التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
893 حديث خامس وعشرون لهشام بن عروة

مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه قال : سئل أسامة بن زيد وأنا جالس كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في حجة الوداع حين دفع من عرفة ، فقال : كان يسير العنق ، فإذا وجد فرجة نص .


قال هشام : والنص فوق العنق ، هكذا قال يحيى : فرجة ، وتابعه جماعة منهم أبو المصعب وابن بكير وسعيد بن عفير ، وقالت طائفة منهم ابن وهب وابن القاسم والقعنبي : فإذا وجد فجوة ، والفجوة والفرجة سواء في اللغة ، وليس في هذا الحديث أكثر من [ ص: 202 ] معرفة كيفية السير في الدفع من عرفة ، وهو شيء يجب الوقوف عليه وامتثاله على أئمة الحاج فمن دونهم ؛ لأن في استعجال السير إلى مزدلفة استعجال الصلاة بها ، ومعلوم أن المغرب لا تصلى تلك الليلة إلا مع العشاء وتلك سنتهما ، فيجب أن يكون ذلك على حسب ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فمن قصر عن ذلك أو زاد فقد أساء إذا كان عالما بما جاء في ذلك ، وأما حكم الجمع بين الصلاتين في المزدلفة فقد ذكرناها في باب ابن شهاب من هذا الكتاب والحمد لله .

والعنق مشي معروف للدواب لا يجهل ، وقد يستعمل مجازا الدواب قال الشاعر :


يا جارتي يا طويلة العنق أخرجتني بالصدود عن عنق



والنص هاهنا كالخبب ، وهو فوق العنق وأرفع في الحركة ، وأصل النص في اللغة الرفع ، يقال منه : نصصت الدابة في سيرها ، قال الشاعر :


ألست التي كلفتها سير ليلة     من أهل منى إلى أهل يثرب

وقال اللهبي :

يا رب بيداء وليل داج     قطعته بالنص والإدلاج



وقال آخر :

ونص الحديث إلى أهله     فإن الوثيقة في نصه


أي : ارفعه إلى أهله وانسبه إليهم .

[ ص: 203 ] وقال أبو عبيد : النص التحريك الذي يستخرج به من الدابة أقصى سيرها . وأنشد قول الراجز :


تقطع الخرق بسير نص



وأما النص في الشريعة فما استوى من القرآن وغيره ظاهره مع باطنه وفهم مراده من ظاهره ، ومنهم من قال : النص ما لا يصح أن يرد عليه التخصيص ويسلم من العلل ، ولهم في حدوده كلام كثير ليس هذا موضع ذكره ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية