التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
312 حديث تاسع لهشام بن عروة

مالك عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أنها أخبرته أنها لم تر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاة الليل قاعدا قط حتى أسن ، فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد قام فقرأ نحوا من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع .


[ ص: 122 ] في هذا الحديث ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصبر على الصلاة بالليل ، وفيه إباحة صلاة النافلة جالسا ، وهو أمر مجتمع عليه لا خلاف فيه ، وفيه رد على من أبى من أن يكون المصلي يصلي النافلة بعضها جالسا وبعضها قائما ، والذي عليه جمهور الفقهاء فيمن افتتح صلاة النافلة قاعدا أنه لا بأس أن يقوم فيها ويقرأ بما أحب على ما في هذا الحديث وشبهه .

واختلفوا فيمن افتتحها قائما ثم قعد ، فقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي : يجوز أن يقعد فيها كما يجوز له أن يفتتحها قاعدا ، وقال الحسن بن حي وأبو يوسف ومحمد : يصلي قائما ولا يجلس إلا من ضرورة ; لأنه افتتحها قائما .

وقال ابن جريج : قلت لعطاء : استفتحت الصلاة قائما فركعت ركعة وسجدت ثم قمت ، أفأجلس إن شئت بغير ركوع ولا سجود ؟ قال : لا . فأما المريض فقال ابن القاسم في المريض : يصلي مضطجعا أو قاعدا ، ثم يخف عنه المرض فيجد القوة أنه يقوم فيما بقي من صلاته ويبني على ما مضى منها ، وهو قول الشافعي وزفر والطبري .

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد فيمن صلى مضطجعا ركعة ثم صح أنه يستقبل الصلاة من أولها ، ولو كان قاعدا يركع ويسجد ثم صح ، بنى في قول أبي حنيفة ولم يبن في قول محمد .

وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا افتتح الصلاة قائما ، ثم صار إلى حال الإيماء فإنه يبني .

وروي عن أبي يوسف أنه يستقبل .

وقال مالك في المريض الذي لا يستطيع الركوع ولا السجود - وهو يستطيع القيام والجلوس - أنه يصلي قائما ويومئ إلى الركوع ، فإذا أراد السجود جلس فأومأ إلى السجود ، وهو قول أبي يوسف ، وقياس قول الشافعي .

وقال أبو حنيفة وسائر أصحابه : يصلي قاعدا .

[ ص: 123 ] وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما : إذا صلى مضطجعا تكون رجلاه مما يلي القبلة مستقبل القبلة .

وقال الثوري والشافعي : يصلي على جنبه ووجهه إلى القبلة ، وقد ذكرنا كيفية صلاة القاعد في باب إسماعيل بن محمد والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية