التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
381 حديث سادس وعشرون لهشام بن عروة

مالك ، عن هشام بن عروة ، ، عن أبيه أن عبد الله بن الأرقم ، كان يؤم أصحابه فحضرت الصلاة يوما فذهب لحاجته ثم رجع ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة .


قد ذكرنا عبد الله بن الأرقم في كتابنا في الصحابة بما يغني عن ذكره هاهنا ، ولم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث ولفظه ، واختلف فيه عن هشام بن عروة ، فرواه مالك كما ترى وتابعه زهير بن معاوية ، وسفيان بن عيينة ، وحفص بن غياث ، ومحمد بن إسحاق ، وشجاع بن الوليد ، وحماد بن زيد ، ووكيع ، وأبو معاوية ، والمفضل بن فضالة ، ومحمد بن كناسة ، كلهم رواه عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الأرقم كما رواه مالك ، ورواه [ ص: 204 ] وهيب بن خالد ، وأنس بن عياض ، وشعيب بن إسحاق ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن رجل حدثه ، عن عبد الله بن الأرقم ، فأدخل هؤلاء بين عروة وبين عبد الله بن الأرقم رجلا .

ذكر ذلك أبو داود ، ورواه أيوب بن موسى ، عن هشام ، عن أبيه أنه سمعه من عبد الله بن الأرقم ، فالله أعلم .

ذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج ، عن أيوب بن موسى ، عن هشام بن عروة ، عن عروة قال : خرجنا في حج أو عمرة مع عبد الله بن الأرقم الزهري فأقام الصلاة ، ثم قال : صلوا ، وذهب لحاجته ، فلما رجع قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا أقيمت الصلاة وأراد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط فهذا الإسناد يشهد بأن رواية مالك ومن تابعه في هذا الحديث متصلة ، وابن جريج وأيوب بن موسى ثقتان حافظان .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن سعيد الجمال قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن كناسة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الأرقم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا حضر الرجل الصلاة وأراد الخلاء بدأ بالخلاء .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الأرقم أنه كان يسافر فكان يؤذن لأصحابه ويؤمهم ، فثوب بالصلاة يوما ، فقال : ليؤمكم أحدكم فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا أراد أحدكم أن يأتي الخلاء وأقيمت الصلاة فليبدأ بالخلاء .

[ ص: 205 ] وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا أبي قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الأرقم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر نحوه .

ورواه أبو الأسود ، عن عروة ، عن عبد الله بن الأرقم ذكره ابن وهب ، ، عن ابن لهيعة ، ، عن أبي الأسود في هذا الحديث من الفقه أن لا يصلي أحد وهو حاقن ، واختلف الفقهاء فيمن صلى وهو حاقن ، فقال ابن القاسم ، عن مالك : إذا شغله ذلك فصلى كذلك فإني أحب أن يعيد في الوقت وبعده . وقال الشافعي وأبو حنيفة وعبيد الله بن الحسن : يكره أن يصلي وهو حاقن ، وصلاته جائزة مع ذلك إن لم يترك شيئا من فرضها . وقال الثوري : إذا خاف أن يسبقه البول قدم رجلا وانصرف . وقال الطحاوي : لا يختلفون أنه لو شغل قلبه بشيء من أمر الدنيا لم تستحب له الإعادة ، كذلك إذا شغله البول .

قال أبو عمر : أحسن شيء روي مسندا في هذا الباب حديث عبد الله بن الأرقم وحديث عائشة ، فأما حديث عبد الله بن الأرقم فقد مضى ، وأما حديث عائشة فأحسن أسانيده ما حدثناه عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد بن حنبل ومحمد بن عيسى ومسدد المعنى قالوا : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن أبي حرزة قال : حدثنا عبد الله بن محمد يعني ابن أبي بكر أخو القاسم بن محمد قال : كنا عند عائشة فجيء بطعامها فقام القاسم يصلي فقالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 206 ] يقول : لا يصلي أحد بحضرة الطعام ، ولا هو يدافعه الأخبثان ، وهذا حديث ثابت صحيح .

وأما ما روي عن الزهري ، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يصلي أحدكم وهو يدافع الأخبثين : الغائط ، والبول ، فلا أصل له في حديث مالك ، وهو موضوع الإسناد .

قال أبو عمر : قد أجمعوا أنه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل صلاته ولم يترك من فرائضها شيئا أن صلاته مجزية عنه ، فكذلك إذا صلاها حاقنا فأكمل صلاته . وفي هذا دليل على أن النهي عن الصلاة بحضرة الطعام من أجل خوف اشتغال بال المصلي بالطعام عن الصلاة وتركه إقامتها على حدودها ، فإذا أقامها على حدودها خرج من المعنى المخوف عليه وأجزته صلاته لذلك ، وقد روى يزيد بن شريح الحضرمي ، عن أبي حي المؤذن ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يحل لمؤمن أن يصلي وهو حاقن جدا رواه ثور بن يزيد الشامي ، عن يزيد بن شريح .

ورواه حبيب بن صالح ، عن يزيد بن شريح ، عن أبي حي المؤذن ، عن ثوبان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومثل هذا الخبر لا تقوم به حجة عند أهل العلم بالحديث ، ولو صح كان معناه أنه إذا كان حاقنا جدا لم يتهيأ له إكمال الصلاة على وجهها ، والله أعلم .

[ ص: 207 ] وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : من استطاع منكم فلا يصلي وهو موجع من خلاء أو بول ، وهذا - والله أعلم - يدل على الاستحباب .

وروي عنه أيضا أنه قال : لا يدافعن أحدكم الخبث في الصلاة . ذكره ابن المبارك .

أخبرنا عمران بن حدير ، عن نصر بن عاصم ، عن عمر بن الخطاب ، والخبر الأول عن عمر ذكره أيضا ابن المبارك ، عن حيوة بن شريح ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عبد الله بن رافع الحضرمي المصري ، عن عمرو بن معدي كرب سمع عمر ( يقول ) .

وذكر مالك ، عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال : لا يصلين أحدكم وهو ضام بين وركيه . وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا نعيم قال : حدثنا ابن المبارك قال : أخبرنا هشام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لأن أصلي وهو في ناحية من ثوبي أحب إلي من أن أصلي وأنا أدافعه . فهؤلاء كرهوا الصلاة للحاقن ، وجاءت فيه رخصة عن إبراهيم النخعي وطاوس اليماني .

ذكر ابن المبارك ، عن الثوري ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن إبراهيم قال : لا بأس به ما لم يعجلك . وعن سفيان ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن طاوس قال : إنا لنصره ضما وإنا لنضغطه .

قال أبو عمر : الذي نقول به أنه لا ينبغي لأحد أن يفعله ، فإن فعل وسلمت له صلاته أجزأت عنه وبئسما صنع ، وفي قوله في هذا الحديث وغيره : إذا أراد أحدكم الغائط ما يدلك على هروب العرب من الفحش والقذع ودناءة القول وفسولته ، [ ص: 208 ] ومجانبتهم للخنا كله ، فلهذا قالوا لموضع الغائط : الخلاء ، والمذهب ، والمخرج ، والكنيف ، والحش ، والمرحاض ، وكل ذلك كناية وفرار عن التصريح في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية