التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
404 [ ص: 332 ] حديث سابع وخمسون لهشام بن عروة

مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم .


وهذا مرسل في الموطأ عند جميعهم ، وقد رواه عبيد الله بن عمر العمري ، عن نافع ، ، عن ابن عمر ، ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واختلف في معنى هذا الحديث ، فقيل : من صلاتكم يريد المكتوبة ، وقيل : النافلة ، ومن قال : إنها المكتوبة فلقوله - صلى الله عليه وسلم - : أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة فكيف يأمرهم بما قد أخبرهم أن غيره أفضل منه ؟ ومعروف أن حرف " من " حقيقته التبعيض ، لما في ذلك من تعليم الأهل حدود الصلاة معاينة ، وهو أثبت أحيانا من التعليم ، وقيل : أراد بقوله هذا النافلة ، على أن معنى قوله : اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم أي : اجعلوا صلاتكم في بيوتكم ، يعني النافلة ، وتكون " من " زائدة ، كقولهم : ما جاءني من أحد .

وأما ما جاء في الموطأ من حديث هشام بن عروة موقوفا ، وهو مرفوع مسند في غير الموطأ عند جماعة من العلماء ، فمن ذلك حديث مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن رجل من المهاجرين لم ير به بأسا أنه قال : سألت عبد الله بن عمرو بن العاصي : أأصلي في أعطان الإبل ؟ قال : لا ، ولكن صل في مراح الغنم . ومثل هذا من الفرق بين الغنم والإبل لا يدرك بالرأي ، والعطن موضع بروك الإبل بين الشربتين ؛ لأنها في سقيها ترد الماء مرتين طائفة بعد أخرى .

[ ص: 333 ] وقد روى هذا الحديث يونس بن بكير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : صلوا في مراح الغنم ، ولا تصلوا في أعطان الإبل ، ويونس بن بكير ليس ممن يحتج به عن هشام بن عروة فيما خالفه فيه مالك ؛ لأنه ليس ممن يقاس بمالك وليس بالحافظ عندهم ، والصحيح في إسناد هشام ما قاله مالك ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى من حديث أبي هريرة والبراء وجابر بن سمرة وعبد الله بن مغفل ، وكلها بأسانيد حسان ، وأكثرها تواترا وأحسنها حديث البراء وحديث عبد الله بن مغفل ، رواه نحو خمسة عشر رجلا عن الحسن ، وسماع الحسن من عبد الله بن مغفل صحيح .

وفي هذا الحديث دليل على أن ما يخرج من مخرجي الحيوان المأكول لحمه ليس بنجس ، وأصح ما قيل في الفرق بين مراح الغنم وعطن الإبل : أن الإبل لا تكاد تهدأ ولا تقر في العطن ، بل تثور ، فربما قطعت على المصلي صلاته ، وجاء في الحديث الثابت أنها جن خلقت من جن فبين العلة في ذلك ، وقد قيل : إنما كان يستتر بها عند الخلاء ، وهذا لا يعرف في الأحاديث المسندة ، وفي الأحاديث المسندة غير ذلك .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، ، عن عبد الله بن عبد الله الرازي ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء بن عازب قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عن الصلاة في مبارك الإبل ، فقال : لا تصلوا في مبارك الإبل ؛ فإنها من الشياطين ، وسئل عن الصلاة في مراح الغنم ، فقال : صلوا فيها فإنها بركة .

[ ص: 334 ] حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أخبرنا يونس ، عن الحسن ، عن عبد الله بن مغفل المزني قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل ؛ فإنها خلقت من الشياطين .

وفي بعض هذه الآثار : فإنها جن خلقت من جن . وهذا كله يشهد لما اخترناه من التأويل في ذلك ، والحمد لله .

وأما حديث مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت : ما أبالي في الحجر صليت أم في البيت . فهذا يستند من حديث علقمة بن أبي علقمة ، عن أمه ، عن عائشة . ذكره أحمد بن شعيب النسائي قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، حدثنا علقمة بن أبي علقمة ، ، عن أمه ، عن عائشة قالت : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فأدخلني الحجر وقال : إذا أردت دخول البيت فصلي هاهنا ؛ فإنه قطعة من البيت .

وقد ذكرنا بنيان الكعبة فيما تقدم من حديث ابن شهاب ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية