التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1778 حديث أول لسهيل بن أبي صالح

مالك ، عن سهيل بن أبي صالح السمان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إذا أحب الله العبد قال لجبريل : يا جبريل ، قد أحببت فلانا ، فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله قد أحب فلانا ، فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإذا أبغض الله العبد . قال مالك : لا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك .


لم يختلف الرواة فيما علمت ، عن مالك في هذا الحديث ، وقد رواه ، عن سهيل جماعة ، فبعضهم لم يشكوا ، وقطعوا في البغض بمثل ذلك ، وممن رواه كذلك عن سهيل بإسناده هذا ، وذكر البغض من غير شك ، معمر ، وعبد العزيز [ ص: 238 ] بن المختار ، وحماد بن سلمة ، قالوا في آخره : وإذا أبغض بمثل ذلك ، ولم يشكوا .

ورواه ابن أبي سلمة عن سهيل ، فلم يذكر البغض أصلا :

حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أحب الله عبدا ، قال : يا جبريل ، إني أحب فلانا فأحبوه ، فينادي جبريل في السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فإذا أحبه أهل السماء أحبه أهل الأرض .

وقد روى نافع مولى ابن عمر ، عن أبي هريرة الحديث بمثل ذلك لم يذكر البغض :

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرنا موسى بن عقبة ، عن نافع ، أن أبا هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أحب الله العبد ، نادى جبريل عليه السلام : إن الله قد أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي جبريل في أهل السماء : إن الله قد أحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض .

وذكر سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج بإسناده مثله إلى آخره سواء .

في هذا الحديث من العلم والفقه : أن الله عز وجل في السماء ليس في الأرض ، وأن جبريل أقرب الملائكة إليه ، وأحظاهم عنده صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 239 ] وفيه أن الود والمحبة بين الناس الله يبتدئها ويبسطها ، والقرآن يشهد بذلك ، قال الله عز وجل ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) قال المفسرون : يحبهم ويحببهم إلى الناس .

ذكر سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله ( سيجعل لهم الرحمن ودا ) قال يحبهم ويحببهم إلى الناس ، قال : وحدثنا علي بن هاشم ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال يحبهم ويحببهم .

وقال عز وجل فيما يعدد من نعمته على موسى نبيه ورسوله وكليمه عليه السلام ( وألقيت عليك محبة مني ) .

ذكر ابن أبي شيبة ، عن حسين بن علي ، عن موسى بن قيس ، عن سلمة بن كهيل ( وألقيت عليك محبة مني ) قال حببتك إلى عبادي .

وذكر سنيد : حدثنا حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس قال : إذا أحب الله عبدا ألقى له مودة في قلوب أهل السماء ، ثم ألقى له مودة في قلوب أهل الأرض .

قال : وحدثنا حماد بن زيد ، عن هشام ، عن حفصة بنت سيرين ، عن ربيع بن زياد ، عن كعب ، قال : والله ما استقر لعبد ثناء في أهل الدنيا حتى يستقر له في السماء .

قال : وحدثني شيخ ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن عبد الله بن رباح ، عن كعب قال : قرأت في التوراة : أنه لم تكن محبة لأحد من أهل الأرض إلا كان بدؤها من الله ينزلها على أهل السماء ، ثم ينزلها على أهل [ ص: 240 ] الأرض ، ثم قرأت القرآن فوجدت فيه ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) .

حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا محمد بن جرير ، قال : حدثنا ابن المغني ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن ابن أبي ليلى ، قال : كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد - وهو أمير على مصر - : أما بعد فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله ، فإذا أحبه الله حببه إلى خلقه ، وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله ، وإذا أبغضه الله بغضه إلى خلقه .

قال أبو عمر :

هذا كلام خرج على العموم ، ومعناه الخصوص ، أي حبب أهل الطاعة إلى أهل الإيمان ، وبغض إليهم أهل النفاق والعصيان ، ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - القلوب أجناد مجندة ، ما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف .

وقال سعيد بن أبي عروبة وشيبان ، عن قتادة ، قال : قال هرم بن حيان : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله ، إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان عليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم .

وقال عبد الله بن مسعود : لا تسألن أحدا عن وده إياك ، ولكن انظر ما في نفسك له ، فإن في نفسه مثل ذلك ; إن الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف .

حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا خالد بن مخلد ، حدثنا موسى بن يعقوب ، قال : حدثنا سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأرواح جنود مجندة تطوف بالليل فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف .

التالي السابق


الخدمات العلمية