التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1779 حديث سابع لأبي حازم مالك ، عن أبي حازم بن دينار ، عن أبي إدريس الخولاني ، أنه قال : دخلت مسجد دمشق ، فإذا فتى شاب براق الثنايا ، وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه ، وصدروا عن قوله ، فسألت عنه ، فقيل : هذا معاذ بن جبل ، فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير ، ووجدته يصلي ، قال : فانتظرته حتى قضى صلاته ، ثم جئت من قبل وجهه ، فسلمت عليه ، ثم قلت له : والله إني لأحبك في الله ، فقال : آلله ، قال : آلله ، فقلت : آلله ، فقال : الله ، فقلت : آلله ، قال : فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه ، وقال : أبشر فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال الله تبارك وتعالى : [ ص: 125 ] وجبت محبتي للمتحابين في ، وللمتجالسين في ، والمتباذلين في ، والمتزاورين في .


قد مضى القول والآثار في المتحابين في الله في باب أبي طوالة والحمد لله .

وفي هذا الحديث لقاء أبي إدريس الخولاني لمعاذ بن جبل ، وسماعه منه ، وهو إسناد صحيح ، ولكن لقاء أبي إدريس هذا لمعاذ بن جبل مختلف فيه ، فطائفة تنفيه ، وطائفة لا تنكره ، من أجل هذا الحديث وغيره ، ومن نفاه احتج بما رواه معمر ، وابن عيينة ، عن الزهري ، قال : سمعت أبا إدريس الخولاني ، يقول : أدركت عبادة بن الصامت وفلانا وفلانا ، وفاتني معاذ بن جبل فحدثني أصحاب معاذ عن معاذ ، وذكر الحديث .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي إدريس الخولاني ، قال : أدركت عبادة بن الصامت ، ووعيت عنه ، وأدركت أبا الدرداء ، ووعيت عنه ، وأدركت شداد بن أوس ، ووعيت عنه ، وفاتني معاذ بن جبل .

ولهذا الخبر عن الزهري زعم قوم أن هذا الحديث خطأ ، فقال قوم : وهم فيه مالك ، وأسقط من إسناده أبا مسلم الخولاني ، وزعموا أن أبا إدريس رواه ، عن أبي مسلم ، عن معاذ .

وقال آخرون : وهم فيه أبو حازم ، وغلط في قوله : عن أبي إدريس الخولاني أنه لقي معاذ بن جبل .

[ ص: 126 ] قال أبو عمر :

هذا كله تخرص وتظنن لا يغني من الحق شيئا ، وقد رواه غير مالك جماعة عن أبي حازم ، كما رواه مالك سواء .

وروي أيضا ، عن أبي إدريس من وجوه طريق أبي حازم ، أنه لقي معاذ بن جبل ، وسمع منه ، فلا شيء في هذا على مالك ، ولا على أبي حازم عند أهل العلم بالحديث والاتساع في علمه ، وإذا صح عن أبي إدريس أنه لقي معاذ بن جبل ، فيحتمل ما حكاه ابن شهاب عنه من قوله : فاتني معاذ ، يريد فوت لزوم وطول مجالسة ، أو فاتني في حديث كذا ، أو معنى كذا ، والله أعلم . وعلى هذا يتسق تخريج الأخبار عنه في هذا الباب ، والله أعلم .

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى ، وأحمد بن فتح ، قالا : حدثنا حمزة بن محمد ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جابر القطان ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال أخبرنا مالك ، قال : حدثنا أبو حازم ، عن أبي إدريس الخولاني ، فذكر هذا الحديث حرفا بحرف ، كما ذكرناه من الموطأ ، إلا أنه لم يقل : شاب ، وإنما قال : فتى براق الثنايا ، ثم ساق الحديث إلى آخره ، وقال : فأخذ بحبوتي ، ولم يقل : بحبوة ردائي .

قال ابن أبى مريم : وأخبرني ابن أبي حازم ، عن أبيه ، عن أبي إدريس بنحوه ، فهذا ابن أبي حازم قد رواه عن أبي حازم ، كما رواه مالك ، وحسبك برؤية مالك مع حفظه وإتقانه وثقته .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا عمرو بن مرزوق ، قال : أخبرنا شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن الوليد بن عبد الرحمن ، عن أبي إدريس ، قال : كنت في حلقة فيها عشرون [ ص: 127 ] من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم رجل أدعج العينين ، أغر الثنايا ، حدث السن ، فإذا اختلفوا في شيء ، فقال : قولا انتهوا إلى قوله ، فإذا به معاذ بن جبل .

ففي هذا الحديث لقاء أبي إدريس لمعاذ بن جبل ، وسماعه منه رواية أبي حازم ، وهذا أيضا إسناد صحيح ثابت .

ووجدت في أصل سماع أبي - رحمه الله - بخطه أن محمد بن أحمد بن قاسم بن هلال ، حدثهم ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي ، قال : حدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، قال : حدثني عائذ الله بن عبد الله ، أنه سمع معاذ بن جبل يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الذين يتحابون لجلال الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله . وعائذ الله هذا هو أبو إدريس الخولاني ، لا خلاف بين أحد من العلماء بهذا الشأن في ذلك .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا هارون بن معروف ، قال : أخبرنا ضمرة ، عن ابن عطاء ، عن أبيه ، عن أبي إدريس الخولاني ، قال : دخلت مسجد حمص ، فإذا فيه ثلاثون رجلا ، أو نحو ذلك في حلقة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا فيهم رجل وضيء الوجه أكحل العينين براق الثنايا ، وإذا هم يسندون حديثهم إليه ، فإذا هو معاذ بن جبل . فهذا عطاء الخراساني ، وشهر بن حوشب ، والوليد بن عبد الرحمن الحرشي يقولون عن أبي إدريس الخولاني ما قال أبو حازم عنه من لقائه معاذ بن جبل ، وسماعه منه ، وغير نكير لقاء أبي إدريس لمعاذ ; لأن أبا إدريس الخولاني ولد عام حنين ، وولي قضاء دمشق والشام بعد فضالة بن عبيد ، لم يكن بينهما واسطة ، وفضالة من الصحابة ولي [ ص: 128 ] القضاء بعد أبي الدرداء ، واسم أبي إدريس الخولاني عائذ الله بن عبد الله ، لا يختلفون في ذلك ، وقد ذكرناه في هذا الكتاب في باب ابن شهاب لروايته عنه حديث الاستجمار بالأحجار ، وحديث النهي عن أكل ذي الناب من السباع .

ذكر أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي ، قال : حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ، قال : إسماعيل بن عياش ، عن الوليد بن أبي السائب ، عن مكحول ، أنه كان إذا ذكر أبا إدريس الخولاني ، قال : ما رأيت مثله ، وكان مولده يوم حنين ، وسئل الوليد بن مسلم هل لقي أبو إدريس الخولاني معاذ بن جبل ؟ فقال : نظن أن أبا إدريس الخولاني لقي معاذا ، وأبا عبيدة بن الجراح ، وهو ابن عشر سنين ، ثم قال : قال سعيد بن عبد العزيز : ولد أبو إدريس الخولاني أيام غزوة حنين ، قال الوليد : ولقي أبو إدريس أبا ثعلبة ، وأبا الدرداء ، وشداد بن أوس ، وعبادة بن الصامت ، وغيرهم .

أخبرنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : سمعت يحيى بن معين ، يقول : بلغني أن أبا إدريس الخولاني ولد عام حنين ، وأما معاذ بن جبل ، فتوفي في طاعون عمواس بالشام سنة ثمان عشرة في خلافة عمر ، وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة ، لا يختلفون في ذلك ، وقد ذكرناه في كتابنا في الصحابة ، ونسبناه ، وذكرنا أشياء من أخباره هناك ، والحمد لله .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل العبدي ، حدثنا ابن المبارك ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب ، قال : كان معاذ بن جبل شابا حليما من أفضل شباب قومه .

[ ص: 129 ] وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : وحدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، قال : كان معاذ بن جبل رجلا سمحا شابا جميلا من أفضل شباب قومه .

وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير قال وأخبرنا المدائني ، قال : معاذ بن جبل أبو عبد الرحمن كان أجمل الرجال ، لم يولد له قط ، طوال ، حسن الشعر ، عظيم العينين ، أبيض ، جعد ، قطط . وقد روي هذا الحديث ، عن معاذ بن جبل من طرق شتى من غير رواية أبي إدريس بمعنى حديث أبي إدريس ومختصر المعنى أيضا .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، قال : أخبرني عبد الله بن أبي سليمان ، عن أبي بحرية ، قال : قدمت المسجد ، فإذا أنا بنفر جلوس في المسجد شيوخ ، فيهم شاب يحدثهم ، قد أنصتوا له ، فقلت : ألا تسألون من هؤلاء ؟ قالوا : هؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت : من الرجل الشاب الذي يحدثهم ؟ قالوا : هذا معاذ بن جبل ، قال : فرحت إلى الصلاة ، فإذا هو قد هجر فقضى صلاته ، ثم جلس فجلست إليه ، فقلت : والله إني لأحبك ، فأخذ بحبوتي ، ثم جبذني ، فقال : آلله ، مرتين ، أو ما شاء الله ، قال : قلت : نعم ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله عز وجل : وجبت محبتي أو رحمتي للذين يتحابون في ، ويتباذلون في ، ويتجالسون في ، ويتحاورون في . فهذا أبو بحرية [ ص: 130 ] السكوني قد روى عن معاذ نحو حديث أبي إدريس سواء في المعنى ، وليس في حديثه هذا ذكر مسجد دمشق ، ولا مسجد حمص .

وأخبرنا أحمد بن قاسم ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : أخبرني مالك ، عن أبي حازم بن دينار ، عن أبي إدريس الخولاني ، قال : دخلت مسجد دمشق ، فإذا أنا بفتى براق الثنايا ، وإذا الناس حوله فذكر الحديث ، كما في الموطأ سواء ، إلا أنه قال : في آخرهسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال الله تبارك وتعالى وجبت محبتي للمتحابين في ، والمتجالسين في ، والمتجاورين في ، والمتباذلين في .

وقد روى أبو مسلم الخولاني ، عن معاذ بن جبل مثل ما روى عنه في هذا الحديث أبو إدريس وأبو بحرية إلا أن حديثه مختصر المعنى ، عن معاذ ، وقال في مسجد حمص ، وألفاظ هذا الحديث رواها أبو مسلم ، عن عبادة ، وجائز أن يكون عبادة ومعاذ وغيرهما أيضا سمعا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا ممكن غير ممتنع على أن أبا مسلم الخولاني ، وإن كان فاضلا ، فإنهم يضعفون نقله ، وليس ممن يقاس بأبي إدريس الخولاني في فهمه وعلمه .

حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، وأخبرنا أحمد بن محمد ، قال : أخبرنا وهب بن مسرة ، قالا : أخبرنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا وكيع ، عن جعفر بن برقان ، عن حبيب بن أبي مرزوق ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي مسلم الخولاني ، قال : أتيت مسجد أهل حمص [ ص: 131 ] فإذا فيه حلقة فيها كهول من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا شاب منهم أكحل العينين براق الثنايا ، كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى - فتى شاب - قال : فقلت لجليس لي من هذا ؟ قال : هذا معاذ بن جبل ، قال : فجئت من العشي ، فلم يحضر ، قال : فغدوت من الغد ، فلم يجئ ، فرحت ، فإذا أنا بالشاب يصلي إلى سارية ، قال : فركعت ، ثم تحولت إليه ، فدنوت منه ، فقلت : إني لأحبك في الله ، قال : فمدني إليه ، قال : كيف قلت ؟ قال : قلت : إني لأحبك في الله ، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول المتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله .

قال : وحدثنا وكيع ، عن جعفر بن برقان ، عن حبيب بن أبي مرزوق ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي مسلم الخولاني ، قال : خرجت فلقيت عبادة بن الصامت ، فذكرت له حديث معاذ ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي ، عن ربه عز وجل قال : حقت محبتي على المتحابين في وحقت محبتي على المتزاورين في ، وحقت محبتي على المتباذلين في ، والمتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله ، فهذا أبو مسلم الخولاني يروي عن معاذ وعبادة جميعا هذا الحديث إن كان واحدا ، والحديثين جميعا عن عبادة ، كما ترى .

، وأبو مسلم الخولاني اسمه عبد الله بن ثوب ، لا يختلف في ذلك أهل العلم بالنقل والسير ، وكان فاضلا عابدا جليلا من كبار التابعين وخيارهم وجلتهم ، له كرامات كثيرة ، وأخبار عجيبة مشهورة ذكرها ابن أبي خيثمة وسعيد بن أسد وغيرهما ، وكان أبو مسلم الخولاني مسلما على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقدم المدينة حين استخلف أبو بكر الصديق ، [ ص: 132 ] وقد أجرينا ذكره في كتاب الصحابة على شرطنا وقد روى عنه أبو إدريس الخولاني حديثا نذكره في آخر هذا الباب ، إن شاء الله .

قال أحمد بن زهير سمعت أحمد بن حنبل يقول : أبو مسلم الخولاني اسمه عبد الله بن ثوب ، سمعته من أبي المغيرة ، قال أحمد بن زهير ، وسألت يحيى بن معين ، عن أبي مسلم الخولاني ، فقال : اسمه عبد الله بن ثوب ، شامي ، ثقة .

قال أبو عمر :

قد روي عن أبي إدريس الخولاني في هذا الحديث مثل رواية أبي مسلم الخولاني سواء عن معاذ ، وعن عبادة ، فأما حديثه عن معاذ ، فنحو حديث أبي مسلم عنه ، فقد ذكرناه من رواية أسد ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي إدريس عائذ الله بن عبد الله ، عن معاذ .

وأما حديث أبي إدريس ، عن عبادة ، فمثل حديث أبي مسلم أيضا ، فذكره ابن أبي شيبة ، قال : حدثنا غندر ، عن شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن الوليد بن عبد الرحمن ، عن أبي إدريس ، قال : حدثت عبادة بن الصامت ، فقال : لا أحدث إلا بما سمعت على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقت محبتي للمتحابين في ، وحقت محبتي للمتزاورين في ، أو المتواصلين ، شك شعبة في المتواصلين والمتزاورين ، وقد يمكن أن يكون أبو إدريس وأبو مسلم الخولانيان عرض لكل واحد منهما ما روي في هذا الباب عنهما مع معاذ وعبادة ، والله أعلم بالصحيح في ذلك ، ولا يقطع على خبر الآحاد .

[ ص: 133 ] وأما إسناد مالك ، عن أبي حازم فصحيح ، وليس في شيء من الأسانيد عن أبي إدريس ولا عن أبي مسلم مثله ، ولا ما يلحق به ، وحديث أبي مسلم الخولاني إنما يدور على حبيب بن أبي مرزوق ، وليس ممن يعارض بمثله حديث لمالك عن أبى حازم ، وكذلك حديث يعلى بن عطاء عن الوليد أيضا ليس بحجة على حديث مالك عن أبي حازم .

وقد روى أبو إدريس الخولاني ، عن أبي مسلم الخولاني ، عن عوف بن مالك الأشجعي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث : تبايعوني ، بتمامه وهو يدخل في رواية النظير ، عن النظير .

حدثناه أحمد بن فتح ، قال : حدثنا أبو علي الحسن بن عبد الله بن الخضر ، حدثنا محمد بن صالح الدمشقي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي مسلم الخولاني ، قال : حدثني الحبيب الأمين ، أما هو إلي فحبيب ، وأما هو عندي فأمين ، عوف بن مالك الأشجعي ، قال : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - تسعة أو ثمانية ، فقال : ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فبسطنا أيدينا فبايعناه ، ثم قال قائل : يا رسول الله علام نبايعك ، قال : على أن تعبدوا الله ، ولا تشركوا به شيئا ، وتصلوا الصلوات الخمس ، وتسمعوا وتطيعوا ، وأشد كلمة ، ولا تسألوا الناس شيئا ، فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم ، فلا يسأل أحدا يناوله إياه . وهذا حديث مشهور ، ليس من هذا الباب ، ولكني ذكرته لرواية أبي إدريس له - مع جلالته - عن أبي مسلم ، فإن من الناس من جعل أبا مسلم الخولاني مجهولا ، وهذا جهل بهذا الشأن ، وحسبك برواية أبي إدريس ، وهو من أجل تابعي الشاميين عنه .

وأما حديثه في هذا الباب فمعروف ، عن معاذ ، وعن عبادة أيضا وهو عن معاذ أشهر ، وكلاهما محفوظ .

وحدثناه عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد بن مسرهد ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن [ ص: 134 ] الجريري ، عن رجل ، قال : قلت لمعاذ بن جبل : إني أحبك في الله أو أحبك لله ، فقال لي : أنظر ما تقول - قالها ثلاث مرات - ثم قال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الله يحب الذين يتحابون في الله ، ويحب الذين يتقاعدون فيه ، ويحب الذين يتباذلون فيه ، ويحب الذين يتزاورون فيه ، ويحب الذين يتجاورون فيه

قال أبو عمر :

قوله : براق الثنايا ، أي أبيض الثنايا ، وقد مضى في باب أبي طوالة في المتحابين في الله ما فيه كفاية ، والحمد لله .

ولقد أحسن أبو العتاهية - رحمه الله - في قوله :


من لم يكن في الله يمنحك الهوى مزج الهوى بملالة وثقال



التالي السابق


الخدمات العلمية