التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
308 حديث ثالث وخمسون لهشام بن عروة

مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج في مرضه فأتى فوجد أبا بكر وهو قائم يصلي بالناس ، فاستأخر أبو بكر ، فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن كما أنت - فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنب أبي بكر ، فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر .


لم يختلف عن مالك فيما علمت في إرسال هذا الحديث ، وقد أسنده جماعة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، منهم حماد بن سلمة وابن نمير ، وأبو أسامة ، وفي هذا الحديث نسخ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الإمام : إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الصلاة صلى جالسا وأبو بكر إلى جنبه قائما يصلي بصلاته ويقتدي به ، والناس يصلون ويقتدون بأبي بكر قياما ، ومعلوم أن صلاته هذه في مرضه الذي توفي منه ، وأن قوله : إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا كان في حين سقط من فرسه فجحش شقه [ ص: 316 ] قبل هذا الوقت ، والآخر من فعله ينسخ الأول ؛ لأنه كان جالسا في هذه الصلاة وأبو بكر قائم خلفه والناس ، فلم يأمر أبا بكر بالجلوس ولا أحدا ، وهذا بين غير مشكل ، والحمد لله .

ومع هذا فإن النظر يعضد هذا الحديث ؛ لأن القيام فرض في الصلاة بإجماع المسلمين على كل من قدر على القيام ، وأظن ذلك أيضا لقول الله - عز وجل - : ( وقوموا لله قانتين ) وإذا كان القيام فرضا في الصلاة على كل أحد في خاصته ، فمحال أن يسقط عنه فرض قد وجب عليه لضعف غيره عنه وهو قوي عليه ، إلا أن يسقط بكتاب أو سنة أو إجماع ، وذلك معدوم في هذه المسألة ، ألا ترى أنه لا يحمل عنه ركوعا ولا سجودا ، فإن احتج محتج بأن الآثار متواترة عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الإمام : إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا رواها أنس وعائشة وأبو هريرة وجابر وابن عمر ، قيل له : لسنا ندفع ثبوت تلك الآثار ، ولكنا نقول : إن الآخر من فعله - صلى الله عليه وسلم - ينسخ ذلك ، فإن قيل : له إنه قد اختلف عن عائشة في صلاته تلك فروي عنها أن أبا بكر كان المقدم قيل له : ليس هذا باختلاف ؛ لأنه قد يجوز أن يكون أبو بكر هو المقدم في وقت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - المقدم في وقت آخر .

وقد روى الثقات الحفاظ أن أبا بكر كان خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بصلاته والناس قيام يصلون بصلاة أبي بكر ، فهذه زيادة حافظ ؛ وصف الحال وأتى بالحديث على وجهه .

حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، عن هشام بن عروة ، عن عروة ، عن عائشة قالت : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أن يصلي بالناس في مرضه ، وكان يصلي بهم .

[ ص: 317 ] قال عروة : فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نفسه خفة فخرج ، وإذا أبو بكر يؤم الناس ، فلما رآه أبو بكر استأخر ، فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن كما أنت ، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حذاء أبي بكر إلى جنبه ، فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر
.

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا يوسف بن عدي قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، قالت : فلما دخل أبو بكر في الصلاة وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خفة فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض حتى أتى المسجد ، ( قالت ) فلما دخل المسجد وجد أبو بكر حسه فذهب يتأخر ، فأومأ إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قم كما أنت ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جلس عن يسار أبي بكر ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدي بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر .

فإن قيل : إن شعبة روى عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( صلى ) خلف أبي بكر ، قيل له : ليس هذا بخلاف ؛ لأنه يمكن أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى خلف أبي بكر في غير تلك الصلاة في مرضه ذلك ، وليس بين المسلمين تنازع في جواز صلاة الجالس المريض خلف الصحيح ؛ لأن كلا يؤدي فرضه على قدر طاقته ، وإنما التنازع بينهم في الصحيح القادر على القيام هل يجوز له أن يصلي جالسا خلف إمام مريض جالس في صلاته أم لا ؟ فقال قوم : ذلك جائز [ ص: 318 ] لقوله - صلى الله عليه وسلم - : فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا ، وممن ذهب إلى هذا أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه قالا : جائز أن يصلي الإمام بالناس جالسا من علة ويصلون وراءه قعودا وهم قادرون على القيام ، واحتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا رفع فارفعوا ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا قال أحمد بن حنبل : وفعله أربعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وهم جابر ، وأبو هريرة ، وأسيد بن حضير ، وقيس بن فهد .

قال أبو بكر الأثرم قيل لأحمد : فمن احتج بحديث عائشة : آخر صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس وأبو بكر قائم يأتم به والناس قائمون يأتمون بأبي بكر ، فقال : قد كان الشافعي يحتج بهذا ، وليس في هذا حجة ؛ لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة قائما بقيام .

قال أبو عمر : فهذا قول ، وقال آخرون منهم الشافعي وأبو ثور وأبو حنيفة وأبو يوسف وزفر والأوزاعي : جائز أن يقتدي القائم بالقاعد في صلاة الفريضة وغيرها ، وهو قول داود ، وقالوا : لا يجوز لأحد أن يصلي جالسا وهو قادر على القيام إماما كان أو مأموما ، قالوا : وجائز أن يصلي الإمام لعلة تمنعه من القيام وهو جالس بقوم قيام ؛ لأن كلا يؤدي فرضه على قدر طاقته .

[ ص: 319 ] وحجة قائلي هذه المقالة أن أبا بكر كان واقفا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس يقتدي به ، والناس قيام يصلون بصلاة أبي بكر في صلاة واحدة .

وروى الوليد بن مسلم ، عن مالك أنه أجاز للإمام المريض أن يصلي بالناس جالسا وهم قيام ، قال : وأحب إلي أن يكون إلى جنبه من يعلم بصلاته ، ونحو هذا مذهب الشافعي .

وروى جماعة أصحاب مالك ، عن مالك ، وهو المشهور من مذهبه ، أن ليس لأحد أن يؤم جالسا وهو مريض بقوم أصحاء ، ومن فعل ذلك فصلاته فاسدة وعليهم الإعادة ، منهم من قال : في الوقت ، ومنهم من قال : أبدا ، وبعضهم قال : لا يعيد الإمام المريض ، وبعضهم قال : يعيد - كما ذكرنا كل ذلك - قاله أصحاب مالك ، وقد ذكرنا الحجة لمالك ومن قال بقوله في هذه المسألة مستوعبة في باب ابن شهاب ، عن أنس من هذا الكتاب ، والحمد لله .

وقال أبو حنيفة وأكثر أصحابه في مريض صلى ويسجد فائتم به قوم فصلوا خلفه قياما قال : يجزيه ويجزيهم ، قالوا : وإن كان الإمام يومئ إيماء ، أو كان مضطجعا والقوم يصلون خلفه قياما ، لم يجزهم ويجزيه هو .

وقال محمد بن الحسن ومالك والحسن بن حي والثوري في قائم اقتدى بجالس أو جماعة صلوا قياما خلف إمام جالس مريض : إنه يجزيه ولا يجزيهم .

[ ص: 320 ] وذكر ابن خواز منداد ، عن مالك قال : لا يؤم قاعد قياما ، فإن فعلوا أعادوا في الوقت . وقال عبد الملك بن عبد العزيز ومطرف : يعيدون أبدا .

وقال سحنون : اختلف في ذلك قول مالك واتفق أبو حنيفة وأبو يوسف ( ومحمد أنه لا يقتدي ويسجد قائما أو قاعدا بالمومئ ، وقال زفر : يقتدي به إذا زال العذر في الصلاة . واتفق الشافعي وأبو يوسف ) وزفر والأوزاعي وأبو ثور على جواز اقتداء القائم الصحيح بالقاعد المريض .

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : لا يقتدي القائم بالمضطجع ولا بالمومئ . قال أبو حنيفة وأبو يوسف : وإنما يقتدي بالقاعد .

وقال محمد بن الحسن : ولا بالقاعد . وهو قول مالك في غير رواية الوليد بن مسلم ، واحتج محمد بن الحسن لمذهبه في هذا الباب بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يؤمن أحد بعدي جالسا ، وهذا حديث مرسل ضعيف لا يرى أحد من أهل العلم كتابه ولا روايته ، وهو حديث انفرد به جابر الجعفي ، فرواه ، عن الشعبي ، عن النبي - عليه السلام - ، وجابر قد تكلم فيه ابن عيينة ، ومراسل الشعبي ليست عندهم بشيء ، فإن قيل : قد روى شعبة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عائشة ، أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلفه ، فالجواب في ذلك كالجواب في حديث شعبة ، عن الأعمش ، وقد مضى في هذا الباب .

وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن عبد السلام قال : حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا شعبة ، عن سليمان الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، ، عن عائشة قالت : من الناس من يقول : كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصف ، ومنهم من يقول : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - المقدم بين يدي أبي بكر .

[ ص: 321 ] قال أبو عمر : فأكثر أحوال حديث عائشة هذا عند المخالف أن يجعل متعارضا فلا يوجب حكما ، وإذا كان ذلك كذلك كانت رواية ابن عباس تقضي على ذلك ، فكيف ورواية من روى أن أبا بكر كان يصلي بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس يصلون بصلاة أبي بكر ، فيها بيان وزيادة يجب قبولها وهي مفسرة ، ورواية من روى أن أبا بكر كان المقدم مجملة محتملة للتأويل ؛ لأنه جائز أن تكون صلاة أخرى ، ولو صح أنها كانت صلاة واحدة كان في رواية من روى عن عائشة وغيرها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان المقدم ؛ زيادة بيان ؛ لأنه قد أثبت ما قال غيره من تقدم أبي بكر ، وزاد تأخره وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن روى أن أبا بكر كان المقدم لم يحفظ قصة تأخره وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتقدير ذلك أن تكون جماعتهم رأوا أبا بكر في حال دخوله في الصلاة ، فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانتهى إلى الصف الأول والصفوف كثيرة ، علم من قرب تغير حال أبي بكر ، وانتقال الإمامة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يعلم ذلك من بعد ، فلهذا قلنا : إن من نقل انتقال الإمامة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علم ما خفي على من قال : إن الإمام كان أبا بكر .

وقد يحتمل وجها آخر ، وذلك أن يكون أراد القائل أن أبا بكر كان الإمام ، يعني كان إماما في أول الصلاة ، وزاد القائل بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إماما ، يعني أنه كان إماما في آخر تلك الصلاة ، هذا لو صح أنها كانت صلاة واحدة ، ولو جاز أن يكون رواية عائشة متعارضة ، لكانت رواية ابن عباس التي لم يختلف فيها قاضية في هذا الباب على حديث عائشة المختلف فيه ، وذلك أن ابن عباس قال : إن أبا بكر كان يصلي بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقتدي به ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر ، كما قال هشام بن عروة ، عن أبيه في حديث عائشة ، فبان برواية ابن عباس أن الصحيح في حديث عائشة الوجه الموافق لقوله وبالله التوفيق ؛ لأنه يعضده ويشهد له .

[ ص: 322 ] وأما حديث ربيعة بن أبي عبد الرحمن فمنقطع لا حجة فيه ، وقد تكلمنا على معناه في تقديم أبي بكر ، وقول ربيعة فيه : ما مات نبي حتى يؤمه رجل من أمته ، فليس فيه ما يدل على أن أبا بكر المقدم ؛ لأنه قد صلى - صلى الله عليه وسلم - خلف عبد الرحمن بن عوف في السفر ، وقول ربيعة لا يتصل ولا يحتج به أحد له أدنى فهم بالحديث اليوم ، وكذلك ليس في قول من قال لعله نسخ ؛ لأنه لم يفعله أبو بكر ولا من بعده ما يشتغل به .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال : حدثنا الخضر بن داود قال : حدثنا أبو بكر الأثرم قال : حدثنا عبد الله بن رجاء قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أرقم بن شرحبيل قال : سافرت مع ابن عباس من المدينة إلى الشام فسألته : أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى ؟ فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما مرض مرضه الذي مات فيه . . . فذكر حديثا طويلا وفيه قال : ليصل للناس أبو بكر ، فتقدم أبو بكر فصلى بالناس ، ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نفسه خفة فخرج يهادي بين رجلين ، فلما أحس به الناس سبحوا ، فذهب أبو بكر يتأخر ، فأشار إليه بيده مكانك ، فاستفتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حيث انتهى أبو بكر من القراءة ، وأبو بكر قائم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس ، فائتم أبو بكر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وائتم الناس بأبي بكر ، فهذا حديث صحيح ، عن ابن عباس يعضد ما رواه عروة وغيره ، عن عائشة ، ولو انفرد لكان فيه كفاية وغنى عن غيره ، والحمد لله .

وأرقم بن شرحبيل ( هذا ) هو أخو هذيل بن شرحبيل ، وأخو عمرو بن شرحبيل أبي ميسرة ثقة جليل ، ذكر العقيلي ، عن محمد بن إسماعيل الصائغ ، عن [ ص: 323 ] الحسن بن علي الحلواني ، عن أبي أسامة ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق قال : كان أرقم بن شرحبيل أخو أبي ميسرة من أشراف الناس وخيارهم .

قال العقيلي : وحدثنا محمد بن إسماعيل قال : أخبرنا الفضل بن زياد الواسطي قال : حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، ، عن الأرقم بن شرحبيل ، ، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى إلى أبي بكر وهو يؤم الناس ، فجلس إلى جنب أبي بكر ، عن يمينه وأخذ من الآية التي انتهى إليها أبو بكر ، فجعل أبو بكر يأتم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، والناس يأتمون بأبي بكر .

قال أبو عمر : قد قال أبو إسحاق المروزي : من جعل أبا بكر المقدم وأنكر تقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الصلاة ، زعم أن تقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلاف سنته - صلى الله عليه وسلم - ، وأن قيام أبي بكر إلى جنبه كذلك أيضا ليس معروفا من سنته ، ولا معنى له .

قال أبو إسحاق : وهذا خطأ من قائله ؛ لأن قيام أبي بكر إلى جنب النبي - صلى الله عليه وسلم - له معنى حسن ، وهو أن الإمام يحتاج إلى أن يسمع الناس ، ويحتاج إلى أن تظهر لهم أفعاله ويرى قيامه وركوعه ليقتدوا به ، فلما ضعف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك أقام أبا بكر إلى جنبه لينوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في إسماعهم تكبيره ورؤيتهم لخفضه ورفعه ، ليعلموا أنه يفعل ذلك بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما يفعل في مساجد الجماعات أن يقام فيها من يرفع صوته بالتكبير لعجز الإمام عن إسماع جماعتهم ، فهذا المعنى في قيام أبي بكر خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد مضى القول في خلافة أبي بكر فيما تقدم من حديث هشام بن عروة في هذا الكتاب ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية