التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1835 [ ص: 33 ] حديث ثامن لسمي

مالك عن سمي مولى أبي بكر ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : السفر قطعة من العذاب ، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه ، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله .


هذا حديث انفرد به مالك عن سمي لا يصح لغيره عنه ، وانفرد به سمي أيضا ، فلا يحفظ عن غيره .

حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار البغدادي ، حدثنا الهيثم بن خارجة ، حدثنا مالك عن سمي عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : السفر قطعة من العذاب ، يمنع الرجل طعامه وشرابه ، فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل الرجوع إلى أهله .

وهكذا هو في الموطأ عند جماعة الرواة بهذا الإسناد ، ورواه ابن مهدي وبشر بن عمر ، عن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : السفر قطعة من العذاب الحديث مرسلا ، وكان وكيع يحدث به عن مالك هكذا أيضا مرسلا حينا ، وحينا يسنده كما في الموطأ عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، وهذا إنما هو من نشاط المحدث وكسله أحيانا ينشط فيسند ، وأحيانا يكسل فيرسل على حسب المذاكرة ، والحديث مسند صحيح ثابت احتاج الناس فيه إلى مالك ، وليس له غير هذا الإسناد من وجه الصحيح .

[ ص: 34 ] روى عبيد الله بن المنتاب عن سليمان بن إسحاق المكلحي ، عن هارون الفروي عن عبد الملك بن الماجشون قال : قال مالك : ما بال أهل العراق يسألوني عن حديث السفر قطعة من العذاب ؟ قيل له : لم يروه أحد غيرك ، فقال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما حدثت به .

وقد رواه عصام بن رواد بن الجراح عن أبيه ، عن مالك ، عن ربيعة ، عن القاسم ، عن عائشة وعن مالك ، عن سمي مولى أبي بكر ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : السفر قطعة من العذاب ، يمنع أحدكم ( طعامه وشرابه ولذته ، فإذا قضى أحدكم ) حاجته فليعجل إلى أهله .

حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا محمد بن جعفر غندر ، حدثنا محمد بن خالد بن يزيد بمكة ، حدثنا عصام بن رواد بن الجراح ، حدثنا أبي ، حدثنا مالك ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن القاسم ، عن عائشة ، وعن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة .

قال أبو عمر : الإسناد الأول عن ربيعة ، عن القاسم ، عن عائشة غير محفوظ لا أعلم رواه عن مالك غير رواد هذا ، والله أعلم ، وهو خطأ ، وليس رواد بن الجراح ممن يحتج به ولا يعول عليه ، والإسناد الثاني صحيح ، وقد رواه خالد بن مخلد عن محمد بن جعفر الوركاني ، عن مالك عن سهيل بن أبي [ ص: 35 ] صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يصح لمالك عن سهيل والله أعلم ، وإنما هو لمالك عن سمي لا عن سهيل إلا أنه لا يبعد أن يكون عن سهيل أيضا ، وليس بمعروف لمالك عنه .

وروي عن عتيق بن يعقوب الزبيري ، عن مالك ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : السفر قطعة من العذاب الحديث . ولا يصح هذا الإسناد أيضا عندي ، وهو خطأ ، وإنما هو لمالك عن سمي لا عن سهيل ، ولا عن ربيعة ، ولا عن أبي النضر ، والله أعلم .

وقد زاد فيه بعض الضعفاء عن مالك : وليتخذ لأهله هدية ، وإن لم يجد إلا حجرا فليلقه في مخلاته قال : والحجارة يومئذ تضرب بها القداح ، وهذه زيادة منكرة لا تصح ، والصحيح ما في الموطأ بإسناده ولفظه ، والله أعلم .

وقد رواه ابن سمعان قاضي المدينة ، عن زيد بن أسلم ، عن جهان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن السفر قطعة من العذاب ، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه ، فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله ، وابن سمعان هذا هو عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان قاضي المدينة ، كان مالك يرميه بالكذب ، حدثه عن ابن قحطان بقية بن الوليد ، وقد رويناه عن الدراوردي عن سهيل بإسناد صالح ، لكنه لا تقوى الحجة به .

أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثني أبي قال : حدثنا أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن قال : حدثنا إبراهيم بن قاسم قال : حدثنا أبو المصعب أحمد بن أبي بكر بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : السفر قطعة من [ ص: 36 ] العذاب ، فإذا فرغ أحدكم من مخرجه أو من سفره فليعجل الكرة إلى أهله ، وإذا عرستم فتجنبوا الطريق فإنها مأوى الهوام والدواب .

وفي هذا الحديث دليل على أن طول التغرب عن الأهل لغير حاجة وكيدة من دين أو دنيا لا يصلح ولا يجوز ، وأن من انقضت حاجته لزمه الاستعجال إلى أهله الذين يمونهم ويقوتهم مخافة ما يحدثه الله بعده فيهم ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ، وقد روينا عن مالك من حديث سمي حديثا يدخل في هذا الباب حدثناه خلف بن قاسم قال : حدثنا أبو القاسم عثمان بن محمد بن عثمان البغدادي الدباغ ، حدثنا أحمد بن يوسف المنيجي ، حدثنا حاجب بن سليمان ، حدثنا وكيع بن الجراح ، حدثنا مالك بن أنس ، عن سمي مولى أبي بكر ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو يعلم الناس ما للمسافر لأصبحوا على ظهر سفر ، إن الله لينظر إلى الغريب في كل يوم مرتين ، وهذا حديث غريب لا أصل له في حديث مالك ولا في غيره ، والله أعلم .

ومما يدخل في هذا الباب أيضا من رواية مالك وغيره : سافروا تصحوا ، وقد ظنه قوم معارضا لحديث " السفر كقطعة من العذاب " ، وليس كذلك ، لاحتماله أن يكون العذاب هو التعب ، والتعب هاهنا مستديما للصحة .

[ ص: 37 ] وحدثنا خلف بن قاسم قال : حدثنا أبو محمد أحمد بن محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس قال : حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني قال : حدثنا عبد الله بن عيسى المدني الأصم قال : حدثنا مطرف بن عبد الله قال : حدثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : سافروا تصحوا وتسلموا .

حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا الحسن بن إسماعيل بن القاسم ، حدثنا أحمد بن إسماعيل بن القاسم وعلي بن أحمد بن إسحاق والفضل بن عبيد الله الهاشمي قالوا : حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة قال : حدثنا أبو علقمة الفروي عبد الله بن عيسى الأصم قال : حدثنا مطرف ، عن مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : سافروا تصحوا وتسلموا .

وحدثنا عبد الله ، حدثنا الحسن ، حدثنا محمد بن موسى بن هارون الزهري ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن حماد ، حدثنا محمد بن سنان العوفي ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن زرارة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سافروا تصحوا وتغنموا .

وحدثنا عبد الله ، حدثنا الحسن ، حدثنا محمد بن سعد ، حدثنا موسى بن عيسى الحتلي ، حدثنا داود بن رشيد ، حدثنا بسطام بن حبيب قال : حدثنا القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سافروا تصحوا وترزقوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية