التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
777 [ ص: 55 ] حديث ثالث عشر لسمي

مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ، أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يقول : جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إني كنت تجهزت للحج فاعترض لي ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اعتمري في رمضان ، فإن عمرة فيه كحجة .


هكذا روى هذا الحديث جماعة الرواة للموطأ ( وهو مرسل في ظاهره إلا أنه قد صح أن أبا بكر سمعه من تلك المرأة فصار ) مسندا بذلك ، والحديث صحيح مشهور من رواية أبي بكر وغيره ، وفيه من الفقه تطوع النساء بالحج ، وهذا إذا كانت الطرق مأمونة وكان مع المرأة ذو محرم ، أو كانت في جماعة نساء يعين بعضهن بعضا ، وينبغي أن ينضم الرجل إليهن عند الركوب والنزول ، وفيه أن الأعمال قد يفضل بعضها بعضا في أوقات ، وأن الشهور بعضها أفضل من بعض ( والعمل في بعضها أفضل من بعض ) ، وأن شهر رمضان مما يضاعف فيه عمل البر ، وذلك دليل على عظيم فضله ، وفيه أن الحج أفضل من العمرة ، وذلك - والله أعلم - لما فيه من زيادة المشقة في العمل والإنفاق .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " عمرة في رمضان تعدل حجة " من وجوه كثيرة من حديث علي بن أبي طالب وأنس وابن عباس ووهب بن خنيش وأبي طليق وأم معقل ، وهو حديثها ، وقد قيل : أم سنان ( والأشهر أم عقيل ) وأحسنها [ ص: 56 ] إسنادا حديث ابن عباس ، فمن أسانيد هذا الحديث المسند ما رواه عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن امرأة من بني أسد بن خزيمة يقال لها أم معقل قالت : قلت يا رسول الله ، إني أردت الحج فضل جملي ، أو قالت : بعيري ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اعتمري في شهر رمضان ، فإن عمرة فيه تعدل حجة . هكذا قال الزهري في اسم المرأة : أم معقل ، وهو المشهور المعروف ، وقد تابعه على ذلك جماعة ، وقد ذكرناها في كتاب الصحابة وذكرنا الاختلاف فيه هناك بما يغني عن ذكره هاهنا .

حدثنا محمد بن خليفة قال : حدثنا محمد بن نافع قال : حدثنا إسحاق بن أحمد ، حدثنا سعيد بن عبد الرحمن ، حدثنا عبد المجيد عن ابن جريج ، عن عطاء قال : سمعت ابن عباس يخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لامرأة من الأنصار : إذا كان شهر رمضان فاعتمري ، فإن عمرة فيه تعدل حجة ، قال ابن جريج : وسمعت داود بن عاصم يحدث هذا الحديث عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، وقال : اسم المرأة أم سنان .

حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا أحمد بن إبراهيم بن الحداد قال : حدثنا محمد بن محمد بن سليمان وعبد الجبار السمرقندي قالا : حدثنا محمد بن الوزير الواسطي قال : حدثنا إسحاق الأزرق عن سفيان الثوري ، عن إبراهيم [ ص: 57 ] بن مهاجر ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه كان رسول مروان إلى أم معقل يسألها عن الحديث فقالت : كان علي حجة ، وكان أبو معقل - يعني زوجها - قد أعد بكرا له في سبيل الله في بني كعب فسألته البكر ، فذكر لي ما صنع فيه ، قالت : فسألته من صرام النخل ، فقال : قوت أهلي ، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ادفع إليها البكر ، فلتحج عليه فإنه في سبيل الله . قالت : وقد كان حج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماشيا ، فقال : يا رسول الله ، إني قد كبرت وعلي حجة فما يجزي منها . فقال : عمرة في رمضان تجزيك من حجتك .

وحدثنا عبد الرحمن بن مروان ، حدثنا الحسن بن يحيى ، حدثنا ابن الجارود ، حدثنا عبد الله بن هشام ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء قال : سمعت ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها : ما منعك أن تحجي معنا العام ؟ قالت : يا نبي الله ، إنه كان لنا ناضحان فركب أبو فلان وابنه - تعني زوجها وابنها - ناضحا وترك ناضحا ننضح عليه الماء ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فإن كان رمضان فاعتمري فيه ، فإن عمرة فيه تعدل حجة ، أو قال كحجة .

وأخبرنا إبراهيم بن شاكر ، حدثنا محمد بن أحمد ، حدثنا محمد بن أيوب ، حدثنا أحمد بن عمرو البزار ، حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا يزيد بن زريع [ ص: 58 ] حدثنا حبيب المعلم ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : عمرة في رمضان تعدل حجة .

قال أبو عمر : أحسن الناس سياقة لهذا الحديث محمد بن إسحاق عن عيسى بن معقل ، عن يوسف بن عبد الله بن سالم ، حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن عمرة الطائي ، وحدثنا قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد قال : حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور قال : حدثنا محمد بن سنجر ، واللفظ لحديثه وهو أتم ، قالا : حدثنا أحمد بن خالد الوهبي قال : حدثنا محمد بن إسحاق عن عيسى بن معقل ابن أم معقل الأسدي أسد خزيمة قال : حدثني يوسف بن عبد الله بن سلام عن جدته أم معقل قالت : لما حج بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع أمر الناس أن يتهيئوا معه ، قالت : ففعلوا ، قالت : وأصابتنا هذه القرحة الحصبة أو الجدري ، قالت : فدخل علينا من ذلك ما شاء الله أن يدخل ، فأصابني مرة وأصاب أبا معقل ، فأما أبو معقل فهلك فيها قالت ، وكان لنا جمل ننضح عليه نخلات ، فكان هو الذي يريد أن يحج عليه ، قالت : فجعله أبو معقل في سبيل الله وشغلنا بما أصابنا وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما فرغ من حجته جئته حين تماثلت من وجعي ، فقال : يا أم معقل ما منعك أن تخرجي معنا في وجهنا هذا ؟ قالت : يا نبي الله ، لقد تهيأ لنا ذلك فأصابتنا هذه القرحة فهلك فيها أبو معقل ، وأصابني فيها مرضي هذا حتى صححت [ ص: 59 ] منه ، وكان لنا جمل هو الذي يريد أن نخرج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله ، قال : فهلا خرجت عليه ; فإن الحج من سبل الله ، إذا فاتتك هذه فاعتمري عمرة في رمضان فإنها كحجة . قالت : وكانت تقول : الحج حجة والعمرة عمرة ، وقد قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، والله ما أدري أخاصة لي لما فاتني من الحج أم هي للناس عامة ؟

قال يوسف : فحدثت بهذا الحديث مروان بن الحكم ، وهو أمير المدينة زمن معاوية ، فقال : من سمع هذا الحديث معك ؟ قلت : ابنها معقل بن أبي معقل ، وهو رجل صدق ، فأرسل إليه فحدثه بمثل ما حدثني . قال : فقيل لمروان : إنها حية في دارها ، فوالله ما اطمأن إلى حديثنا حتى ركب إليها في الناس فدخل عليها ، فحدثته هذا الحديث .

وحدثنا قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد قال : حدثنا أحمد بن عمرو قال : حدثنا ابن سنجر ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن الحارث بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن أبيه قال : كنت في الناس مع مروان حين دخل عليها فسمعناها تحدث بهذا الحديث ، قال : فكان أبو بكر لا يعتمر إلا في العشر الأواخر من رمضان لذلك من حديث أم معقل .

حدثنا محمد بن خليفة ، حدثنا محمد بن المنكدر عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال : بعثني مروان بن الحكم إلى رجل من الأنصار أسأله عن العمرة في رمضان ، فجئته فحدثني أن [ ص: 60 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له ولامرأته : اعتمرا في شهر رمضان ; فإن عمرة فيه كحجة .

قال أبو عمر : القول في هذا الحديث قول ابن إسحاق ، والله أعلم .

وقد حدثنا قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد قال : حدثنا أحمد بن عمرو قال : حدثنا محمد بن سنجر قال : حدثنا أبو المغيرة قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال : حدثني ابن أم معقل الأسدية قال : قالت أمي : يا رسول الله ، إني أريد الحج وجملي أعجف ، فقال : اعتمري في رمضان ، فإن عمرة في رمضان كحجة .

ورواه الأسود بن يزيد عن أم معقل ، أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال : حدثنا أحمد بن سعيد قال : حدثنا محمد بن محمد بن بدر قال : حدثنا الحسن بن حماد قال : حدثنا علي بن عابس عن أبي إسحاق ، عن الأسود ، عن أم معقل قالت : أردت أن أحج فقلت لأبي معقل : أعطني بكرك فأحج عليه ، أو تمر نخلك ، فأبى علي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اعتمري في رمضان ، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة .

وقد روى أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل حديث أم معقل هذا ، حدثنا محمد بن خليفة قال : حدثنا محمد بن نافع قال : حدثنا إسحاق بن أحمد قال : حدثنا أحمد بن صالح قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم قال : حدثنا إبراهيم بن سويد ، عن هلال بن يسار ، عن أنس بن مالك ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عمرة في رمضان كحجة .

وقد ذكرنا حكم من اعتمر في رمضان فحل من عمرته في شوال ، وأحكام التمتع ووجوهها في باب ابن شهاب عن محمد بن عبد الله والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية