التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
266 [ ص: 119 ] حديث سادس لهشام بن عروة

مالك عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ثم ينصرف ، فإذا سمع النداء بالصبح ركع ركعتين خفيفتين .


ذكر قوم من رواة هذا الحديث عن هشام بن عروة أنه كان لا يجلس في شيء من الخمس ركعات إلا في آخرهن ، رواه حماد بن سلمة وأبو عوانة ووهيب وغيرهم ، وذكروا أنه كان لا يسلم بينهن ، وذلك كله لا يثبت ; لأنه قد عارضه عن عائشة ما هو أثبت منه ، وأكثر الحفاظ رووا هذا الحديث عن هشام كما رواه مالك والأصول تعضد رواية مالك ; لأنه قد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : صلاة الليل مثنى مثنى ، وهذا من الأحاديث التي لم يختلف في إسنادها ولا في متنها ، وهو حديث ثابت مجتمع على صحته ، وهو قاض في هذا الباب على ما كان ظاهره خلافه ، وقد أوضحنا هذا المعنى في غير موضع من كتابنا وذكرنا ما للعلماء في ذلك من التنازع وأخبرنا بالوجه المختار الصحيح عندنا والحمد لله .

ولا وجه لتكرار ذلك هاهنا .

قال أبو عمر : الرواية المخالفة في حديث هشام بن عروة هذا لرواية مالك فيه إنما حدث به عن هشام أهل العراق ، وما حدث به هشام بالمدينة قبل خروجه إلى العراق أصح عندهم ، ولقد حكى علي بن المديني عن يحيى بن سعيد القطان [ ص: 120 ] قال : رأيت مالك بن أنس في النوم فسألته عن هشام بن عروة ، فقال : أما ما حدث به عندنا - يعني بالمدينة قبل خروجه فكأنه يصححه - ، وأما ما حدث به بعد ما خرج من عندنا ، فكأنه يوهنه .

وفي هذا الحديث دليل على أن ركعتي الفجر مما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يواظب عليهما وهما عندنا من مؤكدات السنن ، وإن كان بعض أصحابنا يخالف في ذلك ، وقد بينا الوجه فيه في باب شريك بن أبي نمر وغيره من هذا الكتاب والحمد لله .

وفي هذا الحديث من الفقه المواظبة على صلاة الليل ، وأن صلاة الليل آخرها الوتر إما بواحدة وإما بثلاث ، وقد قيل غير ذلك على حسب ما أوضحناه في باب سعيد بن أبي سعيد وباب نافع والحمد لله .

وفيه النداء للصبح بعد الفجر وتخفيف ركعتي الفجر ، وقد استدل به من زعم أن النداء بالصبح لا يكون إلا بعد الفجر ، وقد مضى القول في ذلك في باب ابن شهاب عن سالم والحمد لله وبه التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية