التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 1 ] بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه

باب الراء

ربيعة بن أبي عبد الرحمن المدني ، صاحب الرأي مدني ، تابعي ، ثقة ، واسم أبي عبد الرحمن فروخ مولى ربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي . هذا هو الصحيح .

وقيل مولى التيميين ، ومولى آل المنكدر ، والصواب ما ذكرنا ، ويكنى ربيعة أبا عثمان ، وقيل أبو عبد الرحمن ، والأول أصح .

وكان أحد فقهاء المدينة الثقات الذين عليهم مدار الفتوى ، كان أكثر أخذه ، عن القاسم بن محمد ، وقد أخذ عن سعيد بن المسيب ، وسائر فقهاء وقته ، وأدرك أنس بن مالك ، وروى عنه [ ص: 2 ] وكان يذكر مع جلة التابعين في الفتوى بالمدينة ، وكان مالك يفضله ، ويرفع به ، ويثني عليه في الفقه والفضل ، على أنه ممن اعتزل حلقته لإغراقه في الرأي .

وكان القاسم بن محمد يثني عليه أيضا : ذكر ابن لهيعة ، عن أبي الأسود قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : ما يسرني أن أمي ولدت لي أخا ممن ترون من أهل المدينة إلا ربيعة الرأي .

وذكر ابن سعد قال : أخبرني مطرف بن عبد الله قال : سمعت مالك بن أنس يقول : ذهبت حلاوة الفقه مذ مات ربيعة بن أبي عبد الرحمن .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا الوليد بن شجاع [ ص: 3 ] قال : حدثنا ضمرة ، ، عن رجاء بن أبي سلمة ، عن ابن عون قال : كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يجلس إلى القاسم بن محمد فكان من لا يعرفه يظنه صاحب المجلس ، يغلب على صاحب المجلس بالكلام .

قال : وحدثنا مصعب ، قال : كان عبد العزيز بن أبي سلمة يجلس إلى ربيعة ، فلما حضرت ربيعة الوفاة ، قال له عبد العزيز : يا أبا عثمان إنا قد تعلمنا منك ، وربما جاءنا من يستفتينا في [ ص: 4 ] الشيء لم نسمع فيه شيئا فنرى أن رأينا له خير من رأيه لنفسه فنفتيه ؟ فقال ربيعة : أجلسوني ، فجلس ، ثم قال : ويحك يا عبد العزيز لأن تموت جاهلا خير لك من أن تقول في شيء بغير علم ، لا ، لا ، لا ، ثلاث مرات .

قال : وحدثنا مصعب قال : حدثنا الدراوردي ، قال : إذا قال مالك : وعليه أدركت أهل بلدنا ، وأهل العلم ببلدنا ، والأمر المجتمع عليه عندنا ، فإنه يريد ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وابن هرمز .

قال مصعب : ومات ربيعة في سلطان بني هاشم ، قدم على أبي العباس السفاح .

وذكر أحمد بن مروان المالكي ، عن إبراهيم بن سهلويه ، عن ابن أبي أويس ، قال : سمعت خالي مالك بن أنس يقول : كانت أمي تلبسني الثياب ، وتعممني وأنا صبي ، وتوجهني إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وتقول : يا بني ائت مجلس ربيعة فتعلم من سمته وأدبه ، قبل أن تتعلم من حديثه ، وفقهه [ ص: 5 ] وذكر ابن القاسم ، عن مالك أن ابن هرمز قال في ربيعة : إنه لفقيه في حكاية ذكرها .

وقال مالك : وجدت ربيعة يوما يبكي فقيل له : ما الذي أبكاك ؟ أمصيبة نزلت بك ؟ فقال : لا ، ولكن أبكاني أنه استفتي من لا علم له ، وقال : لبعض من يفتي هاهنا أحق بالسجن من السارق .

قال أبو عمر : هذه أخباره الحسان ، وقد ذمه جماعة من أهل الحديث لإغراقه في الرأي ، فرووا في ذلك أخبارا قد ذكرتها في غير هذا الموضع .

وكان سفيان بن عيينة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل لا يرضون عن رأيه ; لأن كثيرا منه يوجد له بخلاف السند الصحيح ; لأنه لم يتسع فيه ، فضحه فيه ابن شهاب . وكان أبو الزناد معاديا له ، وكان أعلم منه ، وكان ربيعة أورع - والله أعلم - .

قال أبو عمر :

توفي ربيعة بن أبي عبد الرحمن بالمدينة في سنة ست وثلاثين ومائة ، في آخر خلافة أبي العباس السفاح ، وكان ثقة فقيها جليلا .

[ ص: 6 ] لمالك عنه من مرفوعات الموطأ اثنا عشر حديثا ، منها خمسة متصلة .

ومنها عن سليمان بن يسار واحد مرسل .

ومنها من بلاغاته ستة أحاديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية