التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
187 [ ص: 217 ] حديث ثالث للعلاء بن عبد الرحمن .

مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلي ، فلما فرغ من صلاته لحقه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على يده وهو يريد أن يخرج من باب المسجد ، فقال : إني لأرجو أن لا تخرج من المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل الله في التوراة ، ولا في الإنجيل ، ولا في الفرقان مثلها . قال أبي : فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك ، ثم قلت : يا رسول الله ، السورة التي وعدتني ؟ قال : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟ قال : فقرأت عليه ( الحمد لله رب العالمين ) حتى أتيت على آخرها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي هذه السورة وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت .


قال أبو عمر :

أبو سعيد مولى عامر بن كريز لا يوقف له على اسم وهو معدود في أهل المدينة ، روى عنه محمد بن عجلان ، وداود بن قيس ، وصفوان بن سليم ، والعلاء بن عبد الرحمن ، وأسامة بن زيد ، وروايته عن أبي هريرة ، وحديثه هذا مرسل .

وقد روي هذا الحديث ، عن أبي سعيد بن المعلى ، وأبو سعيد بن المعلى رجل من الصحابة لا يوقف له أيضا على اسم ، روى عنه حفص بن عاصم ، وسعيد بن جبير ، وقد ذكرناه في كتاب الصحابة ، والحمد لله .

[ ص: 218 ] ولم يختلف الرواة على مالك ، عن العلاء في إسناد هذا الحديث ، وخالفه فيه غيره جماعة ، عن العلاء ، فرواه ابن جريج ، وابن عجلان ، ومحمد بن إسحاق ، عن العلاء مرسلا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواه إسماعيل ، ومحمد ابنا جعفر بن أبي كثير ، وعبد العزيز بن أبي سلمة ، وروح بن القاسم ، وعبد السلام بن حفص ، عن العلاء ، عن أبي ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا .

ورواه عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الأشبه عندي ، والله أعلم .

حدثنا يونس بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا خالد بن مخلد قال : حدثنا عبد السلام بن حفص قال : حدثنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب : ألا أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ، ولا في الإنجيل ، ولا في الزبور ، ولا في الفرقان مثلها ؟ قال : نعم يا رسول الله ، فذكر الحديث .

وذكر محمد بن إسحاق السراج في تاريخه قال : حدثنا أحمد بن المقدام ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا روح بن القاسم ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب وهو يصلي فقال : السلام عليك أبي ، فالتفت إليه ولم يجبه ، ثم إن أبي بن كعب خفف الصلاة ، ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله ، قال : وعليك [ ص: 219 ] السلام ، ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك ؟ قال : يا رسول الله ، كنت أصلي ، قال : أفلست تجد فيما أوحي إلي أن ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) ، قال : بلى يا رسول الله ، ولا أعود أبدا ، قال : أي أبي ، أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ، ولا في الإنجيل ، ولا في الزبور ، ولا في الفرقان مثلها ؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : فإني لا أخرج من هذا الباب حتى تعلمها ، قال : ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي يحدثني ، وأنا أتبطأ مخافة أن يبلغ الباب ، فلما دنونا من الباب قلت : يا رسول الله ، السورة التي وعدتني ؟ قال : كيف تقرأ في الصلاة ؟ قال : فقرأت عليه أم القرآن ، قال : هي هذه السورة ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال : حدثنا عمر بن إبراهيم المقرئ قال : حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي قال : حدثنا يوسف بن موسى بن راشد القطان قال : حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أعلمك سورة ما أنزل الله في التوراة ، ولا في الزبور ، ولا في الإنجيل ، ولا في الفرقان مثلها ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : فقال : لعلك ألا تخرج من هذا الباب حتى تعلمها ، قال : وقام فأخذ بيدي يمشي فجعلت أتباطأ به مخافة أن يخرج قبل أن يخبرني ، فلما تقرب من الباب قلت : يا رسول الله ، السورة التي وعدتني ؟ قال : كيف تقرأ إذا قمت تصلي ؟ فقرأت بفاتحة الكتاب ، فقال : هي هي ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت .

[ ص: 220 ] قال أبو عمر :

في هذا الحديث جواز مناداة من في الصلاة ليجيب إذا فرغ من صلاته ، وفيه أن من دعي به وهو في الصلاة لا يجيب حتى يفرغ من صلاته ، وقد تقدم في هذا الكتاب من الأصول في الكلام في الصلاة وما يجوز فيها ما يضبط به مثل هذا وشبهه من الفروع . وفيه وضع اليد على اليد ، وهذا يستحسن من الكبير للصغير ; لأن فيه تأنيسا ، وتأكيدا للود . وفيه ما كان عليه أبي بن كعب من الحرص على العلم ، وحرصه حمله على قوله : يا رسول الله ، السورة التي وعدتني ؟ واستدل بعض أصحابنا بقوله : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟ قال : فقرأت عليه ( الحمد لله رب العالمين ) فقال : في ذلك دليل على سقوط الاستعاذة في أول السورة قبل القراءة ، قال : ودليل أيضا على سقوط قراءة بسم الله الرحمن الرحيم ، وفي ذلك اعتراض للمخالف لقوله في هذا الحديث : كيف تقرأ ؟ فأجابه بما يفتتح به القراءة ، لكن الظاهر ما قال به أصحابنا ; لأن الاستعاذة قراءة والتوجيه قراءة .

قال أبو عمر :

في هذا الحديث دليل على أن فاتحة الكتاب تقرأ في أول ركعة ، وحكم كل ركعة كحكم أول ركعة في القياس ، والنظر ، وظاهر قوله : فقرأت عليه ( الحمد لله رب العالمين ) والأغلب منه أنه افتتحها بذلك ، والله أعلم .

وقد تقدم في الباب قبل هذا من وجوه القول في ذلك ما فيه كفاية ، وهذا الحديث يخرج في التفسير المسند في تأويل قول الله عز وجل ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) أن السبع المثاني فاتحة الكتاب ، قيل لها ذلك لأنها تثنى في كل ركعة كذلك قال أهل العلم بالتأويل .

[ ص: 221 ] وقد روي عن ابن عباس في قوله : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) أنها فاتحة الكتاب . وروي عنه أنها السبع الطول : البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، والأنفال ، وبراءة ، وهو قول مجاهد ، وسعيد بن جبير ; لأنها تثنى فيها حدود القرآن والفرائض ، والقول الأول أثبت عنه ، وهو الصحيح في تأويل الآية ; لأنه قد ثبت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه صحاح أحسنها حديث شعبة ، عن حبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى ، وقد ذكرناه في الباب قبل هذا ، وعند شعبة في هذا حديث آخر رواه ، عن العلاء بن عبد الرحمن :

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن عبد السلام قال : حدثنا محمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار قالا : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة قال : سمعت العلاء بن عبد الرحمن يحدث ، عن أبيه ، عن أبي بن كعب قالا : السبع المثاني الحمد لله رب العالمين ، وهو قول قتادة .

وروى معمر ، عن قتادة : سبعا من المثاني ، قال : هي فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة مكتوبة وتطوع .

وأخبرنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما في التوراة ، ولا في الإنجيل مثل أم القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي مقسومة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل .

[ ص: 222 ] اختلف على العلاء في هذا الحديث كما ترى في الإسناد ، والمتن ، وأظنه كان في حفظه شيء ، والله أعلم .

وقد جوده ابن أبي شيبة ويوسف بن موسى ، عن أبي أسامة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية