التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1707 [ ص: 7 ] حديث أول لربيعة متصل مسند

مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن أنس بن مالك أنه سمعه يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير ، ولا بالأبيض الأمهق ، ولا بالآدم ، ولا بالجعد القطط ، ولا بالسبط ، بعثه الله على رأس أربعين سنة ، فأقام بمكة عشر سنين ، وبالمدينة عشر سنين ، وتوفاه الله على رأس ستين سنة ، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء - صلى الله عليه وسلم - .


أما قوله في هذا الحديث : ليس بالطويل البائن ، فالبائن : هو البعيد الطول ، المشرف المتفاوت ، والبون والبين : البعد ، ومنه قول الشاعر :


وما هاج هذا الشوق إلا حمامة مطوقة قد بان عنها قرينها

أي بعد قرينها عنها .

[ ص: 8 ] وقال زهير :


بان الخليط ولم يأووا لمن تركوا

وقال جرير :

بان الخليط ولو طوعت ما بانا

وقال الأخفش : البائن هو الطويل الذي يضطرب من طوله ، وهو عيب في الرجال والنساء ، يقول : فلم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذلك .

وأما قوله : الأمهق فإن ابن وهب وغيره قالوا : الشديد الذي ليس بمشرق ، ولا يخالطه شيء من الحمرة ، يخاله الناظر إليه برصا يقول : فلم يكن كذلك - صلى الله عليه وسلم - .

وكذلك وصفه علي - رضي الله عنه - ، وهو أحسن الناس له صفة فقال : كان أبيض مشربا بحمرة ، وقال بعض الأعراب :


أما تبينت بها مهقة     تنبو بقلب الشيق العازم

وأما قوله ليس بالآدم فإنه يقول : ليس بأسمر ، والأدمة السمرة .

والقطط هو الشديد الجعودة مثل شعر الحبش .

والسبط : المرسل الشعر ، الذي ليس في شعره شيء من التكسير ، يقول : فهو جعد ، رجل ، كأنه دهره قد رجل شعره يعني مشط [ ص: 9 ] وأما قوله : بعثه الله على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين ، فمختلف في ذلك على ما نحن ذاكروه إن شاء الله .

وأما قوله : بالمدينة عشر سنين فمجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه ، وأما قوله : وتوفاه الله على رأس ستين فمختلف فيه ، على حسب اختلافهم في مقامه بمكة ، فحديث ربيعة عن أنس على ما ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو ابن ستين .

ورواه عن ربيعة ، جماعة من الأئمة منهم مالك ، وأنس بن عياض ، وعمارة بن غزية ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والأوزاعي ، وسعيد بن أبي هلال ، وسليمان بن بلال ، كلهم عن ربيعة ، عن أنس بمعنى حديث مالك سواء .

وقد ذكر البخاري حديث ربيعة هذا ، عن أنس ، ثم أتبعه فقال : حدثني أحمد صاحب لنا قال : حدثني أبو غسان [ ص: 10 ] محمد بن عمرو الرازي زنيج قال : حدثنا حكام بن سلم ، قال : حدثنا عثمان بن زائدة ، عن الزبير بن عدي ، عن أنس بن مالك قال : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وعمر وهو ابن ثلاث وستين سنة .

قال البخاري : وهذا عندي أصح من حديث ربيعة .

قال أبو عمر :

إنما قال ذلك البخاري - والله أعلم - لأن عائشة ، ومعاوية ، وابن عباس على اختلاف عنه ، كلهم يقول : إن رسول [ ص: 11 ] الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو ابن ثلاث وستين ، ولم يختلف عن عائشة ، ومعاوية في ذلك .

رواه جرير ، عن معاوية ، وجاء عن أنس ما ذكر ربيعة عنه ، وذلك مخالف لما ذكره هؤلاء كلهم .

وروى الزبير بن عدي ، وهو ثقة ، عن أنس ما يوافق ما قالوا ، فقطع البخاري بذلك ; لأن المنفرد أولى بإضافة الوهم إليه من الجماعة .

وأما من طريق الإسناد ، فحديث ربيعة أحسن إسنادا في ظاهره ; إلا أنه قد بان من باطنه ما يضعفه ، وذلك مخالفة أكثر الحفاظ له ، فإن لم يكن هذا وجه قول البخاري ، وإلا فلا أعلم له وجها ، وقد تابع ربيعة على روايته عن أنس نافع أبو غالب .

وروي عن أنس بن مالك قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وله أربعون سنة .

[ ص: 12 ] قال البخاري : وأخبرنا محمد بن عمر القصبي ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا نافع أبو غالب ، أنه سمع أنس بن مالك يقول : أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عشرا بعد أن بعث .

وذكره ابن أبي خيثمة ، قال : حدثنا محمد بن عمر القصبي قال : حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا نافع أبو غالب قال : قلت لأنس : يا أبا حمزة ، كم كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم قبض قال : ستون سنة .

وقد روى ابن وهب ، عن قرة بن عبد الرحمن ، عن ابن شهاب ، عن أنس قال : نبئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين سنة ، ومكث بمكة عشرا ، وبالمدينة عشرا ، وتوفي وهو ابن ستين سنة .

وقد روي من حديث ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو ابن اثنتين وستين سنة ، وأشهر .

[ ص: 13 ] وذكر إبراهيم بن المنذر ، عن سعد بن سعيد بن أبي سعيد ، عن أخيه ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : نبئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين ، فأقام بمكة عشرا ، وبالمدينة عشرا ، وتوفي وهو ابن ستين سنة .

قال أبو عمر :

وممن قال أن رسول الله بعث على رأس أربعين سنة قباث بن أشيم ، قال : نبئ النبي - صلى الله عليه وسلم - على رأس أربعين من عام الفيل . .

قال أبو عمر :

لا خلاف أنه ولد - صلى الله عليه وسلم - بمكة عام الفيل ، إذ ساقه الحبشة إلى مكة يغزون البيت .

وروى هشام بن حسان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين - صلى الله عليه وسلم - ، ورواه جماعة عن هشام بن حسان ، وهو قول [ ص: 14 ] عروة بن الزبير ، رواه عن عروة هشام بن عروة ، وعمرو بن دينار .

وكان عروة يقول : إنه أقام بمكة عشرا ، وأنكر قول من قال : أقام بها ثلاث عشرة سنة ، وقوله كرواية ربيعة سواء .

وكان الشعبي يقول : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونبئ - صلى الله عليه وسلم - لأربعين ، ثم وكل به إسرافيل ثلاث سنين ، قرن بنبوته ، فكان يعلمه الكلمة والشيء ، ولم ينزل عليه القرآن على لسانه ، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل ، فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة . هذا كله قول الشعبي .

وكذلك قال محمد بن جبير بن مطعم : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبئ على رأس أربعين ، وهو قول عطاء الخراساني .

وممن قال : إنه بعث على رأس ثلاث وأربعين : ابن عباس من رواية هشام الدستوائي ، عن عكرمة عنه ، خلاف ما رواه هشام بن حسان ، وقاله أيضا سعيد بن المسيب .

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال : أخبرنا هشام ، قال : حدثنا عكرمة ، عن ابن عباس قال : أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو ابن ثلاث وأربعين [ ص: 15 ]

قال أحمد بن زهير : وأخبرني أبي ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، قال أحمد بن زهير : وحدثنا عبيد الله بن عمر ، قال : حدثنا حماد بن زيد جميعا ، عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي ، وهو ابن ثلاث وأربعين سنة .

خالف القواريري عارم في هذا الخبر ، عن حماد بن زيد ، فقال فيه : أنزل عليه ، وهو ابن أربعين سنة ، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة .

[ ص: 16 ] ورواه يزيد بن هارون ، عن يحيى بن سعيد ، مثل رواية القواريري ، وهو عبيد الله بن عمر ، عن حماد بن زيد .

وأخبرنا خلف بن قاسم قال : حدثنا عبد الرحمن بن عمر بن راشد ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا أحمد بن صالح قال : حدثنا ابن وهب قال : حدثني قرة بن عبد الرحمن المعافري ، عن ابن شهاب ، وربيعة ، عن أنس قال : نبئ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو ابن أربعين ، فأقام بمكة عشرا ، وبالمدينة عشرا .

قال أبو عمر :

لا أعلم أحدا رواه عن ابن شهاب عن قرة - والله أعلم - .

وأما مكثه بمكة - صلى الله عليه وسلم - ، ففي قول أنس من رواية ربيعة ، وأبي غالب أنه مكث بمكة عشر سنين ، وكذلك روى أبو سلمة عن عائشة وابن عباس ، وهو قول عروة بن الزبير ، والشعبي ، وسعيد بن المسيب على اختلاف عنه ، وابن شهاب ، والحسن ، وعطاء الخراساني ، وكذلك روى هشام الدستوائي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس .

حدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا أبو الميمون ، قال : حدثنا أبو زرعة الدمشقي ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا شيبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن ابن عباس وعائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن ، وبالمدينة عشرا . [ ص: 17 ]

وحدثنا خلف ، قال : حدثنا أبو الميمون ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا أحمد بن شبويه ، ومحمد بن أبي عمر ، قالا : حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ، قال : قلت لعروة بن الزبير : كم لبث النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة ؟

قال : عشرا قلت : فإن ابن عباس يقول : بضع عشرة ، قال : إنما أخذه من قول الشاعر .

وروى هشام بن حسان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه مكث بمكة بعد ما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث عشرة سنة ، وكذلك روى أبو حمزة ، وعمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، وهو قول أبي جعفر محمد بن علي ، وقال أبو قيس صرمة بن أبي أنس الأنصاري في أبيات يفخر بما من الله به عليه من صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ونصرته له :


ثوى في قريش بضع عشرة حجة     يذكر لو يلقى صديقا مواتيا

في أبيات قد ذكرتها بتمامها في باب صرمة من كتاب الصحابة .

[ ص: 18 ] وأما سنه في حين وفاته ، ففي حديث ربيعة ، وأبي غالب ، عن أنس : إنه توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ستين ، وهو قول عروة بن الزبير .

وروى حميد ، عن أنس ، قال : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن خمس وستين ، ذكره أحمد بن زهير ، عن المثنى بن معاذ ، عن بشر بن المفضل ، عن حميد .

، وروى الحسن عن دغفل النسابة ، وهو دغفل بن حنظلة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبض ، وهو ابن خمس وستين ، ولم يدرك دغفل النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وقال البخاري : ولا نعرف للحسن سماعا من دغفل .

[ ص: 19 ] قال البخاري : وروى عمار بن أبي عمار عن ابن عباس ، قال : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو ابن خمس وستين سنة .

قال البخاري : ولا يتابع عليه إلا شيء رواه العلاء بن صالح ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة عشر سنين ، وخمس سنين ، وأشهرا ، ولم يوافق عليه العلاء ، وهو شيء لا أصل له .

قال : وروى عكرمة ، وأبو ظبيان ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعمرو بن دينار كلهم ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبض وهو ابن ثلاث وستين .

[ ص: 20 ] قال أبو عمر :

قد روى علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي ، وهو ابن خمس وستين ذكره أحمد بن زهير ، عن أحمد بن حنبل ، عن هشيم ، عن علي بن زيد ، وإنما ذكرنا هذا ، وإن كان الصحيح عندنا غيره ; لقول البخاري : إنه لم يتابع عليه عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم ، عن ابن عباس .

والذي ذكره البخاري أنهم رووا عن ابن عباس : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو ابن ثلاث وستين فكما ذكر ، وقد روى أبو حمزة ، ومحمد بن سيرين أيضا ، عن ابن عباس : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي ، وهو ابن ثلاث وستين ، ولم يختلف ، عن عائشة ، ومعاوية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي ، وهو ابن ثلاث وستين .

وأما حديث عمار بن أبي عمار فرواه سفيان الثوري ، عن خالد الحذاء ، عن عمار مولى بني هاشم ، عن ابن عباس قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو ابن أربعين سنة ، فأقام بمكة خمس عشرة سنة ، وبالمدينة عشر سنين وقبض وهو ابن خمس وستين سنة ، ورواه شعبة ، عن يونس ، عن عمار مولى بني هاشم ، قال : سألت ابن عباس : ابن كم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ [ ص: 21 ] فقال : إن هذا لشديد على مثلك ، ألا تعلم مثل هذا في قومك ؟ توفي وهو ابن خمس وستين ، ورواه حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس مثله .

فالاختلاف على ابن عباس في هذا قوي ، لأن عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم ، وسعيد بن جبير من رواية العلاء بن صالح ، عن المنهال ، عن سعيد ، ويوسف بن مهران كلهم اتفقوا ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي ، وهو ابن خمس وستين سنة .

وروى أبو سلمة ، وعكرمة ، ومحمد بن سيرين ، وأبو حمزة ، وأبو حصين ، ومقسم ، وأبو ظبيان ، وعمرو بن دينار [ ص: 22 ] كلهم ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي ، وهو ابن ثلاث وستين .

وقد روى معاذ بن معاذ ، عن بشر بن المفضل ، عن حميد ، عن أنس قال : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو ابن خمس وستين ذكره ابن أبي خيثمة ، عن المثنى بن معاذ هكذا ، وذكره المستملي ، عن معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن أنس مثله : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي ، وهو ابن خمس وستين .

والصحيح عندي حديث معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن دغفل بن حنظلة ، قال : توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو ابن خمس وستين .

[ ص: 23 ] حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، قال : حدثنا إبراهيم بن حمزة ، وإسحاق بن إبراهيم بن حبيب ، قال إسحاق : أخبرني أبي ، وقال إبراهيم بن حمزة : حدثني محمد بن فليح ، كلاهما ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب قال : حدثني عروة ، عن عائشة قالت : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وستين .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، [ ص: 24 ] قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم الترجماني ، قال : حدثنا حسان بن إبراهيم ، قال : حدثنا يونس بن يزيد ، عن الزهري ، قال : أخبرني عروة ، عن عائشة قالت : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وستين ، قال الزهري : وأخبرني سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك .

[ ص: 25 ] قال أبو عمر :

هذا أصح شيء جاء في هذا الباب إلا أني أعجب من رواية هشام بن عروة ، وعمرو بن دينار ، عن عروة ، وقوله بخلاف هذا الحديث على ما قدمنا عنه ، وما أدري كيف هذا ؟

[ ص: 26 ] وروى شعبة ، وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، عن جرير بن عبد الله أنه سمع معاوية يقول : قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وستين .

قاله أبو إسحاق ، وعامر بن سعد ، وعبد الله بن عتبة ، وسعيد بن المسيب ، والشعبي ، وعليه أكثر الناس ; لأنه يجتمع على هذا القول كل من قال : تنبئ على رأس أربعين ، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة ، وكل من قال : بعث على رأس ثلاث وأربعين ، فأقام بمكة عشرا ، وهو الذي يسكن إليه القلب في وفاته - والله أعلم - .

ولا خلاف أنه ولد يوم الاثنين بمكة في ربيع الأول عام الفيل ، وأن يوم الاثنين أول يوم أوحى الله إليه فيه ، وأنه قدم المدينة في ربيع الأول قال ابن إسحاق : وهو ابن ثلاث وخمسين سنة ، وأنه توفي يوم الاثنين في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة - صلى الله عليه وسلم - .

وروى كريب عن ابن عباس ، قال : أوحى الله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو ابن أربعين سنة ، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة ، وبالمدينة عشرا ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين .

وذكر يعقوب بن شيبة ، قال : حدثنا عارم بن الفضل ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وأنزل عليه وهو ابن أربعين سنة ، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة ، وبالمدينة عشرا .

[ ص: 27 ] قال أبو عمر :

هذا ما في ذلك عندي - والله أعلم - ا هـ .

وحدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا عبد الرحمن ( ( ابن عمر ) ) أبو الميمون بدمشق ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا عنبسة بن خالد ، قال : حدثنا يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وستين .

، وصدق ذلك حديث علي بن الحسين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو ابن ثلاث وستين .

وأما شيبه - صلى الله عليه وسلم - فأكثر الآثار على نحو [ ص: 28 ] حديث ربيعة ، عن أنس في تقليل شيبه عليه السلام ، وأن ذلك كان منه في عنفقته .

وقد روي أنه كان يخضب ، وليس بقوي ، والصحيح أنه لم يخضب ، ولم يبلغ من الشيب ما يخضب له .

وسنذكر ذلك في باب حديث سعيد المقبري ، عن عبيد بن جريج ، عن ابن عمر من كتابنا هذا إن شاء الله .

وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح إملاء ، قال : حدثنا يوسف بن عدي قال : حدثنا الوليد بن كثير ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، قال : سألت أو سئل أنس : هل خضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لم يدرك الخضاب ، ولكن خضب أبو بكر وعمر .

وقد أكثر الناس في صفته - صلى الله عليه وسلم - فمنهم المطول ، ومنهم المقتصد ، ومن أراد الوقوف على ذلك تأمله في كتاب أحمد بن زهير ، وغيره .

[ ص: 29 ] وأحسن الناس له صفة في اختصار : علي بن أبي طالب ، حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ، وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا يوسف بن عدي ، وزهير بن عباد ، وابن أبي شيبة قالوا : حدثنا عيسى بن يونس ، عن عمر بن عبد الله مولى غفرة ، عن إبراهيم بن محمد من ولد علي قال : كان علي إذا نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لم يكن بالطويل الممغط ، ولا بالقصير المتردد ، وكان ربعة من [ ص: 30 ] القوم ، ولم يكن بالجعد القطط ، ولا بالسبط ، كان جعدا ، رجلا ، ولم يكن بالمطهم ، ولا بالمكلثم ، وكان في الوجه تدوير ، أبيض ، مشرب حمرة ، أدعج العينين ، أهدب الأشفار ، جليل المشاس ، والكتد ، أجرد ذو مسربة ، شثن الكفين ، والقدمين ، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب ، وإذا التفت التفت معا ، بين كتفيه خاتم النبوة ، وهو [ ص: 31 ] خاتم النبيئين ، أجود الناس كفا ، وأجرؤ الناس صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وأوفى الناس بذمة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه ، يقول ناعته : لم أر قبله ، ولا بعده مثله - صلى الله عليه وسلم - .

قوله الممغط هو الطويل المديد ، وقال : الخليل بن أحمد : الفرس المطهم ، التام الخلق ، وقال أبو عبيد : المشاش رءوس العظام ، وقال الخليل : الكتد : ما بين الثبج إلى منتصف الكاهل من الظهر ، والمسربة شعرات تتصل من الصدر إلى السرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية