التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 88 ] يحيى بن سعيد الأنصاري

- رحمه الله -

وهو يحيى بن سعيد بن قيس بن عمر بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، ولجده قيس بن عمرو صحبة ، وقد ذكرناه في كتاب الصحابة .

وقال قوم : جد يحيى بن سعيد قيس بن فهد ، وقال آخرون : قيس بن عاصم ( وكل ذلك خطأ ) ، وإنما جده قيس بن عمرو على ما ذكرناه ، وهو الصحيح عندنا ، ويكنى يحيى بن سعيد أبا سعيد ، وكان ، فقيها عالما محدثا حافظا ثقة مأمورا عدلا مرضيا ، وكان كريما جوادا حين أدرك الغنى بعد ولايته القضاء ، وكان نزه النفس ، وكان في أول أمره مقلا قد ركبه الدين ، ثم أثرى بعد . وله أخبار كثيرة كرهت اجتلابها ، وسنذكر ما يستدل به على ما قلنا إن شاء الله .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا يحيى بن معين قال : حدثنا ابن مهدي ، عن حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة قال : حدثني الأمين المأمون على ما يعيب عليه يحيى بن سعيد ، عن عروة قال يقطع [ ص: 89 ] الآبق إذا سرق قال : وسمعت أبي ، ويحيى بن معين يقولان : يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري مدني ثقة .

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا إسماعيل بن محمد قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : سمعت علي بن المديني يقول : أربعة من أهل الأمصار يسكن القلب إليهم في الحديث يحيى بن سعيد بالمدينة ، وعمرو بن دينار بمكة ، وأيوب بالبصرة ، ومنصور بالكوفة .

وذكر الواقدي قال لما استخلف الوليد بن يزيد بن عبد الملك استعمل على المدينة يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي ، فاستقضى سعد بن إبراهيم على المدينة ، ثم عزله ، واستقضى يحيى بن سعيد الأنصاري .

قال الواقدي : وقدم يحيى بن سعيد على أبي جعفر الكوفة ، وهو بالهاشمية ، فمات بها سنة ثلاث وأربعين .

قال : وأخبرنا سليمان بن بلال قال خرج يحيى بن سعيد إلى إفريقية لميراث وجب له هناك ، وطلب له ربيعة بن أبي عبد الرحمن البريد ، فركبه إلى إفريقية ، فقدم بذلك الميراث ، وهو خمسمائة دينار قال : فأتاه الناس يسلمون عليه ، وأتاه ربيعة فسلم عليه ، فلما أراد ربيعة أن يقوم حبسه ، فلما ذهب الناس أمر بالباب ، فأغلق ، ثم دعا بمنطقته ، فصبها بين يدي ربيعة ، وقال يا أبا عثمان ، والله الذي لا إله إلا هو ما غيبت منها دينارا إلا شيئا أنفقته في الطريق ، ثم عد خمسين ومائتي دينار ، فدفعها إلى ربيعة ، وأخد خمسين ومائتي دينار لنفسه قاسمه إياها ، وكان ثقة صدوقا .

[ ص: 90 ] أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال : حدثنا يحيى بن محمد قال : حدثنا سليمان بن بلال قال : لما خرج يحيى بن سعيد إلى العراق خرجت أشيعه ، فكان أول من استقبلته جنازة ، فتغير وجهي لذلك ، فالتفت إلي ، فقال : يا أبا محمد كأنك تطيرت ، فقلت : اللهم لا طير إلا طيرك .

فقال : لا عليك ، والله لئن صدق لينعشن الله أمري قال : فمضى ، والله ما أقام إلا شهرين حتى بعث بقضاء دينه ، ونفقة أهله ، وأصاب خيرا .

قال : وحدثنا إبراهيم بن المنذر قال : حدثنا يحيى بن محمد بن طلحة بن عبد الله بن أبي بكر الصديق قال : حدثني سليمان بن بلال قال كان يحيى بن سعيد قد ساءت حاله ، وأصابه ضيق شديد ، وركبه الدين ، فبينما هو على ذلك إذ جاءه كتاب أبي العباس يستقضيه قال سليمان ، فوكلني يحيى بأهله ، وقال لي : والله ما خرجت ، وأنا أجهل شيئا ، فلما قدم العراق كتب إلي أبي : كنت قلت لك حين خرجت قد خرجت ، وما أجهل شيئا ، وإنه ، والله لأول خصمين جلسا بين يدي ، فاقتصا شيئا ، والله ما سمعته قط ، فإذا جاءك كتابي هذا ، فسل ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، واكتب إلي بما يقول : ولا يعلم أني كتبت إليك بذلك [ ص: 91 ] قال : وحدثنا إبراهيم بن المنذر قال : حدثنا ابن وهب قال : حدثنا مالك قال : قال لي يحيى بن سعيد : اكتب لي أحاديث من أحاديث ابن شهاب في الأقضية قال : فكتب له ذلك في صحيفة كأني أنظر إليها صفراء ، فقيل : يا أبا عبد الله أعرض عليك ؟ قال : هو كان أفقه من ذلك .

قال أبو عمر : يحيى بن سعيد من فقهاء التابعين بالمدينة سمع من أنس بن مالك ، وروى عنه أحاديث مسندة ، وغير مسندة ، وليس عند مالك عنه ، عن أنس حديث مسند .

قال محمد بن عبد الله بن نمير مات يحيى بن سعيد سنة ثلاث وأربعين ومائة ، ويكنى أبا سعيد ، وكذلك قال يزيد بن هارون ، والواقدي إلا أنهما قالا بالهاشمية سنة ثلاث وأربعين .

ولمالك عنه في الموطأ من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسة وسبعون حديثا منها ثلاثون حديثا مسندة في يسير منها انقطاع ، ومنها تسعة موقوفة ، وسائرها مرسلة ، ومنقطعة ، وبلاغات ، وكلها مرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نصا أو معنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية