التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
661 حديث ثان لعطاء الخراساني

مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني ، عن سعيد بن المسيب ، أنه قال : جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضرب نحره ، وينتف شعره ، ويقول : هلك الأبعد ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : وما ذاك ؟ قال : أصبت أهلي وأنا صائم في رمضان ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : هل تستطيع أن تعتق رقبة ؟ فقال : لا ، فقال : هل تستطيع أن تهدي بدنة ؟ فقال : لا ، قال : فاجلس ، فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرق تمر ، فقال : خذ هذا فتصدق به ، فقال : ما أحد أحوج مني ، فقال : كله ، وصم يوما مكان ما أصبت .


[ ص: 8 ] هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة الرواة مرسلا ، وقد روي معناه متصلا من وجوه صحاح ، وقد ذكرناها في باب ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، إلا أن قوله في هذا الحديث : هل تستطيع أن تهدي بدنة ؟ غير محفوظ في الأحاديث المسندة الصحاح ، ولا مدخل للبدن أيضا في كفارة الواطئ في رمضان عند جمهور العلماء ، وذكر البدنة هو الذي أنكر على عطاء في هذا الحديث .

وأما ذكر الرقبة وذكر الصدقة بالعرق وسائر ما ذكرنا في هذا الحديث فمحفوظ من حديث أبي هريرة وحديث عائشة من راوية الثقات الأثبات ، والحمد لله .

وقد روى القاسم بن عاصم البصري - ويقال فيه التميمي ، ويقال الكلبي - وليس بشيء ، ويمكن أن يكون كليبا ، فكليب في تميم وكلب في قضاعة - وأين قضاعة من تميم ؟ فروى القاسم بن عاصم هذا عن سعيد بن المسيب ، أنه كذب عطاء الخراساني في حديثه هذا ، وعطاء الخراساني - عندي - فوق القاسم بن عاصم في الشهرة ، يحمل العلم والفضل ، وليس مثله عند أهل الفهم والنظر ممن يجرح به عطاء ويدفع ما رواه ، وقد اختلف على القاسم في حكايته تلك ، فروى سعيد بن منصور عن إسماعيل بن علية ، عن خالد الحذاء ، عن القاسم بن عاصم ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : ما حديث حدثناه عنك عطاء الخراساني ؟ قال : ما هو ؟ قلت : في الذي وقع على امرأته في رمضان ، فذكر الحديث هكذا ، قال فيه حدثنا عنك عطاء الخراساني .

[ ص: 9 ] وروى أبو صالح ، عن الليث بن سعد ، عن عمرو بن الحارث ، عن أيوب السختياني ، عن القاسم ، أنه قال لسعيد بن المسيب : إن عطاء بن أبي رباح حدثني ، أن عطاء الخراساني حدث عنك في الرجل الذي أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أفطر في رمضان ، أنه أمره بعتق رقبة ، فقال : لا أجدها ، فقال : فاهد جزورا ، قال : لا أجدها ، قال : فتصدق بعشرين صاعا من تمر ، قال سعيد : كذب الخراساني ، إنما قلت : تصدق ، تصدق ، ففي هذه الرواية أن القاسم هذا قال لسعيد : إن عطاء بن أبي رباح حدثني أن عطاء الخراساني حدثه عنك ، وفي الرواية الأولى أن القاسم هذا قال لسعيد : ما حديث حدثناه عنك عطاء الخراساني ؟ وهذا اضطراب وباطل .

وروى حماد بن زيد هذا الخبر عن أيوب ، قال : حدثني القاسم بن عاصم ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : إن عطاء الخراساني حدثني عنك ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الذي واقع امرأته في رمضان بكفارة الظهار ، فقال : كذب ، ما حدثته ، إنما بلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : تصدق تصدق فهذه مثل رواية خالد الحذاء .

وأما قول حماد بن زيد في حديثه ( هذا ) إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الذي واقع امرأته في رمضان بكفارة الظهار ، فإن الرواية الثابتة ، عن أبي هريرة من رواية ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الذي وقع على امرأته في رمضان بالكفارة على ترتيب كفارة الظهار .

هكذا رواه ابن عيينة ، ومعمر ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، ومنصور بن المعتمر ، وغيرهم ، عن ابن شهاب ، بإسناده على ترتيب كفارة الظهار .

[ ص: 10 ] ورواه مالك ، وأبو أويس ، وابن جريج ، عن ابن شهاب بإسناده المذكور على التخيير ، وقد ذكرنا ذلك كله في باب ابن شهاب من هذا الكتاب ، فلا معنى لتكرير ذلك هاهنا .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، ويعيش بن سعيد ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن أبي العوام ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا الحجاج بن أرطاة ، عن إبراهيم بن عامر ، عن سعيد بن المسيب ، وعن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، قال : بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل ينتف شعره ، ويدعو ويله ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : مالك ؟ قال : قد وقع على امرأته في رمضان ، قال : اعتق رقبة ، قال : لا أجدها ، قال صم شهرين متتابعين ، قال : لا أستطيع ، قال : أطعم ستين مسكينا ، قال : لا أجد ، قال : فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرق فيه خمسة عشر صاعا من تمر ، فقال : خذ هذا فأطعمه عنك ستين مسكينا ، قال : يا رسول الله ، ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا ، قال : كله أنت وعيالك ، وهكذا رواه الجمهور من أصحاب الزهري على هذا الترتيب .

وقال فيه معمر : قال الزهري : وإنما كان هذا رخصة له خاصة ، فلو أن رجلا فعل ذلك اليوم ، لم يكن له بد من التكفير ، وقد ذكرنا ما للفقهاء في تأويل أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه بأكل ذلك العرق من التمر هو وعياله ، وفي وجوب الكفارة عليه إذا أيسر - في باب ابن شهاب - بما يغني عن ذكره هاهنا .

وأما ذكر البدنة في هذا الحديث ، فهو موجود من حديث مجاهد وعطاء ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفيها اضطراب ، ولا أعلم أحدا كان يفتي بذلك من أهل العلم إلا الحسن البصري ، فإنه قال : إذا لم يجد المجامع في رمضان - يعني عامدا غير معذور - رقبة ، أهدى بدنة إلى مكة ، وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن يزيد المعلم ، [ ص: 11 ] قال : حدثنا موسى بن معاوية الصمادحي ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة ، قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إني وقعت على أهلي في رمضان ، قال : بئسما صنعت ، أعتق رقبة ، قال : لا أجدها ، قال : انحر بدنة ، قال : لا أجدها ، قال : اذهب فتصدق بعشرين صاعا ، أو أحد وعشرين صاعا من تمر ، قال : لا أجد ، قال : فجئني أتصدق عنك ، قال : ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه مني ، قال : اذهب فكله أنت وأهلك .

ففي هذا الحديث أنه قال : انحر بدنة ، إذ قال : لا أجد رقبة ، وهكذا رواية عطاء .

وذكر البخاري في التاريخ ، قال : حدثنا ابن شريك ، قال : حدثني أبي ، عن ليث ، عن عطاء ، ومجاهد ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أعتق رقبة ، ثم قال : انحر بدنة

قال البخاري : ولا يتابع عليه ، قال البخاري : وقال عارم عن أبي عوانة ، عن إسماعيل بن سالم ، عن مجاهد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن محمد البرتي ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، قال : حدثنا هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن مجاهد ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الذي افطر يوما في رمضان بكفارة الظهار .

[ ص: 12 ] وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا البرتي ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، قال : حدثنا هشيم ، أخبرنا ليث ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا عثمان بن أحمد الخلال ، قال : حدثنا عبيد بن عبد الواحد البزار ، قال : حدثنا أبو الجماهر محمد بن عثمان ، قال : سمعت سعيد بن بشير يقول عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، أن الرجل الذي وقع على أهله في رمضان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلمان بن صخر ، أحد بني بياضة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - تصدق .

قال أبو عمر :

أظن هذا وهما ، لأن المحفوظ أنه ظاهر من امرأته ثم وقع عليها ، لا أنه كان ذلك منه في رمضان ، والله أعلم

.

التالي السابق


الخدمات العلمية