التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1278 حديث حاد وعشرون لهشام بن عروة

مالك عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت : جاء عمي من الرضاعة يستأذن علي فأبيت أن آذن له علي حتى أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن [ ص: 155 ] ذلك ، فقال إنه عمك فأذني له ، فقلت يا رسول الله ، إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل ، فقال إنه عمك فليلج عليك ، قالت عائشة : وذلك بعدما ضرب الحجاب . وقالت عائشة : يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة .


هذا أبين حديث في تحريم لبن الفحل ، ألا ترى إلى قول عائشة : " فقلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل " والرجل هو أبو القعيس والمستأذن على عائشة هو أخوه أفلح .

وكذلك قال مالك في حديثه عن ابن شهاب عن عروة ، عن عائشة ، أنها أخبرته أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن ضرب الحجاب ، وذكر الحديث على حسب ما مضى ذكره في باب ابن شهاب ، فأبو القعيس هو الذي أرضعت امرأته عائشة فصارت أما لها من الرضاعة ، وصار هو أباها ; لأن اللبن منه تولد ، وجاء أخوه يستأذن عليها ، وهو أخو أبيها من الرضاعة ، فظنت عائشة أن اللبن ليس من الفحل ، فقالت : إنما أرضعتني المرأة ، تريد وليس هذا أخا المرأة فيكون عمي أو خالي ، وإنما هو أخو زوجها ، فأخبرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه عمها ; لأن أخاه أبوها بإرضاع زوجته إياها ، وهذا بين ، وهو مذهب ابن عباس وإليه ذهب فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام ، منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل ، وعليه جماعة أهل الحديث .

[ ص: 156 ] قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا محمد بن عبد السلام قال : حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن الحكم ، عن عراك بن مالك ، عن عروة بن الزبير قال : استأذن أفلح بن قعيس ، أو ابن أبي قعيس على عائشة فقال : إني عمك أرضعتك امرأة أخي ، فأبت أن تأذن له ، فلما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته ، فقال : ائذني له ، فإنه عمك .

أخبرنا خلف بن قاسم قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن بحير بن عبد الله بن صالح بن أسامة الذهلي القاضي قال : حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي قال : حدثنا محمد بن كثير قال : حدثنا سفيان عن هشام بن عروة ، عن عروة ، عن عائشة قالت : دخل علي أفلح بن أبي القعيس قالت : فاستترت منه ، فقال : أتستترين مني وأنا عمك ؟ قالت : من أين ؟ قال : أرضعتك امرأة أخي ، قالت : إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل . فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدثته ، فقال : إنه عمك ، فليلج عليك .

وأخبرنا خلف ، حدثنا أبو طاهر ، حدثنا يوسف بن يعقوب ، حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم بن عتيبة ، عن عراك ، عن عروة ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : تربت يداك في هذا الحديث ، أوما علمت أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب فإلى هذا ذهب من ذكرنا من فقهاء الأمصار ، وذهب جماعة من التابعين بالمدينة وغيرها إلى أن لبن الفحل لا يحرم شيئا ، وقد ذكرنا من قال بالقولين جميعا من العلماء ، وذكرنا الحجة لكل فريق منهم وما نزعوا به لمذاهبهم ، وذكرنا الوجه المختار عندنا في ذلك ، وهو ما وافق هذا الحديث وشبهه من السنن ، وأوضحنا ذلك كله ومهدناه في باب ابن شهاب عن عروة من هذا الكتاب ، فلم نر لتكرير ذلك هاهنا وجها ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية