التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1724 حديث سادس لأبي حازم

مالك ، عن أبي حازم بن دينار ، عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بشراب فشرب منه ، وعن يمينه غلام ، وعن يساره الأشياخ ، فقال للغلام : أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ، فقال : لا والله [ ص: 121 ] يا رسول الله ، لا أوثر بنصيبي منك أحدا ، قال : فتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يده .


روى ابن أبي حازم هذا الحديث ، عن أبيه ، فقال فيه : وعن يساره أبو بكر ، ثم ساق معنى حديث مالك سواء ، وذكر أبي بكر في هذا الحديث عندهم خطأ ، وإنما هو محفوظ في حديث ابن شهاب ، وقد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب ابن شهاب ، عن أنس .

أخبرنا يحيى بن يوسف ، قال : حدثنا يوسف بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا علي بن زيد ، عن عمر بن أبي حرملة ، عن ابن عباس ، قال : دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ميمونة ، فجاءتنا بإناء من لبن ، فشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا عن يمينه وخالد عن شماله ، فقال لي : الشربة لك ، وإن شئت آثرت بها خالدا ، فقلت : ما كنت لأوثر بسؤرك أحدا ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أطعمه الله طعاما ، فليقل اللهم بارك لنا فيه ، وأطعمنا خيرا منه ، ومن سقاه الله لبنا ، فليقل اللهم بارك لنا فيه ، وزدنا منه ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن ، ولا يجوز عندي لأحد شرب ماء أو لبنا [ ص: 122 ] أو غير ذلك من الأشربة الحلال - وحوله من يريد أن يشرب من ذلك معه ممن به الحاجة إليه ، أو ليس به حاجة إليه إذا وسعهم ذلك الشراب - أن يناول من على يساره البتة بحال ، فاضلا كان أو مفضولا ، حتى يشاور من على يمينه ، فإنه حق له بالسنة الثابتة في هذا الحديث ، فإن أذن له فعل ، وإلا فهو أحق بالشراب من الذي على يساره .

وهذا نص صحيح ثابت ، لا يلتفت إلى ما خالفه من آراء الرجال ، وبالله التوفيق ، وهو المستعان .

والشراب المذكور في هذا الحديث كان لبنا .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا حفص بن حمزة ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، قال : أخبرني أبو حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدح من لبن ، وغلام عن يمينه ، والأشياخ أمامه وعن يساره ، فشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال للغلام : يا غلام أتأذن لي أن أسقي الأشياخ ، قال : ما أحب أن أوثر بفضل شربتك على نفسي أحدا من الناس ، فناوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترك الأشياخ .

والغلام المذكور في هذا الحديث هو ابن عباس ، والأشياخ خالد بن الوليد ، أو منهم خالد بن الوليد .

حدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا أحمد بن صالح المقرئ ، حدثنا أحمد بن جعفر المنادي ، حدثنا العباس بن محمد الدوري ، حدثنا محمد بن الصباح البزار ، حدثنا إسماعيل بن زكرياء الخلقاني أبو زياد ، عن سفيان ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بقعب من لبن فشرب منه ، وابن عباس عن يمينه ، وخالد بن الوليد عن يساره ، فقال : يا ابن [ ص: 123 ] عباس إن الشربة لك ، فإن شئت أن تؤثر بها خالدا ، فقال : ما أنا بمؤثر بسؤرك علي أحدا .

وقد روى الحميدي هذا الحديث ، عن سفيان ، فخالف في إسناده الخلقاني ، والحميدي أثبت منه .

حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم ، حدثنا الترمذي ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا علي بن زيد بن جدعان ، عن عمر بن أبي حرملة ، عن ابن عباس ، قال : دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خالتي ميمونة ، ومعنا خالد بن الوليد ، فقالت له ميمونة : ألا نقدم إليك يا رسول الله شيئا أهدته لنا أم عفيف ؟ قال : بلى ، فأتته بضباب مشوية ، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفل ثلاث مرات ، ولم يأكل منها ، وأمرنا أن نأكل ، ثم أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإناء فيه لبن فشرب ، وأنا عن يمينه ، وخالد عن يساره ، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم : الشربة لك يا غلام ، وإن شئت آثرت بها خالدا ، فقلت : ما كنت لأوثر بسؤر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدا ، ثم قال : من أطعمه الله طعاما ، فليقل اللهم بارك لنا فيه ، وأبدلنا بما هو خير منه ، ومن سقاه الله لبنا ، فليقل اللهم بارك لنا فيه ، وزدنا منه ، فإني لا أعلم شيئا يجزئ من الطعام والشراب غيره .

ورواه شعبة ، عن عمر بن أبي حرملة ، عن ابن عباس مثله .

وقال أبو داود الطيالسي : كذا قال شعبة وغيره ، يقول عمر بن أبي حرملة .

وفي هذا الحديث من الفقه أن من وجب له شيء من الأشياء ، لم يدفع عنه ، ولم يتسور عليه فيه إلا بإذنه صغيرا كان أو كبيرا ، إذا كان ممن يجوز له [ ص: 124 ] إذنه ، وليس هذا موضع كبر ; لأن السن إنما يراعى ، عند استواء المعاني والحقوق ، وكل ذي حق أولى بحقه أبدا ، والمناولة على اليمين من الحقوق الواجبة في آداب المجالسة .

وفي هذا الحديث دليل على أن الجلساء شركاء في الهدية ، وذلك على جهة الأدب والمروءة والفضل والأخوة ، لا على الوجوب ; لإجماعهم على أن المطالبة بذلك غير واجبة لأحد ، وبالله التوفيق .

وقد روي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلساؤكم شركاؤكم في الهدية بإسناد فيه لين .

التالي السابق


الخدمات العلمية