التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
846 [ ص: 67 ] حديث ثالث ليزيد بن الهادي

مالك ، عن يزيد بن عبد الله بن الهادي ، عن أبي مرة مولى أم هانئ ، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه دخل على أبيه عمرو بن العاصي ، فوجده يأكل قال : فدعاني قال : فقلت : له إني صائم ، فقال : هذه الأيام التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامهن ، وأمرنا بفطرهن . قال مالك : وهي أيام التشريق .


هكذا يقول : يحيى في هذا الحديث ، عن أبي مرة مولى أم هانئ ، عن عبد الله بن عمرو ، وأنه أخبره أنه دخل على أبيه عمرو بن العاصي ، فجعل ، الحديث ، عن أبي مرة ، عن عبد الله بن عمرو ، عن أبيه لم يذكر سماع أبي مرة من عمرو بن العاصي ، وقال يحيى - أيضا - مولى أم هانئ امرأة عقيل ، وهو خطأ فاحش أدركه عليه ابن وضاح ، وأمر بطرحه ، قال : وللصواب أنها أخته لا امرأته ، وقال سائر الرواة ، عن مالك ، وابن القاسم ، وابن وهب ، وابن بكير ، وأبي مصعب ، ومعن ، والشافعي ، وروح بن عبادة ، ومحمد بن الحسن ، وغيرهم في هذا الحديث ، عن يزيد بن الهادي ، عن أبي مرة مولى أم هانئ أنه دخل مع عبد الله بن عمرو بن العاصي ، وروى ابن وهب ، وغيره عن مخرمة بن بكير بن الأشج ، عن أبيه ، قال : سمعت أبا مرة [ ص: 68 ] يحدث ، عن أبي رافع مولى ابن العجماء ، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال دخلت على عمرو بن العاصي الغد من يوم النحر ، وعبد الله صائم ، فقال : اقترب ، فكل ، فقلت : إني صائم ، فقال : عمرو ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى ، عن صيام هذه الأيام ذكره أبو الحسن الدارقطني حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا أحمد بن عبد الله محمد بن وهب حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، فذكره .

ورواية مخرمة بن بكير هذه تشهد لرواية يحيى بن يحيى ، عن مالك بأن أبا مرة لم يسمع الحديث من عمرو بن العاصي ، - والله أعلم - .

وقال ابن أخي ابن وهب ، والربيع بن سليمان المرادي ، عن ابن وهب أخبرني ابن لهيعة ، عن مالك ، عن ابن الهادي ، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب أنه قال : دخلت مع عبد الله بن عمرو على أبيه .

هكذا يقول : يزيد في هذا الحديث ، عن أبي مرة مولى أم هانئ ، وأكثرهم يقولون : مولى عقيل بن أبي طالب ، واسمه يزيد بن مرة .

في هذا الحديث ، عن مالك ، عن يزيد بن عبد الله بن الهادي ، عن أبي مرة مولى أم هانئ أنه دخل مع عبد الله بن عمرو بن العاصي على أبيه عمرو بن العاصي ، وكذلك قال روح بن عبادة ، عن مالك ، وكذلك قال الليث ، عن يزيد بن الهادي ، عن أبي مرة مولى عقيل أنه دخل هو ، وعبد الله بن عمرو بن العاصي على عمرو بن العاصي ، وذكر مثل حديث مالك .

[ ص: 69 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن الجهم السمري حدثنا روح بن عبادة ، عن مالك ، عن يزيد بن عبد الله بن الهادي ، عن أبي مرة مولى أم هانئ أنه دخل مع عبد الله بن عمرو على أبيه عمرو بن العاصي يقرب إليه طعاما ، قال : كل ، قال : إني صائم ، فقال : عمرو كل ، فهذه الأيام التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بفطرها ، وينهانا عن صيامها قال مالك ، وهي أيام التشريق .

وقد روي هذا الحديث ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو ، عن عبد الله بن عمرو ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحسن أسانيد حديث عمرو بن العاصي هذا إسناد مالك هذا ، عن يزيد بن الهادي ، عن أبي مرة ، عن عبد الله بن عمرو ، عن أبيه .

وقد روي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى ، عن صيام أيام التشريق جماعة من الصحابة منهم : علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن حذافة ، وبشر بن سحيم ، وعمرو بن العاصي ، وعقبة بن عامر .

حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المومن قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا الحسن بن علي قال : حدثنا ابن وهب قال : حدثنا موسى بن علي ، وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع ، عن موسى بن علي ، والأخبار في حديث ابن [ ص: 70 ] وهب قال : سمعت أبي يقول : إنه سمع عقبة بن عامر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق عيد أهل الإسلام ، وهي أيام أكل ، وشرب لا يوجد ذكر يوم عرفة في غير هذا الحديث ، وقد مضى القول في ذلك في غير هذا الباب من هذا الكتاب منها : باب ابن شهاب ، وباب أبي النضر ، ومضى هنالك كثير من معاني هذا الباب ، والحمد لله .

واختلف الفقهاء في صيام أيام التشريق للمتمتع إذا لم يجد الهدي ، ولم يصم قبل يوم النحر ولمن نذر صومها أو صوم بعضها ، فذكر ابن عبد الحكم ، عن مالك قال لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر يوم الفطر ، ويوم النحر ، وأيام التشريق لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامها .

وقال في موضع آخر ، ولا يتطوع أحد بصيام أيام منى .

وروى ابن وهب ، عن مالك قال : لا يصام يوم الفطر ، ويوم النحر ، وأيام التشريق .

وروى ابن القاسم ، عن مالك قال : لا يصوم أحد يوم الفطر ، ولا يوم النحر بحال من الأحوال ، ولا ينبغي لأحد أن يصوم أيام الذبح الثلاثة قال : وأما اليومان اللذان بعد يوم النحر ، فلا يصومهما أحد [ ص: 71 ] متطوعا ، ولا يقضي فيهما صياما ، واجبا من نذر ، ولا رمضان ، ولا يصومهما إلا المتمتع الذي لم يصم في الحج ، ولم يجد الهدي قال : وأما آخر أيام التشريق ، فيصام إن نذره رجل أو نذر صيام ذي الحجة ، فأما قضاء رمضان أو غيره ، فلا يفعل إلا أن يكون قد صام قبل ذلك صياما متتابعا ، فمرض ثم صح ، وقوي على الصيام في هذا اليوم ، فيبني على الصيام الذي كان صامه في الظهار أو قتل النفس .

وأما رمضان خاصة ، فإنه لا يصومه عنه .

وقال الشافعي في رواية الربيع ، و المزني ، ولا يصام يوم الفطر ، ولا يوم النحر ، ولا أيام منى ، فرضا ، ولا تطوعا ، ولو صامها متمتع لم يجد هديا لم يجز عنه بحال .

قال المزني : وقد قال مرة يجزي عنه ، ثم رجع عنه ، وأصحاب الشافعي على القولين جميعا .

وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، وابن علية لا يصام يوم الفطر ، ولا يوم النحر ، ولا أيام التشريق على حال ، ومن نذر صيامها لم يجز له وقضاها ، ولا يصومها المتمتع ، ولا غيره .

وقال الليث : لا يصوم أحد أيام منى متمتع ، ولا غيره ، والحجة لمذهب الليث ، ومن قال كقوله : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر مناديه ، فنادى [ ص: 72 ] في أيام التشريق أنها أيام أكل ، وشرب ، ونهى ، عن صيامها ، وقد علم أن في أصحابه من المتمتعين من يمكن أن يكون لا يجد هديا ، وحقيقة النهي حمله على العموم إلا أن يتفق على أنه أريد به الخصوص .

وقد روي ، عن عمر ، وابن عباس أنهما نهيا المتمتع ، عن صيام أيام منى ، وقد أجمعوا على أن النهي ، عن صيام يوم النحر ، ويوم الفطر نهي عموم ، فكذلك نهيه ، عن صيام أيام منى هذه جملة ما احتج به الكوفيون ، ومن قال بقولهم في ذلك .

ومن حجة من أجاز صيام أيام التشريق للمتمتع إذا لم يجد الهدي عموم قول الله - عز وجل - في المتمتع ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ) ، ومعلوم أنها من أيام الحج لما فيها من عمله ، فبهذا قلنا إن النهي خرج على التطوع بها كنهيه عن الصلاة بعد العصر ، والصبح على ما قد ذكرناه ، والحمد لله .

قال أبو عمر : تحصيل مذهب مالك في صيام المتمتع إذا لم يجد الهدي ، ولم يصم الثلاثة الأيام في الحج أنه يصوم أيام التشريق ، وهو قول ابن عمر ، وعائشة ، وهو أحد قولي الشافعي قال مالك : فإن فاته صيام أيام التشريق صام العشرة كلها إذا رجع إلى بلاده ، وأجزأه ، وإن وجد هديا بعد رجوعه أهدى ، ولم يصم .

[ ص: 73 ] قال أبو عمر : روي ، عن ابن عمر ، والزبير ، وأبي طلحة ، والأسود بن يزيد أنهم يصومون أيام التشريق تطوعا ، وليس ذلك بصحيح عنهم ، ولو صح كان الحجة فيما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا فيما جاء عنهم ، وجماعة العلماء ، والفقهاء على كراهية صيام أيام التشريق تطوعا ، وبالله التوفيق .

وأيام التشريق هي أيام منى ، وأيام الذبح بعد يوم النحر عند جماعة من أهل العلم ، وقد اختلف العلماء في أيام الذبح للأضحى ، وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك في باب يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار من هذا الكتاب ، والحمد لله .

وفي اشتقاق أيام التشريق لأهل اللغة قولان : أحدهما : أنها سميت بذلك ; لأن الذبح فيها يجب بعد شروق الشمس ، والآخر : أنها سميت بذلك ; لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي إذا قددت .

قال قتادة : وقول ثالث : إنما سميت أيام التشريق ; لأنهم كانوا يشرقون الشمس في غير بيوت ولا أبنية للحج هذا قول أبي جعفر محمد بن علي .

التالي السابق


الخدمات العلمية