التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1853 [ ص: 19 ] مالك ، عن الوليد بن عبد الله بن صياد

حديث واحد

مالك ، عن الوليد بن عبد الله بن صياد أن المطلب بن عبد الله بن حويطب المخزومي أخبره أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما الغيبة ؟ فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن تذكر من المرء ما كره أن يسمع ، فقال رجل : يا رسول الله ، وإن كان حقا ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا قلت باطلا ، فذلك البهتان .


هكذا قال يحيى : المطلب بن عبد الله بن حويطب ، وإنما هو المطلب بن عبد الله بن حنطب كذلك قال ابن وهب ، وابن القاسم ، وابن بكير ، ومطرف ، وابن نافع ، والقعنبي ، عن مالك في هذا الحديث حنطب لا حويطب ، وهو الصواب إن شاء الله .

وهو المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب المخزومي عامة أحاديثه مراسيل ، ويرسل عن الصحابة يحدث عنهم ، ولم يسمع منهم ، وهو تابعي مدني ثقة يقولون : أدرك جابرا ، واختلف في سماعه من عائشة ، وحدث عن ابن عامر ، وأبي هريرة ، وأبي قتادة ، وأم سلمة ، وأبي موسى ، وأبي رافع ، ولم يسمع من واحد منهم ، وليس هذا [ ص: 20 ] الحديث في الموطأ ، وهو عنده في الزيادات ، وهو آخر حديث في كتاب الجامع من موطأ ابن بكير ، وهو حديث مرسل ، وقد روى العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى ، حدثنا علي بن محمد ، حدثنا أحمد بن داود قال : حدثنا سحنون قال : حدثنا ابن وهب قال : أخبرني عبد العزيز بن محمد ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أنه قيل يا رسول الله ما الغيبة ؟ فقال : ذكرك أخاك بما يكره قال ؟ أرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول ، فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول ، فقد بهته .

حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث قال : حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن قال : حدثنا جعفر بن محمد بن المستفاض قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة قال : سمعت العلاء بن عبد الرحمن يحدث عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : هل تدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : ذكرك أخاك بما يكره .

قال : أرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول ، فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول ، فقد بهته
.

[ ص: 21 ] قال أبو عمر :

رواه جماعة ، عن العلاء كما رواه شعبة سواء ، وهذا حديث يخرج في التفسير المسند في قول الله - عز وجل - : ( ولا يغتب بعضكم بعضا ) .

فبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغيبة ، وكيف هي ؟ وما هي ؟ وهو المبين ، عن الله - عز وجل - صلى الله عليه وسلم .

حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا أحمد بن أسامة بن عبد الرحمن بن أبي السمح ، حدثنا أبي قال : حدثنا هارون بن سعيد ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثنا ابن زيد قال : قال محمد بن المنكدر : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم خرج من هذا البيت ، فمر برجلين أعرفهما ، وأعرف أنسابهما ، فقال : عليكما لعنة الله ، والملائكة ، والناس أجمعين ، فإنكما لا تؤمنان بالله ، ولا باليوم الآخر ، فقلت : أجل يا رسول الله ، فعليهما لعنة الله ، والملائكة ، والناس أجمعين ، فما ذنبهما ؟ قال : ذنبهما أنهما يأكلان لحوم الناس .

قال أبو عمر :

يصحح هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - : من كان يؤمن بالله ، واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليسكت .

وهذا ، وما كان مثله إنما معناه نقصان الإيمان ، وعدم كماله لا الكفر ، وقد بينا مثل هذا في غير موضع ، والحمد لله .

[ ص: 22 ] أخبرنا عبد الرحمن حدثنا علي ، حدثنا أحمد ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب ، عن ابن لهيعة قال : أخبرني سليمان بن كيسان ، قال : كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر عنده رجل بفضل أو صلاح قال : كيف هو إذا ذكر عنده إخوانه ؟ فإن قالوا : إنه ينتقصهم ، وينال منهم قال عمر : ليس هو كما تقولون ، وإن قالوا : إنه يذكر منهم جميلا ، وخيرا ، ويحسن الثناء عليهم قال : هو كما تقولون إن شاء الله .

قال أبو عمر :

يكفي في ذم الغيبة قول الله - عز وجل - ( ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ) .

وقال الشاعر :


احذر الغيبة فهي ال فسق لا رخصة فيه     إنما المغتاب كالآ
كل من لحم أخيه



وروى ابن علية ، عن يونس بن عبيد ، عن محمد بن سيرين قال : ظلم لأخيك المسلم أن تقول أسوأ ما تعلم فيه .

وعن الحسن البصري أنه سأله رجل ، فقال : يا أبا سعيد اغتبت فلانا ، وأنا أريد أن أستحله ، فقال : لم يكفك أن اغتبته حتى تريد أن تبهته .

[ ص: 23 ] وعن قتيبة بن مسلم أنه سمع رجلا يغتاب آخر ، فقال : أمسك عليك ، فوالله لقد مضغت مضغة طالما لفظها الكرام .

وعن عتبة بن أبي سفيان ، أنه قال لابنه عمرو : إياك ، واستماع الغيبة نزه سمعك عن الخنا ، كما تنزه لسانك عن البذا فإن المستمع شريك القائل ، وإنما نظر إلى أخبث ما يكون في وعائه ، فألقاها في وعائك ; ولقد أحسن القائل :


تحر في الطريق أوساطها     وعد عن الموضع المشتبه
وسمعك صن عن سماع القبي     ح كصون اللسان عن القول به
فإنك عند استماع القبي     ح شريك لقائله فانتبه



وهذا مأخوذ من قول كعب بن زهير - والله أعلم -


فالسامع مع الذم شريك له     ومطعم المأكول كالآكل



وكان أبو حازم يقول : أربح التجارة ذكر الله ، وأخسر التجارة ذكر الناس يعني بالشر ، وهذا باب يحتمل أن يفرد له كتاب ، وقد أكثر العلماء ، والحكماء من ذم الغيبة ، والمغتاب ، وذم النميمة والنمام وجاء عنهم في ذلك من نظم الكلام ونثره ما يطول ذكره ، ومن وفق كفاه من الحكمة يسيرها إذا استعملها ، وما توفيقي إلا بالله ، وقد ذكرنا في [ ص: 24 ] بهجة المجالس في باب الغيبة من النظم والنثر ما فيه الكفاية ، والحمد لله .

ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول القائل :


إن شر الناس من يشكر لي     حين يلقاني وإن غبت شتم
ويحييني إذا لاقيته     وإذا يخلو له لحمي كدم
وكلام سيئ قد وقرت     منه أذناي وما بي من صمم
لا يراني راتعا في مجلس     في لحوم الناس كالسبع الضرم



أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ببغداد إملاء يوم الجمعة سنة تسع وأربعين وثلاثمائة ، قال : حدثنا عبد الله بن روح المدائني قال : حدثنا شبابة بن سوار قال : حدثنا المغيرة بن مسلم ، عن يحيى البكاء قال : كنت عند ابن عمر ، فجاءه رجل ، فوقع في الحجاج وشتمه ، فقال ابن عمر : أرأيت لو كان شاهدا أكنت تقول هذا ؟ فقال : لا ، فقال : كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية