتحة الكتاب . قال : وكما لا ينوب سجود ركعة وركوعها عن ركعة أخرى فكذلك لا ينوب قراءة ركعة عن ركعة غيرها . وهذا قول ابن عون ، وأبي ثور ، وروي مثله عن الأوزاعي .

قال أبو عمر :

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ، و من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام ، فثبت بهذا النص وجوب قراءتها في كل صلاة لمن قدر عليها ، وبطل بهذا قول من قال : إن أم القرآن وغيرها في ذلك سواء ، وقول من قال : يقرأ بعدد آياتها وحروفها من غيرها من القرآن ويجزئه ; لأن النص عليها والتعيين لها قد خصها بهذا الحكم دون غيرها ، وهذا لا إشكال فيه إلا على من حرم رشده ، وعمي قلبه ، ومحال أن يجيء بالبدل [ ص: 199 ] منها من وجبت عليه فتركها وهو قادر عليها ، وإنما عليه أن يجيء بها ويعود إليها إذا كان قادرا عليها كسائر المفروضات المعينات في العبادات ، ولم يبق بعد هذا البيان إلا الكلام : هل يتعين وجوبها في كل ركعة أو مرة واحدة في الصلاة كلها على ظاهر الحديث ؟ لأنه لا يخلو قوله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب " ، وقوله : " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج غير تمام " ، من أن يكون على ظاهره أو يكون معنى قوله : " كل صلاة " كل ركعة . فإن كان الحديث على ظاهره فينبغي أن يكون من صلى صلاة من أربع ركعات ، أو ثلاث ، أو ركعتين ، فقرأ فيها مرة واحدة بفاتحة الكتاب - أن تجزئه صلاته تلك وتكون تامة غير خداج ; لأنها صلاة قد قرئ فيها بأم القرآن فليست بخداج غير تمام ، بل هي تمام لا خداج فيها إذا قرئ فيها بأم القرآن ، على ظاهر الحديث على ما ذهب إليه بعض أهل البصرة ، والمغيرة المخزومي . فلما رأينا جماعتهم ، وجمهورهم ، وعامتهم التي هي الحجة على من خالفها ولا يجوز الغلط عليها في التأويل ، ولا الاتفاق على الباطل ، ولا التواطؤ عليه مع اختلاف مذاهبها ، وتباين آرائها - قد اتفقوا إلا من شذ ممن لا يعد خلافا على الجمهور ، بل هو محجوج بهم ومأمور بالرجوع إليهم إذ شذ عنهم ، اتفقوا على أن من لم يقرأ في ركعتين من صلاته أنه لا تجزئه صلاته تلك وعليه إعادتها ، وهو في حكم من لم يصلها ، استدللنا بهذا الاتفاق والإجماع في هذا المعنى على أن قوله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب " ، " ومن صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج بغير تمام " معناه : كل ركعة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ، وكذلك قال جابر بن عبد الله رحمه الله : كل ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل ، إلا وراء الإمام ، وجابر أحد علماء الصحابة الذين يسلم لهم في التأويل لمعرفتهم بما خرج عليه القول ، ولا خلاف بين أهل العلم والنظر أن المسألة إذا كان فيها وجهان فقام الدليل على بطلان الوجه [ ص: 200 ] الواحد منهما أن الحق في الوجه الآخر ، وأنه مستغن عن قيام الدليل على صحته بقيام الدليل على بطلان ضده ، وقد قام الدليل من أقوالهم أن القراءة لا بد منها في ركعتين أقل شيء ، فعلمنا بذلك أن الحديث المذكور ليس على ظاهره ، وأن معنى قوله صلى الله عليه وسلم من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فلا صلاة له وهي خداج غير تمام أنه أراد كل ركعة ، بدليل ما وصفنا ، والركعة تسمى صلاة في اللغة ، والشرع بدليل الوتر بركعة منفصلة عما قبلها ، وبالله توفيقنا .

وأما قوله في الحديث : قال الله عز وجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل ، اقرءوا : يقول العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) فبدأ بالحمد لله رب العالمين ، فجعلها آية ، ثم ( الرحمن الرحيم ) آية ، ثم ( مالك يوم الدين ) آية ، فهذه ثلاث آيات لم يختلف فيها المسلمون ، جعلها الله له تبارك وتعالى . ثم الآية الرابعة جعلها بينه وبين عبده ، ثم ثلاث آيات لعبده تتمة سبع آيات ، فهذا يدل على أن ( أنعمت عليهم ) آية ، ثم الآية السابعة إلى آخرها على ما تقدم في الحديث في هذا الباب ; لأنه قال في قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) إلى آخر السورة : هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل . و " هؤلاء " إشارة إلى جماعة ما يعقل ، وما لا يعقل ، وأقل الجماعة ثلاثة ، فعلمنا بقوله : " هؤلاء " أنه أراد هؤلاء الآيات ، والآيات أقلها ثلاث ; لأنه لو أراد آية واحدة لقال : هذه ، كما قال في قوله ( إياك نعبد وإياك نستعين ) هذه الآية بيني وبين عبدي ، ولو أراد آيتين لقال : هاتان لعبدي ، فلما قال : هؤلاء لعبدي ، علمنا أنه عنى ثلاث آيات ، وإذا كان من قوله : " اهدنا " إلى آخر السورة ثلاث آيات كانت السبع آيات من قوله : ( الحمد لله رب العالمين ) إلى قوله : ( ولا الضالين ) ، وصح قسمة السبع الآيات على السواء : ثلاث وثلاث وآية بينهما ، ألا ترى أنه قال : اقرءوا يقول العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) ، يقول الله : حمدني عبدي ، فهذه آية ، يقول العبد : ( الرحمن الرحيم ) ، يقول الله : أثنى علي عبدي ، فهذه آيتان ، يقول العبد : ( مالك يوم الدين ) يقول الله : [ ص: 201 ] مجدني عبدي ، فهذه ثلاث آيات كلها لله عز وجل . يقول العبد : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ، فهذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل . فهذه أربع آيات ، ثم قال : يقول العبد : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) ، فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل . فلما قال : " فهؤلاء " علمنا أنها ثلاث آيات وتقدمت أربع تتمة سبع آيات ، ليس فيها " بسم الله الرحمن الرحيم " ، الثلاث له - تبارك اسمه - والرابعة بينه وبين عبده ، والثلاث لعبده ، وقد أجمعت الأمة على أن فاتحة الكتاب سبع آيات ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : وهي السبع المثاني . ثم جاء في هذا الحديث أنه عدها سبع آيات ليس فيها " بسم الله الرحمن الرحيم " ، فهذه حجة من ذهب إلى أن فاتحة الكتاب ليس يعد فيها " بسم الله الرحمن الرحيم " ، ومن أسقط " بسم الله الرحمن الرحيم " من فاتحة الكتاب عد ( أنعمت عليهم ) آية ، وهو عدد أهل المدينة ، وأهل الشام ، وأهل البصرة ، وأكثر أيمة القراء ، وأما أهل مكة ، وأهل الكوفة من القراء فإنهم عدوا فيها " بسم الله الرحمن الرحيم " ، ولم يعدوا ( أنعمت عليهم ) ، وأما العلماء فإنهم اختلفوا في ذلك على ما نذكره ههنا بعون الله إن شاء الله .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال : حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة قال : حدثنا البغوي قال : حدثنا جدي قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن المقرئ ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فاتحة الكتاب : السبع المثاني والقرآن العظيم ، فإن قيل : كيف تكون " قسمت الصلاة " [ ص: 202 ] عبارة عن السورة وهو يقول : قسمت الصلاة . ولم يقل : قسمت السورة ؟ قيل : معلوم أن السورة : القراءة وقد يعبر عن الصلاة بالقراءة كما قال : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) أي قراءة صلاة الفجر ، وقد ذكرنا هذه الآية في باب أبي الزناد من هذا الكتاب ، والحمد لله .

ومن حجة من قال : إن " بسم الله الرحمن الرحيم " ليست أيضا آية من فاتحة الكتاب ولا من غيرها إلا في سورة النمل - قول الله عز وجل ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) ، والاختلاف موجود في " بسم الله الرحمن الرحيم " ( ههنا ) ، فعلمنا أنها ليست من كتاب الله ; لأن ما كان من كتاب الله فقد نفى عنه الاختلاف بقوله ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) ، وقوله ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ، وأما من جهة الأثر ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان أنهم كانوا يفتتحون القراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، وقالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) مع حديث أبي هريرة في هذا الباب .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا مضر بن محمد قال : حدثنا يحيى بن معين قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن قتادة ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان كانوا يفتتحون القراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) روى هذا الحديث مالك ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك أنه قال : قمت وراء أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فكلهم كان لا يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " إذا افتتحوا الصلاة لم يرفعه مالك ، ولم يسمعه حميد [ ص: 203 ] من أنس ، وإنما يرويه ، عن قتادة ، عن أنس ، وأكثر أحاديثه ، عن أنس لم يسمعها من أنس ، إنما يرويها ، عن ثابت ، أو قتادة ، أو الحسن ، عن أنس ويرسلها ، عن أنس . كذلك قال أهل العلم بالحديث .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا هشام بن قتادة ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان كانوا يفتتحون القراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) وحدثنا أحمد بن قاسم ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا سعيد بن عامر ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان كانوا يفتتحون القراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ورواه شعبة ، وشيبان ، وأيوب ، وأبو عوانة ، عن قتادة ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، وعمر . لم يذكروا عثمان . وأصحاب قتادة الذين يحتج بهم فيه شعبة ، والدستوائي ، وسعيد بن أبي عروبة ، فإذا اختلفوا أو اجتمع منهم اثنان كانا حجة على الثالث إذا خالفهما . وقد روى هذا الحديث هشام بن حسان ، عن قتادة كما رواه هشام الدستوائي ، وابن أبي عروبة مرفوعا ، وذكر فيه عثمان .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا إبراهيم بن حمزة قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن هشام بن حسان ، عن قتادة ، عن أنس قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فكانوا يفتتحون القراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، وقد روى هذا الحديث عائذ بن شريح ، عن أنس فزاد فيه ذكر علي ولم يقله غيره .

[ ص: 204 ] حدثنا خلف بن القاسم الحافظ قال : حدثنا أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن عطية البغدادي المعروف بابن الحداد قال : حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق أبو بكر البزار قال : حدثنا أبو همام قال : حدثنا أبو الأحوص قال : حدثنا يوسف بن أسباط ، عن عائذ بن شريح ، عن أنس بن مالك قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وخلف أبي بكر ، وخلف عمر ، وخلف عثمان ، وخلف علي فكانوا يستفتحون القراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، قال أبو همام : فلقيت يوسف بن أسباط ، فسألته عنه ، فحدثنيه ، عن عائذ بن شريح ، عن أنس .

قال أبو عمر :

ذكر علي في هذا محفوظ ، ولا يصح ، والله أعلم . وقد حدثني خلف بن قاسم ، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن كامل ، حدثنا أبو أحمد إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم البغدادي ، حدثنا الحارث بن محمد ، حدثنا أبو مصعب ، حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح القراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، وسمعت أبا بكر الصديق يفتتح القراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، وسمعت عمر بن الخطاب يفتتح القراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، وسمعت عثمان بن عفان يفتتح القراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، وهذا حديث موضوع بهذا الإسناد ، لا أصل له في حديث مالك ولا في حديث ابن شهاب ، وهو منكر كذب ، عن هؤلاء ، وعن القاسم بن محمد أيضا ، ولا يصح ، عن واحد منهم ، والمعروف فيه ، عن عائشة ما [ ص: 205 ] أخبرناه أحمد بن قاسم ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا سعيد بن عامر ، عن سعيد بن عروبة ، عن بديل ، عن أبي الجوزاء ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، ويختمها بالتسليم ، حدثنا عبد الرحمن بن مروان قال : حدثنا أحمد بن سليمان بن عمرو قال : حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال : حدثنا داود بن عمرو قال : حدثنا صالح بن محمد الواسطي ، وأخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا عبد الوارث قالا : أخبرنا حسين المعلم ، عن بديل بن ميسرة العقيلي ، عن أبي الجوزاء ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير ، وكان يفتتح القراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ، ولم يصوبه ، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما ، وكان يقول في الركعتين التحية ، وكان يفرش رجله اليسرى - وأحسبه قال : وينصب اليمنى - وكان ينهى عن عقب الشيطان ، وكان ينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع ، وكان يختم الصلاة بالتسليم ، واللفظ لحديث صالح بن محمد وهو أتم .

قال أبو عمر :

اسم أبي الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي ، لم يسمع من عائشة ، وحديثه عنها مرسل .

[ ص: 206 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا أبو قلابة قال : حدثنا محمد بن عثمان العجلي قال : حدثنا حسين المعلم ، عن بديل بن ميسرة ، عن أبي الجوزاء ، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح القراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن الجريري ، عن قيس بن عباية قال : حدثني ابن عبد الله بن مغفل قال : سمعني أبي وأنا أقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " فقال : أي بني ، إياك والحدث ! فإني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع أبي بكر ، وعمر ، وعثمان فلم أسمع رجلا منهم يقوله ، فإذا قرأت فقل : ( الحمد لله رب العالمين ) .

قال أبو عمر :

قيس بن عباية هذا هو أبو نعامة الحنفي وهو ثقة ، لكن ابن عبد الله بن مغفل غير معروف بحمل العلم ، مجهول ، لم يرو عنه أحد غير أبي نعامة هذا . فهذه الآثار كلها احتج بها من كره قراءة " بسم الله الرحمن الرحيم " في أول فاتحة الكتاب ولم يعدها آية منها ، وأكثرها لا حجة فيه لأن المعنى أنهم كانوا يفتتحون القراءة في الصلوات كلها وفي كل ركعة منها بـ ( الحمد لله رب العالمين ) هذه السورة قبل سائر السور كما لو قال : كان يفتتح بـ ( ق والقرآن المجيد ) ، أو بـ : ( ن والقلم ) ، أو بـ : ( حم تنزيل ) ونحو ذلك . وللعلماء في " بسم الله الرحمن الرحيم " أقاويل ، فجملة مذهب مالك ، وأصحابه أنها ليست عندهم آية من فاتحة الكتاب ، ولا من غيرها ، وليست من القرآن إلا في سورة النمل ، ولا يقرأ بها المصلي في المكتوبة في فاتحة الكتاب ، ولا في [ ص: 207 ] غيرها سرا ولا جهرا . قال مالك : ولا بأس أن يقرأ بها في النافلة ومن يعرض القرآن عرضا . وقول الطبري في " بسم الله الرحمن الرحيم " مثل قول مالك ( سواء ) ( في ذلك كله .

وللشافعي في " بسم الله الرحمن الرحيم " قولان ، أحدهما أنها آية من فاتحة الكتاب ) دون غيرها من السور التي أثبتت في أوائلها ، والقول الآخر : هي آية في أول كل سورة . وكذلك اختلف أصحابه على القولين جميعا .

وقال أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو ثور ، وأبو عبيد : هي آية من فاتحة الكتاب .

وأما أصحاب أبي حنيفة ، فزعموا أنهم لا يحفظون عنه هل هي آية من فاتحة الكتاب أم لا ، ومذهبه يقتضي أنها ليست آية من فاتحة الكتاب ; لأنه يسر بها في الجهر والسر .

وقال داود : هي آية من القرآن في كل موضع وقعت فيه ، وليست من السور وإنما هي آية ملحقة بالسور .

وزعم الرازي أن مذهب أبي حنيفة هكذا .

وقال الزهري : هي آية من كتاب الله تركها الناس .

وقال عطاء : هي آية من أم القرآن .

وقال ابن المبارك : من ترك " بسم الله الرحمن الرحيم " فقد ترك مائة آية وثلاث عشرة آية من القرآن .

واتفق أبو حنيفة ، والثوري على أن الإمام يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " في أول فاتحة الكتاب سرا ويخفيها في صلاة الجهر وغيرها ، يخصها بذلك .

[ ص: 208 ] وروي مثل ذلك ، عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وعمار ، وابن الزبير ، وهو قول الحكم ، وداود ، وبه قال أحمد بن حنبل ، وأبو عبيد . وروي عن الأوزاعي مثل ذلك ، وروي عن الأوزاعي أيضا مثل قول مالك : أنه لا يقرأ بها في المكتوبة سرا ولا جهرا ، وأنها ليست آية من فاتحة الكتاب ، وهو قول الطبري .

وقال الشافعي ، وأصحابه : يجهر بها في صلاة الجهر لأنها آية من فاتحة الكتاب حكمها كسائر السورة . وبه قال داود على اختلاف عنه في ذلك ، وهو قول ابن عمر ، وابن عباس ، وطاوس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وعمرو بن دينار ، وروي ذلك ، عن عمر أيضا وابن الزبير .

قال أبو عمر :

أما من قرأ بها سرا في صلاة السر وجهرا في صلاة الجهر فحجته أنها آية من السورة لا يختلف حكمها ، والمناظرة بينه وبين من يخالفه في هذا الأصل ، وأما من أسر بها وجهر كسائر السورة فإنما مال إلى الأثر ، وقرأ بها كذلك من جهة الحكم بخبر الواحد الموجب للعمل دون العلم ، واحتجوا من الأثر في ذلك بما ، حدثناه محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال : سمعت أبي يقول : أخبرنا أبو حمزة ، عن منصور بن زاذان ، عن أنس بن مالك قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يسمعنا قراءة " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وصلى بنا أبو بكر ، وعمر فلم نسمعها منهما .

[ ص: 209 ] وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن غلاب ، حدثنا أبو الجواب قال : أخبرنا عمار بن رزيق ، عن الأعمش ، عن شعبة ، عن ثابت ، عن أنس قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما فلم أسمع أحدا منهم يجهر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " .

أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال : أخبرنا أحمد بن شعيب النسائي قال : أخبرنا عبد الله بن سعيد قال : حدثنا عقبة قال : حدثنا شعبة ، وابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يجهر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، ففي هذه الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهر بها ، وفي ذلك دليل على أنه كان يخفيها ، ويقرأ بها ، فإلى هذا ذهب من رأى إخفاءها ، وعلى هذا حملوا ما روي عن علي ، ومن ذكرنا معه في ذلك .

ذكر عبد الرزاق ، عن إسرائيل ، عن ثوير بن أبي فاختة ، عن أبيه أن عليا كان لا يجهر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " وكان يجهر بـ ( الحمد لله رب العالمين ) .

وعن الثوري ، عن عبد الملك بن أبي بشير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الجهر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " قراءة الأعراب .

[ ص: 210 ] وأما الذين أثبتوها آية من كتاب الله في أول فاتحة الكتاب وفي أول كل سورة ، والذين جعلوها آية منفردة في أول كل سورة ; فإنهم قالوا : إن المصحف لم يثبت الصحابة فيه ما ليس من القرآن ; لأنه محال أن يضيفوا إلى كتاب الله ما ليس منه ، ويكتبوه بالمداد كما كتبوا القرآن ، هذا ما لا يجوز أن يضيفه أحد إليهم ، ألا ترى أن الذين رأوا منهم الشكل فيه كرهوه ، وقالوا : نسيتم المصحف ، كيف تضيفون إليه ما ليس منه ؟ واحتجوا من الأثر بما حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه " بسم الله الرحمن الرحيم " قال أبو داود : وحدثنا هناد بن السري قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن المختار بن فلفل قال : سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أنزلت علي آنفا سورة ، فقرأ ( بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر ) حتى ختمها ، ثم قال : هل تدرون ما الكوثر ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة .

وذكر النسائي هذا الخبر ، عن علي بن حجر ، عن علي بن مسهر ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس مثله .

وذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار أن سعيد بن جبير أخبره أن المؤمنين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا لا يعلمون انقضاء [ ص: 211 ] السورة حتى تنزل " بسم الله الرحمن الرحيم " ، فإذا نزلت " بسم الله الرحمن الرحيم " علموا أن قد انقضت السورة ونزلت الأخرى ، وهكذا روى هذا الخبر طائفة من أصحاب ابن عيينة ، عن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير مرسلا ، وبعضهم رواه ، عن ابن عيينة ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن ابن عباس مسندا ، فهذه حجة من جعل " بسم الله الرحمن الرحيم " من كل سورة آية .

وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال : حدثنا محمد بن فطيس قال : حدثنا أبو زهير عبد المجيد بن إبراهيم قال : حدثنا عمرو بن هاشم قال : حدثنا عبد العزيز بن الحصين ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس قال : سرق الشيطان من أئمة المسلمين آية من كتاب الله " بسم الله الرحمن الرحيم " قال ابن عباس : نسيها الناس كما نسوا التكبير في الصلاة ، والله ما كنا نقضي السورة حتى تنزل " بسم الله الرحمن الرحيم " .

قال عمرو بن هاشم : صليت خلف الليث بن سعد فكان يجهر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، و بـ " آمين " .

وأما ما حكيناه ، عن ابن عباس وابن عمر ، وغيرهما من السلف في هذا الباب ، فذكر عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج قال : حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد أن معاوية صلى للناس بالمدينة العتمة فلم يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، ولم يكبر بعض هذا التكبير الذي يكبر الناس ، فلما انصرف ناداه من سمع ذلك من المهاجرين [ ص: 212 ] والأنصار فقالوا : يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت ؟ أين " بسم الله الرحمن الرحيم " ، و " الله أكبر " حين تهوي ساجدا ؟ فلم يعد معاوية لذلك بعد .

وروى هذا الخبر عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن أبي بكر بن حفص ، عن أنس بن مالك قال : صلى بنا معاوية صلاة يجهر فيها بالمدينة . فذكر معناه .

وذكر عبد الرزاق أيضا ، أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني أبي أن سعيد بن جبير أخبره أن ابن عباس قال في قول الله عز وجل : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) ، قال : أم القرآن . قال : وقرأها علي سعيد كما قرأتها عليك ثم قال : " بسم الله الرحمن الرحيم " الآية السابعة . وقال ابن عباس : قد أخرجها الله لكم وما أخرجها لأحد من قبلكم . قال عبد الرزاق : وقرأها علينا ابن جريج : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) آية ، ( الحمد لله رب العالمين ) آية ، ( الرحمن الرحيم ) آية ، ( مالك يوم الدين ) آية ، ( إياك نعبد وإياك نستعين ) آية ، ( اهدنا الصراط المستقيم ) آية ، ( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) آية .

قال : وأخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن عمرو بن دينار أن ابن عباس كان يفتتح بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " .

[ ص: 213 ] قال : وأخبرنا إبراهيم بن محمد بن صالح مولى التوأمة أنه سمع أبا هريرة يفتتح بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) .

قال : وأخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن نافع أن ابن عمر كان يفتتح القراءة بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) .

قال : وأخبرنا ابن جريج قال : أخبرني نافع أن ابن عمر كان لا يدع ( بسم الله الرحمن الرحيم ) يستفتح بها لأم القرآن والسورة التي بعدها .

قال : وأخبرنا الثوري ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن سعيد بن جبير أنه كان يجهر بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في كل ركعة قال : وأخبرنا ابن جريج ، عن عطاء قال : لا أدع ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في مكتوبة وتطوع أبدا إلا ناسيا ، لأم القرآن وللسورة التي بعدها ، قال : وهي آية من القرآن .

قال ابن جريج : وقال يحيى بن جعدة : اختلس الشيطان من الأيمة آية ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قال : وأخبر معمر ، عن الزهري أنه كان يفتتح بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ويقول : هي آية من كتاب الله تركها الناس .

[ ص: 214 ] قال : وأخبرنا محمد بن مسلم ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن مجاهد قال : نسي الناس ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وهذا التكبير .

قال أبو عمر :

في قول ابن شهاب ، ومجاهد ، ويحيى بن جعدة دليل على أن العمل كان عندهم ترك ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، فهذا من جهة العمل ، وأما من جهة الأثر فحديث العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قوله : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ، اقرءوا يقول : ( الحمد لله رب العالمين ) ، الحديث . على حسب ما بينا منه فيما مضى من هذا الباب ، وحديث عبد الله بن مغفل أنه لم يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أبا بكر ، ولا عمر يقرءون ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، وحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان كانوا يفتتحون بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، وحديث عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، فالظاهر من هذه الأخبار إسقاط ( بسم الله الرحمن الرحيم ) منها ، وتأويل المخالف فيها بعيد ; إذ زعم أن قولهم : كانوا يفتتحون بـ ( الحمد لله رب العالمين ) إعلام بأنهم كانوا يقرءون هذه السورة في أول صلاتهم ، وفي كل ركعة . قالوا : وإنما في هذه الآثار رد قول من قال : إن غيرها من سور القرآن يغني عنها . قالوا : وحديث أنس مختلف فيه : أكثر أصحاب قتادة يقولون فيه : كانوا لا يقرءون ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، وبعض رواته ، عن أنس يقول فيه : كانوا يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم .

[ ص: 215 ] ورواه معمر ، عن قتادة ، وحميد الطويل ، عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان يقرءون ( الحمد لله رب العالمين ) ، قالوا : فحديث أنس هذا ، وما كان في معناه محتمل للتأويل على ما وصفنا . قالوا : وحديث ابن عبد الله بن مغفل لا يثبت أيضا ; لأنه عن أبيه ، وهو مجهول ، قالوا : والعلاء بن عبد الرحمن قد تكلم فيه ، وليس بحجة . قالوا : وأما قول من احتج بقول الله عز وجل : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) ، فلا حجة فيه لأن الاختلاف في المعوذات وفي فاتحة الكتاب أيضا موجود بين الصحابة ، وكذلك الاختلاف في تأويل كثير من آي القرآن ، فدل ذلك على أن معنى الآية غير ما نزع به المخالف من ظاهرها ، والله أعلم .

قال أبو عمر :

العلاء بن عبد الرحمن ثقة ، روى عنه جماعة من الأئمة ، ولم يثبت فيه لأحد حجة ، وهو حجة فيما نقل ، والله أعلم . وحديثه في هذا الباب يقضي بأن بسم الله الرحمن الرحيم ليست آية من فاتحة الكتاب ، وهو نص في موضع الخلاف لا يحتمل التأويل ، وقد أمر الله عند التنازع بالرجوع إلى الله وإلى رسوله ، وقد اختلف السلف في هذا الباب وسلك الخلف سبيلهم في ذلك ، واختلفت الآثار فيه ، وحديث العلاء هذا قاطع لتعلق المتنازعين ، وهو أولى ما قيل به في هذا الباب ، إن شاء الله ، والله الموفق للصواب .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن عبد السلام قال : حدثنا محمد بن بشار ، وحدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن شيبة البغدادي ، حدثنا أبو خليفة [ ص: 216 ] الجمحي الفضل بن الحباب قال : حدثنا مسدد بن مسرهد قالا : حدثنا يحيى قال : حدثنا شعبة قال : حدثني حبيب بن عبد الله الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا في المسجد فدعاني فلم آته ، فقال : ما منعك أن تجيبني ؟ قلت : إني كنت أصلي . قال : ألم يقل الله عز وجل ( ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) ، ثم قال : ألا أعلمك أفضل سورة في القرآن قبل أن أخرج ؟ قال : فلما ذهب يخرج ذكرت له ، فقال : ( الحمد لله رب العالمين ) هي السبع المثاني ، والقرآن العظيم الذي أوتيته ، واللفظ لحديث عبد الوارث ، ففي هذا الحديث تسمية السورة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، وفيه أنها السبع المثاني ، وفيه أن الصلاة لا يجوز فيها الكلام ، ولا الاشتغال بغيرها ما دام فيها ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعنفه إذ قال له : كنت أصلي . بل سكت عنه تسليما لذلك ، وإذا لم يقطع الصلاة بكلام ولا عمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فغيره أحرى بذلك ، وبالله التوفيق .

وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أيجزئ عني في كل ركعة ( إنا أعطيناك الكوثر ) ، وليس معها أم القرآن في المكتوبة ؟ قال : لا ، ولا سورة البقرة ، قال الله : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) فهي السبع المثاني ، قلت : فأين السابعة ؟ قال : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قال : وكان عطاء يوجب أم القرآن في كل ركعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية