التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1370 حديث ثامن لأبي حازم

مالك ، عن أبي حازم بن دينار ، عن سعيد بن المسيب ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر .


هكذا هذا الحديث في الموطأ ، بهذا الإسناد مرسل ، لم تختلف الرواة عن مالك فيه ، فيما علمت ، وقد روى فيه أبو حذافة ، عن مالك إسنادا منكرا عن نافع ، عن ابن عمر .

حدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا الحسن بن علي المطرز ، حدثنا أحمد بن الحسن بن هارون الصباحي ، حدثنا أبو حذافة ، حدثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى ، عن بيع الغرر .

[ ص: 135 ] قال أبو عمر :

هذا منكر الإسناد لا يصح ، والصحيح فيه عن مالك : ما في الموطأ ، عن أبي حازم ، عن سعيد مرسلا ، وهو حديث يتصل ويستند من حديث أبي هريرة بنقل الثقات الأثبات .

حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا الحسن بن رشيق ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا محمد بن يزيد الثغري ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا شعبة ، عن سيار ، عن الشعبي ، عن أبي هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر .

وحدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا الحسن بن رشيق ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن يونس ، قال : حدثنا ابن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل بن سعد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

قال أبو عمر :

هذا خطأ ، ولم يرو هذا الحديث أبو حازم عن سهل : وإنما رواه عن سعيد بن المسيب ، كما قال مالك ، وليس ابن أبي حازم في الحديث ممن يحتج به ، فيما خالفه غيره ، وهو عندهم لين الحديث ، ليس بحافظ ، وهذا الحديث محفوظ من حديث أبي هريرة ، ومعلوم أن سعيد بن المسيب من كبار رواة أبي هريرة .

حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ويحيى بن أسامة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر وعن بيع الحصاة .

[ ص: 136 ] وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا إبراهيم بن حمزة ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن أبي الزناد ، عن نافع ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر وعن بيع الحصاة ، وقال : أيما رجل اشترى محفلة ، فله أن يمسكها ثلاثا ، فإن رضيها أمسكها ، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر .

قال أبو عمر :

بيع الغرر يجمع وجوها كثيرة منها : المجهول كله في الثمن والمثمن إذا لم يوقف على حقيقة جملته فبيعه على هذا الحال من بيع الغرر ، وإن وقف على أكثر ذلك ، ويحاصر حتى لا يشكل المراد فيه ، فما جهل منه من التافه اليسير الحقير والنزر في جنب الصفقة إذا كان مما لا يمكن الوصول إلى معرفة حقيقته ، فلا يضر ذلك ، وهو متجاوز عنه غير مراعى عند جماعة العلماء .

ومن بيوع الغرر : بيع الآبق ، والجمل الشارد ، والإبل الصعاب في المرعى ، وكذلك الرمك والبقر الصغار إذا كان الأغلب من أمرها جهل أسنانها ، وعدم تقليبها ، والحيتان في الآجام ، والطائر غير الداجن إذا لم يكن مملوكا مقبوضا عليه ، والقمار كله من بيع الغرر ، وبيع الحصاة من القمار ، ومعنى بيع الحصاة عندهم : أن تكون جملة ثياب منشورة أو مطوية ، فيقول القائل : أي هذه الثياب وقعت عليها حصاتي هذه فقد وجب فيها البيع بيني وبينك بكذا ، دون تأمل ولا رؤية ، فهذا أيضا غرر ، واسم بيع الغرر اسم جامع لهذه المعاني كلها وما أشبهها ، إلا أن العلماء اختلفوا في الآبق يكون في يد مشتريه ، فقال مالك : لا يجوز [ ص: 137 ] بيع الآبق إلا أن يكون بحيث يقدر على تسليمه ويعرف البائع والمشتري حاله في وقت البيع .

وقال الحسن بن حي ، والشافعي ، وعبيد الله بن الحسن : لا يجوز بيع العبد الآبق .

وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا يجوز بيع العبد الآبق إلا أن يكون في يد مشتريه .

وقال عثمان البتي : لا بأس ببيع الآبق والبعير الشارد ، وإن هلك فهو من مال المشتري ، وإن اختلفا في هلاكه فعلى المشتري البينة أنه هلك قبل أن يشتريه ، وإلا أعطاه قيمته ، وكذلك المبتاع إذا تقدم شراؤه .

قال أبو عمر :

قول عثمان البتي هذا هو مردود بالسنة المذكورة في هذا الحديث ، وقول أبي حنيفة في جواز بيعه : إذا علمه المشتري دون البائع ، ليس بشيء ، والصحيح ما قاله مالك فيما ذكرنا عنه ، وهو مذهب الشافعي وغيره أيضا ، إذا كان على ما وصفنا .

والبيع الفاسد من بيوع الغرر وغيرها إذا وقع فسخ ، إن أدرك قبل القبض وبعده ، فإن فات بعد القبض رد إلى قيمته بالغا ما بلغ يوم قبضه إلى يوم وقعت صفقته ، فإن أصيب عند البائع قبل القبض ، فمصيبته بكل حال منه ، ومن هذا الباب بيع اللبن في الضرع ، وبيع المغيب تحت الأرض من البقول إذا لم تر ، ومن ذلك بيع الدين على المفلس وعلى الميت ، وبيع المضامين ، والملاقح ، وحبل حبلة ، وقد مضى تفسير ذلك في باب نافع [ ص: 138 ] ومن ذلك بيع الجنين في بطن أمه ، وكل ما لا يدري المبتاع حقيقة ما يحصل عليه ولا ما يصير إليه ، وفروع هذا الباب كثيرة جدا ، وللعلماء فيها مذاهب ، لو تقصيناها لخرجنا عن تأليفنا ومقصدنا ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية