التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1262 [ ص: 130 ] حديث خامس لربيعة بن أبي عبد الرحمن مسند صحيح

مالك ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن ابن محيريز أنه قال : دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه ، فسألته عن العزل فقال أبو سعيد الخدري : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من سبي العرب ، فاشتهينا النساء ، واشتدت علينا العزبة ، وأحببنا الفداء ، فأردنا أن نعزل فقلنا نعزل ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا قبل أن نسأله ، فسألناه عن ذلك فقال : ما عليكم ألا تفعلوا ، ما من [ ص: 131 ] نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة


( هكذا جاء هذا الحديث في الموطأ ) . قال أبو عمر :

ورواية ربيعة لهذا الحديث ، عن محمد بن يحيى بن حبان تدخل في باب رواية النظير عن النظير ، والكبير عن الصغير ، وفي هذا ما يدلك على ما كان القوم عليه من البحث عن العلم ، واستدامة طلبه العمر كله ، ثم كل من طمع به عنده .

وقد روى هذا الحديث جويرية ، عن مالك ، عن الزهري ، عن ابن محيريز ، عن أبي سعيد الخدري ، وما أظن أحدا رواه عن مالك بهذا الإسناد غير جويرية ، ذكره السدي ، عن العباس ( 1415 ، عن عبد الله بن محمد بن أسماء ، عن جويرية ، عن مالك ، وكذلك رواه - عقيل - ، وشعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، عن ابن محيريز ( عن أبي سعيد الخدري ) ، وخالفهما إبراهيم بن سعد - ( ورواه يحيى بن أيوب ، عن ربيعة ، عن محمد [ ص: 132 ] بن يحيى بن حبان ، عن ابن محيريز ، قال : دخلت أنا وأبو صرمة ، وكان أكبر مني وأفضل ، على أبي سعيد الخدري فسألناه عن العزل ، فقال : أسرنا بني المصطلق فأردنا أن نعزل ، ورغبنا في الفداء فقلنا : نعزل ، وفينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره سواء بمعناه .

ورواه ابن أبي فديك ، عن الضحاك بن عثمان ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن ابن محيريز الشامي : أنه سمع أبا سعيد الخدري ، وأبا صرمة المازني يقولان : أصبنا سبايا في غزوة بني المصطلق ، وهي الغزوة التي أصاب فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جويرية ، فكان منا من يريد أن يتخذ أهلا ، ومنا من يريد أن يستمتع ويبيع ، فتذاكرنا العزل فذكرنا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : لا عليكم ألا تفعلوا ، فإن الله عز وجل قد قدر ما هو خالق إلى يوم القيامة ، ولهذا الاضطراب في ذكر أبي صرمة في هذا الحديث لم يذكره مالك في حديثه - والله أعلم - ) ، وخالفهما إبراهيم بن سعد فرواه عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي سعيد الخدري .

وحديث مالك ، وشعيب ، وعقيل هو الصواب عندهم - والله أعلم - .

[ ص: 133 ] وأما حديث جويرية فحدثناه خلف بن قاسم قال : حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله قال : حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال : حدثنا جويرية ، عن مالك ، عن الزهري ، عن ابن محيريز ، عن أبي سعيد الخدري ، أخبره أنه قال : أصبنا سبايا ، فكنا نعزل ، فسألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال لنا : وإنكم لتفعلون ، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة .

( وأما حديث عقيل فأخبرنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا أحمد بن مطرف الأعناقي قال : حدثنا محمد بن عزيز قال : حدثنا سلامة ، عن عقيل قال : سألت ابن شهاب عن الرجل يعزل عن امرأته فقال : أخبرني عبد الله بن محيريز [ ص: 134 ] أن أبا سعيد الخدري أخبره قال : بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال له رجل : يا رسول الله إنا نصيب سبايا ، ونحب الأثمان ، فكيف ترى في العزل فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وإنكم لتفعلون ذلك ، لا عليكم ألا تفعلوا ; فإنها ليست نسمة كتب الله لها أن تخرج ، إلا وهي خارجة ، فلا نرى أن هذا كان نهيا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعزيمة ) .

وأما ابن محيريز هذا ، فاسمه عبد الله ، نزل المدينة ، وهو معدود في الشاميين من جلة التابعين وخيارهم ، روى عنه مكحول .

وفي هذا الحديث من الفقه ، أن العرب تسبى ، وتسترق ، وهو أصح حديث يروى في هذا المعنى .

وفيه رد على من قال : إن العرب لا تسترق ، وفيه إباحة الوطء بملك اليمين ، وأن ما وقع في سهم الإنسان من الغنيمة ملك يمينه ، وذلك - والحمد لله - من أطيب الكسب ، وهو مما أحله الله لهذه الأمة ، وحرمه على من قبلها .

وجواز الوطء بملك اليمين مقيد بمعان في الشريعة : منها : أنه لا يدخل في ذلك ذوات المحارم من النسب والرضاع ( ومنها : ألا توطأ من ليست كتابية حتى تسلم ) .

ومنها ألا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تحيض حيضة .

وأما وطء نساء بني المصطلق ، فلا يخلو أمرهن من أن يكن من نساء العرب الذين دانوا بالنصرانية ، أو اليهودية ، فيحل [ ص: 135 ] وطؤهن ، أو يكن من الوثنيات فتكون إباحة وطئهن منسوخة بقول الله تعالى ولا تنكحوا المشركات يعني الوثنيات ، ومن ليس من أهل الكتاب حتى يؤمن .

وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار ، وجمهور العلماء ، وما خالفه فشذوذ لا يعرج عليه ( ولا يعد خلافا ) .

وفيه : أن الرجل يجوز له أن يخبر عن - نفسه - بما فيه مما لا نقيصة عليه في دينه - منه - من شهوة النساء للعفاف ، وحب المال للتستر والكفاف والاستغناء عن الناس ، ألا ترى إلى قوله : اشتدت علينا العزبة ، وأحببنا الفداء .

وأما قوله : فما عليكم ، فما بمعنى ليس ، ولا زائدة كقوله تعالى ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك بمعنى أن تسجد ، فيكون تقدير الكلام : قوله عليه السلام : ما عليكم أن تفعلوا أي : لا حرج عليكم في العزل .

وقوله : ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة ، أراد ما من نسمة قدر الله أن تكون إلا ولا بد من كونها ، فلا يوجب العزل منع الولد ، كما لا يوجب الاسترسال أن يأتي الولد ، بل ذلك بيده تعالى لا إله إلا هو ) .

وفيه : أن أم الولد لا يجوز بيعها لقوله : وأحببنا الفداء فأردنا أن نعزل ، والفداء هاهنا الثمن في البيع أو أخذ الفداء من أقاربهن [ ص: 136 ] من المشركين فيهن ; لأن كل واحد قد ملك ما وقع في سهمه من السبي ، فأرادوا الوطء ، وخافوا الحمل المانع من الفداء والبيع ، فهموا بالعزل رجاء السلامة من الحمل في الأغلب ، ولم يقدموا على العزل حتى سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; لأن اليهود كانت تقول بين أظهرهم : إن العزل هو الموؤدة الصغرى ، وكانوا أهل كتاب فلم يقدموا على العزل لما كان في نفوسهم من قول اليهود ، حتى وقفوا على ما في ذلك عند نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وفي شريعتهم ، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فأباح لهم العزل ، ولو كانت أم الولد يجوز بيعها ، ولم يمنع من ذلك حملها ; لبلغوا من الوطء ما أحبوا مع حاجتهم إلى ذلك ، ولكنهم لما أرادوا الفداء أحبوا العزل ليسلم ذلك لهم ، ثم لم يقدموا على ذلك حتى سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرهم أن الله قد فرغ من العباد ، وقد علم كل نسمة كائنة وقدرها ، وجف القلم بها ، وما قدر لم يصرف .

وهذا الحديث من أصح شيء في المنع من بيع أمهات الأولاد ، وقد أجمع المسلمون على منع بيع أم الولد ما دامت حاملا من سيدها ، ثم اختلفوا في بيعها بعد وضع حملها .

وأصل المخالف أنه لا ينتقض إجماع إلا بمثله ، وهذا قطع لقوله هاهنا ، ( إلا أنه يعترض بزوال العلة المانعة من بيعها ; لأنه إذا زال الحمل المانع من ذلك وجب أن يزول بزواله المنع من البيع ، ولهم في ذلك ضروب من التشغيب ، وأما طريق الاتباع للجمهور الذي يشبه الإجماع فهو المنع من بيعهن ) ، وعلى المنع من [ ص: 137 ] بيعهن جماعة فقهاء الأمصار منهم مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وجمهور أهل الحديث .

وقد قال الشافعي في بعض كتبه بإجازة بيعهن ، ولكنه قطع في مواضع كثيرة من كتبه بأنهن لا يجوز بيعهن ، وعلى ذلك عامة أصحابه ، والقول ببيع أمهات الأولاد شذوذ تعلقت به طائفة : منهم داود ( اتباعا لعلي رضي الله عنه ، ولا حجة لها في ذلك ) ( ولا سلف لها ) لأن علي بن أبي طالب مختلف عنه في ذلك ( وأصح شيء عنه في ذلك ما ذكره الحلواني قال : حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا وهيب قال : حدثنا عطاء بن السائب قال : سمعت عبيدة يقول : كان علي يبيع أمهات الأولاد في الدين ) ، وقد صح عن عمر في جماعة من الصحابة المنع من بيعهن [ ص: 138 ] ومن حجة من أجاز بيعهن ما روي عن جابر : كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد روي عن أبي سعيد الخدري مثل ذلك أيضا .

( وهي آثار ليست بالقوية ، وفيها ) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في مارية إذ ولدت إبراهيم : أعتقها ولدها .

والحجج متساوية في بيعهن للقولين جميعا من جهة النظر .

وأما العمل والاتباع ، فعلى مذهب عمر رضي الله عنه . ا هـ .

وفي هذا الحديث برهان واضح على إثبات قدم العلم ، وأن الخلق يجرون في علم الله وقدره ، فلا يخرج شيء من خلقه عن ذلك عز الله وجل تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا .

[ ص: 139 ] وروى حماد بن زيد ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي في قوله وكل شيء فعلوه في الزبر قال : كتب عليهم قبل أن يعملوه .

وروى شعبة ، عن أبي هشام ، عن مجاهد في قوله تعالى لولا كتاب من الله سبق قال : كان في علمه أنهم كانوا يأخذون الغنائم .

وروى سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير في قوله أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال : ما كتب لهم من الشقاء والسعادة .

وعن ابن عباس في قوله وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص قال : ما قدر لهم من خير وشر .

وجملة القول في القدر - أنه سر الله لا يدرك بجدال ولا نظر ، ولا تشفي منه خصومة ولا احتجاج ، وحسب المؤمن من القدر أن يعلم أن الله لا يقوم شيء دون إرادته ، ولا يكون شيء إلا بمشيئته ، له الخلق والأمر كله ، لا شريك له ، نظام ذلك قوله وما تشاءون إلا أن يشاء الله ، وقوله إنا كل شيء خلقناه بقدر ، وحسب المؤمن من القدر أن يعلم أن الله لا يظلم مثقال ذرة ، ولا يكلف نفسا إلا وسعها ، وهو الرحمن الرحيم ، فمن رد على الله تعالى خبره في الوجهين ( أو في أحدهما كان عنادا وكفرا ) ، وقد ظاهرت الآثار في التسليم للقدر ، والنهي عن الجدل فيه ، والاستسلام له ، والإقرار بخيره وشره [ ص: 140 ] والعلم بعدل مقدره وحكمته ، وفي نقض عزائم الإنسان برهان فيما قلنا وتبيان ، والله المستعان .

حدثنا محمد بن زكرياء قال : حدثنا أحمد بن سعيد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا مروان بن عبد الملك قال : حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا حبيب بن الشهيد ، عن محمد بن سيرين قال : ما ينكر هؤلاء أن يكون الله عز وجل علم علما فجعله كتابا ؟ .

حدثنا أحمد بن قاسم ، وعبد الرحمن قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا خالد بن القاسم قال : حدثنا الليث بن سعد ، وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا عبد الله بن صالح قالا جميعا : حدثنا معاوية بن صالح : أن علي بن أبي طلحة حدثه أن أبا الوداك أخبره عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن العزل ، فقال : ما من كل ماء يكون الولد ، وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء .

[ ص: 141 ] وروى يحيى القطان ، عن مجالد ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال : حدثنا عيينة بن المنهال قال : قال بلال بن أبي بردة لمحمد : ما تقول في القضاء والقدر ، فقال : أيها الأمير إن الله تبارك وتعالى لا يسأل عباده يوم القيامة عن قضائه وقدره ، وإنما يسألهم عن أعمالهم .

وفي هذا الحديث دليل على أن السباء يقطع العصمة بين الزوجين ، ألا ترى أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انطلقوا على وطء السبايا يومئذ ، كل واحد منهم انطلقت يده في ذلك على من وقع في سهمه منهن ، وأرادوا العزل عنهن ، وذلك محمول عند أهل العلم على أن ذلك إنما كان منهم بعد الاستبراء ; لأنه مذكور في غير ما خبر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يومئذ : لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تحيض حيضة رواه شريك ، عن قيس بن وهب ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد .

وروي من حديث جابر ، وأنس ، ورويفع بن ثابت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه .

[ ص: 142 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا مقدام بن عيسى قال : حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر قال : حدثني أبي عن جعفر بن ربيعة ، عن أبي مرزوق ، عن حنش الصنعاني ، عن رويفع [ ص: 143 ] بن ثابت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه ولد غيره .

ورواه محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي مرزوق مولى تجيب ، عن حنش ، سمع رويفع بن ثابت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

والأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تحيض حيضة أحاديث حسان ، وعليها جماعة أهل العلم في الوطء الطارئ بملك اليمين .

وليس عند مالك في هذا حديث مسند ، وعنده فيه عن يحيى بن سعيد بن المسيب أنه كان يقول : ( ( ينهى أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها ، وأن يطأ الرجل وليدة جنين لغيره ) ) .

واختلف الفقهاء في الزوجين إذا سبيا معا فقال أبو حنيفة ، وأصحابه : إذا سبي الحربيان ، وهما زوجان معا فهما على النكاح ، وإن سبي أحدهما قبل الآخر ، وأخرج إلى دار الإسلام ، فقد وقعت الفرقة ، وهو قول الثوري .

وقال الأوزاعي : إذا سبيا معا فما كانا في المقاسم فهما على النكاح ، فإن اشتراهما رجل ، فإن شاء جمع بينهما ، وإن شاء [ ص: 144 ] فرق بينهما ، فاتخذها لنفسه ، أو زوجها لغيره بعد أن يستبرئها بحيضة ، وهو قول الليث بن سعد .

وقال الحسن بن حي : إذا سبيت ذات زوج استبرئت بحيضتين ، وغير ذات زوج بحيضة .

وقال الشافعي : إذا سبيت بانت من زوجها ، سواء كان معها أو لم يكن قال : والسباء يقطع العصمة على كل حال ; لأن الله قد أحل فروجهن في الكتاب والسنة للذين سبوهن ، وصرن بأيديهم ، وملك أيمانهم ، وهو قول مالك فيما روى ابن وهب ، وابن عبد الحكم ، وهو قولهما ، وقول أشهب ، وقال ابن القاسم في ذلك مثل قول أبي حنيفة : إذا سبيا معا أو مفترقين ، ورواه عن مالك ، وكل هؤلاء يقول في قول الله عز وجل والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم : إنهن السبايا ذوات الأزواج يحلهن السباء .

وفي حديث أبي سعيد الخدري هذا دليل واضح على ذلك ، وفيه تفسير الآية ، وهو أولى ما قيل في تفسيرها .

وقال ابن مسعود ، وابن عباس ، وأبي بن كعب : إن معنى الآية في الإماء ذوات الأزواج ، وأنهن إذا ملكن جاز وطؤهن بملك اليمين ، وكان بيعهن طلاقهن ، والتفسير الأول عليه جمهور الفقهاء .

وقد روى أبو علقمة الهاشمي ، عن أبي سعيد الخدري أن هذه الآية قوله عز وجل والمحصنات من النساء نزلت في سبايا أوطاس ، وقاله الشعبي ، وأكثر أهل التفسير .

[ ص: 145 ] حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن أبي الخليل أن أبا علقمة الهاشمي حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثهم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث يوم حنين سرية فأصابوا أحياء من أحياء العرب يوم أوطاس فقتلوهم ، وهزموهم ، وأصابوا نساء لهن أزواج ، فكأن أناسا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - تأثموا من غشيانهن من أجل أزواجهن فأنزل الله والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم منهن فحلال لكم .

وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عبد الله بن عمر بن ميسرة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن صالح أبي الخليل ، عن أبي علقمة الهاشمي ، عن أبي سعيد الخدري : [ ص: 146 ] أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بعثا يوم حنين إلى أوطاس ، فلقوا عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم ، وأصابوا لهم سبايا ، فكأن أناسا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين ، فأنزل الله في ذلك والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن .

قال أبو عمر :

وهذه اللفظة حجة للحسن بن حي في اعتباره العدة في ذلك ، وفي حديث بريرة ما يبين أن بيع الأمة ليس بطلاقها ، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم من كتابنا هذا .

( وفي هذا الحديث أيضا : إباحة العزل ، وقد اختلف السلف في ذلك ، والحجة قائمة لمن أجازه بهذا الحديث وما كان مثله . - .

حدثنا خلف بن قاسم قال : حدثنا محمد بن قاسم بن شعبان قال : حدثنا محمد بن الحسن بن الضحاك قال : حدثنا [ ص: 147 ] أبو مروان العثماني قال : حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ، عن ابن شهاب الزهري أن زيد بن ثابت ، وابن مسعود كانا يعزلان ، وكان عمر ، وابن عمر يكرهان العزل ) .

( وفي الحديث أيضا أن للرجل ) أن يعزل عن الأمة بغير أمرها ، وأنها لا حق لها في ذلك ; لأنهم لم يحتاجوا في أمر العزل إلى أكثر من معرفة جوازه في الشريعة لم يضيفوا إلى ذلك استئمار الإماء ، ولا مشاورتهن ، فدل ذلك على جواز العزل عنهن دون رأيهن .

والأصول تشهد لصحة هذا التأويل ، والإجماع ، والقياس ; لأنه لما جاز له أن يمنع أمته الوطء أصلا ، كان له العزل عنها أحرى بالجواز ، وهذا أمر وإن كان جاء عن بعض السلف كراهية العزل ، فإن أكثرهم على إباحته وجوازه ، وهو أمر لا خلاف فيه بين فقهاء الأمصار فيه ، والحمد لله .

[ ص: 148 ] وكذلك لا خلاف بين العلماء أيضا في أن الحرة لا يعزل عنها إلا بإذنها ; لأن الجماع من حقها ، ولها المطالبة به ، وليس الجماع المعروف التام إلا أن لا يلحقه العزل .

وفي الموطأ ، عن سعد بن أبي وقاص ، وأبي أيوب الأنصاري ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس - جواز العزل ، وإباحته ( حدثنا عبد الله بن سعد قال : حدثنا أحمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا سعيد بن عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : اختلف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العزل ، وإنما هو حرثك ، إن شئت سقيته ، وإن شئت عطشته ) فإن قيل قد روى حماد بن زيد ، عن عاصم ، عن زيد ، عن علي أنه كان يكره العزل ، ويقول : هو الوأد الخفي ، قيل : لو صح هذا عن علي ، كانت الحجة فيما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون قوله ; لأنه قد ثبت في هذا الحديث قول الصحابة : فأردنا أن نعزل فقلنا : نعزل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا قبل أن نسأله ؟ فسألناه فقال : ما عليكم ألا تفعلوا ، فأي شيء أبين من إباحة العزل وإجازته ، وهذا في السنة الثابتة ، وهي الحجة عند التنازع ، وقد صح عن علي خلاف هذا ، وروى يزيد بن أبي حبيب ، عن معمر بن أبي حبيبة ، عن معاذ بن أبي رفاعة قال : شهدت نفرا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرون الموءودة ، فيهم علي ، وعمر ، وعثمان ، والزبير ، وطلحة ، وسعد ، فاختلفوا فقال عمر : إنكم أصحاب رسول الله [ ص: 149 ] - صلى الله عليه وسلم - تختلفون في هذا ، فكيف بمن بعدكم ؟ فقال علي : إنها لا تكون موءودة حتى يأتي عليها الحالات السبع ، فقال له عمر : صدقت ، أطال الله بقاءك ، قال ابن لهيعة : إنها لا تكون موءودة حتى تكون نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظما ، ثم لحما ، ثم تظهر ، ثم تستهل فحينئذ إذا دفنت فقد وئدت ; لأن من الناس من قال : إن المرأة إذا أحست بحمل ، فتداوت حتى تسقطه فقد وأدته ، ومنهم من قال : العزل الموءودة الصغرى ، فأخبر علي رضي الله عنه أن ذلك لا يكون موءودة إلا بعد ما وصف ، وقد قيل في قول الله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم إن شئت فاعزل ، وإن شئت فلا تعزل . قاله جماعة من العلماء ، وإن كان في ذكر الآية قولان غير هذا .

ذكر إسماعيل بن أبي أويس عن مالك قال : لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها ، وإن كانت تحته أمة لقوم تزوجها ، فلا يعزل عنها إلا بإذن أهلها ، وإن كانت أمته فليعزل إن شاء .

واختلف الفقهاء في العزل عن الزوجة الأمة ، فقال مالك ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما : الإذن في العزل عن الزوجة الأمة إلى مولاها .

( وعن الثوري روايتان : إحداهما : لا يعزل عنها إلا بأمرها ، والأخرى بأمر مولاها ) .

[ ص: 150 ] وقال الشافعي : له أن يعزل عن الزوجة الأمة دون إذنها ، ودون إذن مولاها ، وليس له العزل عن الحرة إلا بإذنها ، وقد روي في هذا الباب حديث مرفوع في إسناده ضعف .

ولكن إجماع الحجة على القول يقضي بصحته .

حدثناه خلف بن قاسم قال : حدثنا ابن المفسر قال : حدثنا أحمد بن علي القاضي قال : حدثنا أبو زهير بن حرب قال : حدثنا إسحاق بن عيسى قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن جعفر بن ربيعة ، عن الزهري ، عن محرر بن أبي هريرة ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها ( ومن حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن لي جارية أفأعزل عنها ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - سيأتيها ما قدر لها ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية