التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
956 [ ص: 4 ] حديث أول لعطاء الخراساني

مالك ، عن عطاء بن عبد الله الخراساني ، أنه قال : حدثني شيخ بسوق البرم بالكوفة ، عن كعب بن عجرة ، أنه قال جاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أنفخ تحت قدر لأصحابي ، وقد امتلأ رأسي ولحيتي قملا ، فأخذ بجبهتي ، ثم قال : احلق هذا الشعر ، وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علم أنه ليس عندي ما أنسك به .


لم يختلف الرواة عن مالك في هذا الحديث ، ويقولون : إن الشيخ الذي روى عنه عطاء الخراساني هذا الحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وهذا بعيد ، لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى أشهر في التابعين من أن يقول فيه عطاء : حدثني شيخ ، وأظن القائل بأنه عبد الرحمن بن أبي ليلى لما عرف أنه كوفي ، وأنه ( الذي ) يروي الحديث عن كعب بن عجرة ، ظن أنه هو - والله أعلم .

وقد روى هذا الحديث عن ابن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة - جماعة ، منهم : الشعبي ، وأبو قلابة ، ومجاهد ، والحكم بن عتيبة ، وغيرهم ، وكلهم قال فيه : انسك بشاة ، أو صم ثلاثة أيام ، أو أطعم .

[ ص: 5 ] وقد ذكرنا كثيرا من ألفاظ المحدثين في هذا الحديث ، والحكم في ذلك عند العلماء في باب حميد بن قيس من كتابنا هذا ، وقال في هذا الحديث بعضهم عن داود ، عن الشعبي : أمعك دم ؟ قال : لا ، وقال بعضهم فيه عن الحكم بن عتيبة : فحلقت رأسي ونسكت ، وهذا متعارض ، وأصح ما فيه التخيير في النسك والإطعام والصيام .

وقد روى هذا الحديث عبد الله بن معقل ، عن كعب بن عجرة ، وقد يكون ذلك الشيخ الذي ذكره عطاء الخراساني ، فهو كوفي ، لا يبعد أن يلقاه عطاء ، وهو أشبه - عندي - والله أعلم .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ببغداد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد البغوي ، قال : حدثنا علي بن الجعد ، قال : أخبرنا شعبة ، قال : أخبرني عبد الرحمن بن الأصبهاني ، قال : سمعت عبد الله بن معقل ، قال : جلست إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - فسألته عن هذه الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فقال حملت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : ما كنت أرى الجهد بلغ بك هذا ، ما عندك شاة ؟ قال : قلت : لا ، فنزلت هذه الآية : ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ، فقال : صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع من طعام ، قال : فنزلت هذه الآية في - خاصة ، وهي لكم عامة .

[ ص: 6 ] أخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا محمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن عبد الله بن معقل ، قال : قعدت في هذا المسجد إلى كعب بن عجرة ، فسألته عن هذه الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ، فقال كعب : في نزلت ، وكان في أذى من رأسي ، فحملت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك ما أرى ، أتجد شاة ؟ قلت : لا ، قال : فنزلت هذه الآية : ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ، فالصوم ثلاثة أيام ، والصدقة على ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع من طعام ، والنسك شاة .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن عبد الله بن معقل ، قال : كنا في المسجد جلوسا : فجلس إلينا كعب بن عجرة ، فقال : في أنزلت هذه الآية : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ، قال : قلت : كيف كان شأنك ؟ قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمين ، فوقع القمل في رأسي ولحيتي وشاربي حتى تقع في حاجبي ، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما كنت أرى بلغ منك هذا ، ادع الحلاق ، فدعا الحلاق ، فحلق رأسي ، قال : هل تجد من نسيكة ؟ قال : لا ، قال : فصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، بين كل مسكينين صاع ، فنزلت في خاصة وللناس عامة .

[ ص: 7 ] قال أبو عمر :

أما الشيخ الذي روى عنه عطاء الخراساني بالكوفة هذا الحديث ، فيمكن أن يكون ابن أبي ليلى ، وممكن أن يكون عبد الله بن معقل الكوفي ، ولا يبعد أن يلقاه عطاء - وهو الأشبه عندي - والله أعلم .

وقد مضى القول في معنى هذا الحديث ممهدا مبسوطا في باب حميد بن قيس من هذا الكتاب ، والحمد لله ، وبه التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية