التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
59 حديث حاد وخمسون لهشام بن عروة

مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الاستطابة فقال : أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار .


[ ص: 308 ] هكذا روى هذا الحديث عن مالك جماعة الرواة مرسلا إلا ما ذكره سحنون في رواية بعض الشيوخ عنه ، عن ابن القاسم ، عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، وقد روي عن ابن بكير أيضا في الموطأ هكذا : عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، وهذا غلط فاحش ولم يروه أحد كذلك لا من أصحاب هشام ولا من أصحاب مالك ، ولا رواه أحد ، عن عروة ، عن أبي هريرة ، وإنما رواه بعض أصحاب عروة ، عن عروة ، عن عائشة ، وهو مسلم بن قرط ، وأما هشام بن عروة فاختلف عليه فيه : فطائفة ترويه عنه ، عن أبيه مرسلا ، كما رواه مالك ، وطائفة ترويه عنه ، عن عمرو بن خزيمة المدني ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، عن خزيمة بن ثابت ، وطائفة ترويه عنه ، عن أبي وجزة ، عن عمارة بن خزيمة ، عن أبيه خزيمة بن ثابت .

حدثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن ومحمد بن إبراهيم قالا : حدثنا أحمد بن مطرف ، حدثنا سعيد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح ، حدثنا حسين بن علي الجعفي ، حدثنا زائدة ، عن هشام بن عروة ، عن عمرو بن خزيمة المزني ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت الأنصاري ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ثلاثة أحجار ليس ( فيهن ) رجيع - يعني الاستطابة - وفي إسناد هذا الحديث اضطراب ( كثير ) .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن هشام بن عروة ، عن عمرو بن خزيمة ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، عن خزيمة بن ثابت قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : في الاستطابة ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع .

[ ص: 309 ] وكذلك رواه أبو معاوية وابن أسامة ، عن هشام بن عروة بمثل هذا الإسناد ، ورواه عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن هشام بن عروة ، عن أبي وجزة ، عن خزيمة بن ثابت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

ورواه إبراهيم بن المنذر الخزامي ، عن ابن عيينة ، عن هشام بن عروة ، عن أبي وجزة ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

ورواه عن ابن عيينة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا مثل رواية مالك ، وكذلك رواه ابن جريج ، عن هشام ، عن أبيه مرسلا مثل رواية مالك .

ورواه معمر ، عن هشام بن عروة ، عن رجل من مزينة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : في الاستطابة ثلاثة أحجار عند الخلاء ، ليس منهن رجيع والرجيع الذي ينتن . ورواه الفضل بن فضالة ، عن هشام بن عروة ، عن عمرو بن خزيمة ، عن عمارة بن خزيمة .

أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال : حدثنا أحمد بن سعيد قال : حدثنا محمد بن زبان قال : حدثنا زكرياء بن يحيى بن صالح قال : حدثنا المفضل بن فضالة ، عن هشام بن عروة أن عمرو بن خزيمة المزني أخبره أن عمارة بن خزيمة الأنصاري أخبره ، عن أبيه خزيمة بن ثابت ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع - يعني في الاستطابة - .

وروى ابن المبارك ، عن هشام بن عروة الحديثين جميعا ، فدل على أنهما حديثان وبان به ذلك ، والحمد لله .

قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا نعيم بن حماد قال : حدثنا ابن المبارك [ ص: 310 ] قال : أخبرنا هشام بن عروة - يعني الحجر مرتين - قال ابن المبارك : وأخبرنا هشام بن عروة ، عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار ؟ .

قال أبو عمر : جود ابن المبارك هذا الحديث بالإسنادين وما زال مجودا - رضي الله عنه - ، وقد ذكر عبد الرزاق ، عن ابن عيينة الحديثين جميعا ، عن هشام ، عن أبيه مرسلا .

وعن هشام ، عن أبي وجزة ، عن خزيمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

قال أبو عمر : قوله - صلى الله عليه وسلم - : ليس فيها رجيع يرد قول الطبري حيث قال : كل طاهر وكل نجس أزال النجو أجزأ ، ويرده أيضا حديث ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ رمى بالروثة وقال هي رجس أو ركس ، والذي عليه جمهور الفقهاء أنه لا يجوز الاستنجاء من الأحجار وما قام مقامها ، وقد مضى في باب ابن شهاب ما للعلماء في هذا الباب كله من التنازع واختلاف المذاهب ، والحمد لله .

وأما رواية مسلم بن قرط ، عن عروة في هذا الحديث ، فأخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد قالا : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم ، عن مسلم بن قرط ، عن عروة ، عن عائشة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بها ، فإنها تجزئ عنه .

[ ص: 311 ] وحدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرني قتيبة بن سعيد قال : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن أبي حازم ، ، عن أبي حازم ، عن مسلم بن قرط ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

قال أبو عمر : روى في هذا الباب جماعة من الصحابة فيهم أبو أيوب وسليمان وأبو هريرة ، وأثبتها حديث أبي هريرة وسلمان ، وكلها حسان ، قال الأخفش : الاستطابة الاستنجاء بالأحجار ، يقال منه استطاب الرجل وأطاب إذا استنجى ، ويقال : رجل مطيب ، إذا فعل ذلك ، قال الشاعر وهو الأعشى :


يا رخما قاظ على مطلوب يعجل كف الخاري المطيب



( وأما قوله : قاظ ، فإنه أراد قام عليه في القيظ في اليوم الصائف ) .

قال أبو عمر : الاستطابة والاستنجاء والاستجمار معنى هذه الثلاثة ألفاظ واحد ، وقد فسرنا معنى الاستجمار في اللغة والفقه ، وما للعلماء في الاستنجاء من المذاهب في أصول مسائله وفروعها مبسوطا ممهدا في باب ابن شهاب ، عن أبي إدريس الخولاني ، فلا وجه لتكرير ذلك هاهنا .

حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا أبو الفوارس أحمد بن محمد السندي قال : حدثنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا بشر بن بكر قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثني عثمان بن أبي سودة قال : حدثني أبو شعيب الحضرمي [ ص: 312 ] قال : سمعت أبا أيوب الأنصاري الذي نزل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا تغوط أحدكم فليستنج بثلاثة أحجار ، فإن ذلك طهوره .

وحدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا بكير بن الحسن الرازي قال : حدثنا بكار بن قتيبة القاضي قال : حدثنا صفوان بن عيسى قال : حدثنا محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما أنا لكم مثل أعلمكم ، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ، وإذا استطاب فلا يستطيب بيمينه ، وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى ، عن الروث والرمة .

وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا هدبة بن خالد قال : حدثنا حماد بن الجعد ، حدثنا قتادة ، حدثني خالد بن السائب الجهني ، ، عن أبيه السائب أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا دخل أحدكم الخلاء فليتمسح بثلاثة أحجار .

قال أبو عمر : هذه الآثار كلها والمرسل منها والمسند وهي صحاح كلها يوجب الاقتصار على ثلاثة أحجار في الاستنجاء دون تقصير عن هذا العدد ، وهذا موضع اختلف فيه العلماء ، فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلى أنه جائز الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار إذا ذهب النجو ، هذا هو المشهور من مذهب مالك لقوله - صلى الله عليه وسلم - : من استجمر فليوتر ، والوتر قد يكون واحدا وثلاثة وخمسة وأكثر من ذلك .

[ ص: 313 ] وقال الشافعي وأحمد بن حنبل وجماعة : لا يجوز أن يقتصر على أقل من ثلاثة أحجار في الاستنجاء ، وذكر أبو الفرج أنه مذهب مالك ، واحتج له بحديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب وحديث سلمان .

حدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : أخبرنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن سلمان ، قال له رجل : إن صاحبكم ليعلمكم حتى الخراءة ، قال : أجل ، نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول ، أو نستنجي بأيماننا ، أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار .

قال أبو عمر : تحصيل مذهب مالك عند أصحابه أن الاستنجاء بثلاثة أحجار حسن ، والوتر فيها حسن ، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من أوتر - يعني في ذلك - فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج ، وجائز عندهم الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بحجرين وروثة ، فأخذ الحجرين ورمى الروثة ولم يدع بالبدل منها ، ومذهب أبي حنيفة في الاستنجاء نحو مذهب مالك سواء ، قال أصحابه : يستنجي بثلاثة أحجار ، فإن لم ينق زاد حتى ينقي ، وإن أنقى حجر واحد أجزى ، وكذلك غسله بالماء ( إن أنقى بغسلة واحدة أجزأه في المخرج ، وما عدا المخرج فإنما يغسل بالماء ) ، وهو قول مالك والشافعي وأصحابهما فيما عدا المخرج من النجو أنه لا يطهره إلا الماء .

وقد ذكرنا أحكام الاستنجاء وكثيرا من مسائله مستوعبة مجودة في باب ابن شهاب ، عن أبي إدريس من هذا الكتاب ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية