التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
475 [ ص: 324 ] حديث رابع وخمسون لهشام بن عروة

مالك عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه قال : نزلت ( عبس وتولى ) في عبد الله بن أم مكتوم جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقول : يا محمد ، استدنني ، وعند النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل من عظماء المشركين ، فجعل النبي - عليه السلام - يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول : يا فلان هل ترى بما أقول بأسا ، فيقول : لا والدمى ما أرى بما تقول بأسا ، فأنزلت ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) .


وهذا الحديث لم يختلف الرواة عن مالك في إرساله ، وهو يستند من حديث عائشة من رواية يحيى بن سعيد الأموي ويزيد بن سنان الزهاوي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، ومالك أثبت من هؤلاء ، ورواه ابن جريج ، عن هشام بن عروة ( بمثل حديث مالك ، وروى وكيع ، عن هشام ، عن أبيه ) ، عن أبيه عروة في قوله - عز وجل - : ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) قال : نزلت في ابن أم مكتوم .

وقال معمر ، عن قتادة قال : جاء ابن أم مكتوم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يكلم يومئذ أبي بن خلف ، فأعرض عنه فنزلت الآية ( عبس وتولى ) فكان بعد ذلك يكرمه . [ ص: 325 ] وأخبرنا يحيى بن يوسف حدثنا يوسف بن أحمد ، حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن عيسى الترمذي ، حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد قال : حدثنا أبي قال : مما عرضنا على هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : أنزلت ( عبس وتولى ) في ابن أم مكتوم الأعمى ، أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقول : يا رسول الله ، استدنني ، وعند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من عظماء المشركين ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول : أترى بما أقول بأسا ؟ فيقول : لا ، ففي هذا أنزلت ( عبس وتولى ) .

وأخبرنا عثمان بن أحمد قال : حدثنا محمد بن علي قال : حدثنا الحسن بن إبراهيم قال : حدثنا أبو عيسى محمد بن عيسى فذكره .

وأخبرنا خلف بن القاسم قال : حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد الخصيب القاضي بمصر قال : حدثنا أبو محمد الهيثم بن خلف بن عبد الرحمن بن مجاهد الغطوطي الدوري قال : حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال : حدثنا أحمد بن بشير ، حدثنا أبو البلاد ، عن مسلم بن صحيح ، عن مسروق قال : دخلت على عائشة وعندها رجل مكفوف تقطع له الأترج وتطعمه إياه بالعسل ، فقلت : من هذا يا أم المؤمنين ؟ فقالت : ابن أم مكتوم الذي عاتب الله فيه نبيه - صلى الله عليه وسلم - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده عقبة وشيبة فأقبل عليهم فنزلت ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) .

وذكر حجاج ، ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : جاءه ابن أم مكتوم وعنده رجال من قريش ، فقال له : علمني مما علمك الله ، فأعرض عنه وعبس في وجهه وأقبل على القوم يدعوهم إلى الإسلام ، فأنزلت ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نظر إليه بعد ذلك مقبلا بسط رداءه حتى يجلسه عليه ، وكان إذا خرج من المدينة استخلفه يصلي بالناس حتى [ ص: 326 ] يرجع . وقال ابن جريج ، عن مجاهد في قوله : ( أما من استغنى ) قال : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ( فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى ) قال ابن جريج : ابن أم مكتوم ( كلا إنها تذكرة ) قال ابن جريج : قال ابن عباس : تذكرة الغني والفقير . قال سنيد : وقال غير ابن جريج : ( أما من استغنى فأنت له تصدى ) قال : تقبل عليه بوجهك ( وما عليك ألا يزكى ) قال : ألا يصلح ( وأما من جاءك يسعى ) بعمل من الخير ( وهو يخشى ) الله ( فأنت عنه تلهى ) قال : تعرض ، ثم وعظه فقال : ( كلا ) لا تقبل على من استغنى وتعرض عمن يخشى ( إنها تذكرة ) قال : موعظة ( فمن شاء ذكره ) قال : القرآن ، من شاء فهم القرآن وتدبره واتعظ به .

قال أبو عمر : فيما أوردنا في هذا الباب عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم ما يفسر معنى هذا الحديث ويغنينا عن القول فيه .

وأما قوله : لا والدمى - بضم الدال - فالمعنى : الأصنام التي كانوا يعبدون ويعظمون ، واحدتها الدمية ، وطائفة روت عنه : لا والدماء - بكسر الدال - والمعنى : دماء الهدايا التي كانوا يذبحون بمنى لآلهتهم .

[ ص: 327 ] قال الشاعر وهو توبة بن الحمير :


علي دماء البدن إن كان بعلها يرى لي ذنبا غير أني أزورها



وقال آخر :


أما ودماء المزجيات إلى منى     لقد كفرت أسماء غير كفور



التالي السابق


الخدمات العلمية