التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1729 حديث أول لسمي

مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : بينما رجل يمشي بطريق إذ اشتد عليه العطش ، فوجد بئرا ( فنزل فيها ) ، فشرب فخرج ، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني ، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي ، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له . فقالوا : يا رسول الله ، وإن لنا في البهائم لأجرا ؟ قال : في كل كبد رطبة أجر .


في هذا الحديث دليل على أن الإساءة إلى البهائم والحيوان لا يجوز ولا يحل ، وأن فاعلها يأثم فيها ; لأن النص إذا ورد بأن في الإحسان إليهن أجرا وحسنات ، قام الدليل بأن في الإساءة إليهن وزرا وذنوبا ، والله يعصم من يشاء ، وهذا ما لا شك فيه ولا مدفع له .

[ ص: 9 ] وقد روى مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : دخلت امرأة النار في هرة ربطتها ، فلا هي أطعمتها ، ولا هي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت ، فعذبت في ذلك فهذا يبين لك ما قلنا ، وهو أمر لا تنازع بين العلماء فيه .

وفي هذا الحديث دليل على وجوب نفقات البهائم المملوكة على مالكيها ، وهذا ما لا خلاف فيه أيضا ولا في القضاء به والحمد لله .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا مهدي بن ميمون ، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب ، عن الحسن بن سعد ، عن عبد الله بن جعفر قال : أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم خلفه فأسر إلي حديثا لا أخبر به أحدا أبدا ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إليه ما استتر به في حاجته هدف ، أو حائش نخل ، فدخل يوما حائطا من حيطان الأنصار فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه ، فمسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سراته وذفراه فسكن ، فقال : من صاحب الجمل ؟ فجاء فتى من الأنصار فقال : هو لي يا رسول الله ، فقال : أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله ، إنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه .

[ ص: 10 ] وروي هذا الخبر من حديث يعلى بن صرة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعنى حديث عبد الله بن جعفر ، وفيه : فاستوص به خيرا ، قال : فقال صاحبه : لا جرم والله لا أكرم مالا كرامته أبدا .

وأما قوله : ذرفت عيناه فمعناه قطرت دموعهما قطرا ضعيفا ، والسراة الظهر ، والذفرى ما وراء الأذنين عن يمين النقرة وشمالها ، تثنى الذفران ، وتجمع الذفارى .

قال ذو الرمة :

والقرط في حرة الذفرى معلقه تباعد الحبل منه فهو يضطرب .

والحائش : حائط النخل والحديقة منه .

أخبرنا محمد ، حدثنا علي بن عمر ، حدثني محمد بن عبد الله النيسابوري صاحبنا ، حدثنا الحسن بن محمد بن إسحاق الإسفراييني ، حدثني خالي أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني ، حدثنا أبو سعيد أحمد بن بكر ، وبه حدثنا زيد بن الحباب ، عن مالك ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن سراقة بن مالك بن جعشم ، أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجعه فقال : يا رسول الله ، أرأيت الضالة ترد على حوض إبلي ، هل لي فيها من أجر إن سقيتها ؟ قال : نعم في الكبد الحرى أجر .

قال أبو الحسن : هذا غريب عن مالك ، وإنما يرويه أصحاب الزهري عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم ، عن أبيه ، عن أخيه سراقة بن جعشم . كذلك رواه موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وغيرهما عن الزهري .

التالي السابق


الخدمات العلمية